"كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فحسب" (يعقوب 1، 22).
إنّها كلمة الإنجيل، كلمة تعطي الحياة، وفي الوقت عينه، هي كلمة تطلب أن نعيشها.
إذا كان الله يتكلّم معنا، فكيف لا نستقبل كلمته؟ إنّ الدّعوة إلى سماع كلمة الله تتردّد 1153 مرّة في الكتاب المقدّس. ولقد وجّه الآب الدّعوة ذاتها إلى التلاميذ، حين جاء ابنه "الكلمة" ليعيش في وسطنا، إذ قال: "له اسمعوا" (متّى 17، 5).
لكنّ الإصغاء الذي يتكلّم عنه الكتاب المقدّس يجب أن يكون نابعاً من القلب قبل أن يكون صادراً من الأذنين. إنّه يعني التزاماً كاملاً بكلمة الله وطاعة لها وتوافق مع ما يقوله الربّ، بثقة الطفل الذي يرمي بنفسه بين يديّ الأمّ ويتركها تحمله.
وهذا ما يذكّر به يعقوب الرّسل في رسالته :
"كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فحسب" (يعقوب 1، 22).
نشعر هنا بصدى تعاليم يسوع الذي يعلن الطوبى لِمَن يسمع كلمة الله ويعمل بها (لوقا 11، 18)، والذي يعتبر أنّ أمّه وأخواته هم من يسمعون كلمات الله ويعملون بها (أنظر لوقا 8، 20 -21).
وبالعودة إلى مثل أعطاه يسوع، يشبّه يعقوب كلمة الله بالبذرة المزروعة في قلبنا. علينا أن نستقبلها "بانصياع" كامل، ولكنّ استقبالها والإصغاء إليها لا يكفيان وحدهما. فكما أنّ على البذرة أن تثمر، هكذا على كلمة الله أن تُتَرجم إلى حياة.
وقد شرح يسوع ذلك في مثل الأخَوَيْن عندما أجاب الإبن الأكبر بـ"نعم" على طلب والده للعمل في الحقول، ولكنّه لم يذهب. بينما أجابه الإبن الأصغر "ليس لدي الرّغبة بذلك" وعاد وأطاع والده وبرهن بالعمل ماذا يعني حقـّاً الإصغاء إلى الكلمة (متّى 21، 28 -30).
ويؤكّد يسوع في ختام "حديثه على الجبل" أنّ من يُصغي جيّداً إلى الكلمة هو من يعمل بها، فيُغني حياته ويشبه بذلك رجلاً حكيماً بنى بيته على الصَّخر (متّى 7، 24).
"كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فحسب" (يعقوب 1، 22).
إنّ يسوع في كلّ كلمة من كلماته يعبّر عن محبّته لنا. فلنُجسّدها ولنجعلها خاصّتنا، فنختبر إذا عشناها طاقة الحياة المخزونة فيها، فينا ومن حولنا. فلنُغرم بالإنجيل لنترك أنفسنا تتحوّل إلى إنجيل وتفيض به على الآخرين. ذلك هو الجواب على محبّة يسوع لنا. فلا نعود نحن من يعيش، بل سيعيش المسيح فينا.
عندها سنلمس لمس اليد معنى التحرّر من ذواتنا، ومن محدوديّاتنا، ومن عبوديّتنا، لا بل سوف نرى ثورة المحبّة تتفجّر، تلك الثورة التي يثيرها يسوع عندما نتركه يعيش فينا بحريّة، وسيثيرها في النسيج الإجتماعيّ الذي ننتمي إليه.
"كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فحسب" (يعقوب 1، 22).
لقد اختبرنا هذه الكلمة منذ بداية عمل مريم، خلال الحرب العالميّة الثانية، حين كنّا نركض إلى الملاجئ في ترنتو بسبب القصف ولا نحمل معنا سوى كتاب الإنجيل.
كنّا نفتحه ونقرأ، وأعتقد أنّه بفضل نعمة خاصّة من الله، كانت تلك الكلمات التي تردّدت على مسامعنا مرّات عدّة تُنار كلّ مرّة بنور جديد. كانت كلمات حياة، يمكنها أن تتحوّل إلى حياة. "أحبب قريبك كنفسك" (متّى 22، 39)، وكان الأشخاص الذين نحبّهم حسب وصيّة يسوع هذه يجدون، على الرّغم من مآسي الحرب وظلامها، الإبتسامة والسّلام ومعهما معنى الحياة.
كما أنّ كميّات المواد التي كانت العناية الإلهيّة تغمرنا بها بعد كلّ بادرة سخاء صغيرة ونوزّعها خيرات على المحتاجين في المدينة، كانت تؤكّد على صحّة كلام يسوع "أعطوا تُعطوا". ورأينا جماعة حيّة تولد من حولنا، جماعة أصبحت بعد أشهر قليلة يفوق عددها الخمسمائة شخص.
كلّ ذلك كان ثمرة الشّركة مع كلمة الله، شركة مستمرّة، ديناميكيّة لحظة تلو الأخرى. كنّا سَكارى بكلمة الله، ويمكننا القول أنّ كلمته كانت تعيشنا. كان يكفي أن نقول: "أتعيشين الكلمة؟" "هل أنت الكلمة المعاشة؟" لكي تكبر فينا الرّغبة في عيشها بسرعة.
ومن جديد يجب أن نعود إلى تلك الأزمنة. فكلام الإنجيل آنيّ لا يزول. علينا نحن أن نؤمن به ونختبره.
كيارا لوبيك
مؤسسة حركة الفوكولاري.