"تبدأ الحرب في قلب الإنسان ولذلك جميعنا مسؤولون عن الحفاظ على السّلام" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وسلّط الضّوء على ألم العديد من الشعوب التي تسحقها الحروب التي يريدها المقتدرون وتجار الأسلحة.
الحمامة وقوس القزح والعهد تمحورت عظة البابا فرنسيس حول هذه النقاط الثلاث التي نجدها في القراءة من كتاب سفر التكوين (9/ 1-13) والتي تخبرنا عن نوح الذي أرسل الحمامة بعد الطوفان فعادت وَفي فيها وَرَقةَ زَيتونٍ خَضراء كعلامة لِما أراده الله بعد الطوفان أي السّلام وأن يكون جميع البشر بسلام.
الحمامة وقوس القزح هما هشّان؛ فقوس القزح جميل جدًّا بعد العاصفة ولكن ما إن تأتي غيمة يختفي، والحمامة هي هشّة أيضًا وذكّر في هذا السّياق بحادثة جرت منذ سنتين تقريبًا خلال تلاوة صلاة التبشير الملائكي عندما هجم نورس وقتل الحمامتين اللتين أطلقهما من نافذة مكتبه في القصر الرّسوليّ.
أضاف الحبر الأعظم يقول إنّ العهد الذي يُقيمه الرَّبُّ قويٌّ جدًّا ولكننا نقبله بضعف. الله يُقيم معنا السّلام ولكن ليس من السَّهل علينا أن نحافظ عليه. السّلام هو عمل يوميّ لأنّه في داخل كلّ فرد منّا لا تزال موجودة بذرة الخطيئة الأصليّة وروح قايين الذي بسبب الحسد والجشع وحبّ التسلّط أقام حربًا.
نقرأ في سفر التكوين (9/ 6 -7): "أَمّا دِماؤكُم فَأَطلُبُها، مِن يَدِ كُلِّ وَحشٍ أَطلُبُها، وَمِن يَدِ الإِنسان. أَيُّ إِنسانٍ قَتَلَ أَخاهُ أَطلُبُ نَفسَ الإِنسان. إِن يَكُن سافِكُ دَمِ الإِنسانِ إِنسانًا فَدَمُهُ يُسفَك، لأَنَّهُ بِصورَةِ اللهِ صُنِعَ الإِنسان"، لذلك نحن حرّاسٌ للإخوة وعندما يكون هناك إراقة دمّ يكون هناك خطيئة والله سيحاسبنا عليها.
نرى اليوم في العالم إراقة دماء هائلة لأنّ العالم يعيش في حرب. يموت العديد من الإخوة والأخوات الأبرياء لأن المقتدرين العظام يريدون أن يربحوا من خلال الاتجار بالأسلحة. لكن كلمة الرّبّ واضحة: "أَمّا دِماؤكُم فَأَطلُبُها، مِن يَدِ كُلِّ وَحشٍ أَطلُبُها، وَمِن يَدِ الإِنسان. أَيُّ إِنسانٍ قَتَلَ أَخاهُ أَطلُبُ نَفسَ الإِنسان". وبالتالي نحن الذين يبدو لنا أننا نعيش بسلام سيحاسبنا الرَّبّ أيضًا على دمّ إخوتنا وأخواتنا الذين يعانون بسبب الحرب.
وكيف أحافظ على الحمامة؟ ماذا ينبغي عليّ أن أعمل لكي يكون قوس القزح مرشدًا على الدوام؟ ماذا يمكنني أن أعمل لكي تتوقّف إراقة الدّماء في العالم؟ هذا الأمر يطالنا جميعًا لذلك فالصّلاة والعمل من أجل السّلام ليسا مجرَّد شكليّات.
الحرب تبدأ في قلب الإنسان، تبدأ في البيت والعائلة والأصدقاء لتمتدَّ بعدها إلى العالم بأسره. فماذا علي أن أفعل إذًا عندما أشعر أنّ هناك شيئًا ما يأتي إلى قلبي ليدمِّر السّلام؟ إن الحرب تبدأ هنا وتنتهي هناك، والأخبار نقرؤها في الصّحف ونسمعها في نشرات الأخبار... يموت العديد من الناس اليوم وبذرة الحرب التي ولّدها في قلبي الحسد والغيرة والجشع التي نمت لتصبح شجرة، هي نفسها تلك القنبلة التي تسقط على مستشفى ما أو مدرسة ما وتسبب مقتل العديد من الأطفال.
إنّ إعلان الحرب يبدأ داخل كلِّ فرد منّا ولذلك ينبغي على كلّ منّا أن يسأل نفسه: "كيف أحافظ على السّلام في قلبي وفي داخلي وفي عائلتي؟" ومن جهّة أخرى لا يجب عليَّ أن أحافظ على السّلام وحسب وإنما أن أصنعه بيديّ يوميًّا فنتمكّن هكذا من صنعه معًا في العالم بأسره.
دمّ المسيح هو الذي يصنع السّلام وليس دمّ أخي الذي أسفكه أو يسفكه تجّار الأسلحة ومقتدرو الأرض في الحروب. وتحدّث البابا في هذا السِّياق عن حادثة من طفولته وقال أذكر في ذلك اليوم دوي صوت صفارات الإنذار في مراكز الإطفاء ومن ثمّ الصّحف وفي المدينة... هذا ما كان يحصل للفت الإنتباه في كلّ مرّة كانت تحدث مأساة ما، وسمعت فورًا صوت جارتنا تنادي أمّي: "سيّدة رجينا تعاليّ!" فخرجت أمّي خائفة: "ماذا يحدث؟" فأجابتها جارتنا والدّموع تملأ عينيها: لقد انتهت الحرب!" وذكّر البابا فرنسيس في هذا الإطار بعناق المرأتين الذي طبعته الدّموع والفرح لانتهاء الحرب.
ليمنحنا الرَّبّ نعمة أن نقول: انتهت الحرب! انتهت الحرب في قلبي وفي عائلتي؛ انتهت الحرب في حيّي وفي مكان عملي؛ انتهت الحرب في العالم! وعندها يصبح قوس القزح والحمامة والعهد أقوى.
إذاعة الفاتيكان.