"ينبغي علينا أن نتنبّه من روح العالم الذي يحملنا على عيش حياة مزدوجة" هذا هو التحذير الذي وجهه قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان مُؤكدًا أنه ولحماية الهوية المسيحية ينبغي علينا أن نكون صادقين في شهادتنا ونبتعد عن تجربة حياة دنيوية.
إن أَلِعازار الطاعن في السن لم يسمح لروح العالم بأن يُضعفه "َوٱختارَ أَن يَموتَ مَجيدًا عَلى أَن يَحيا ذَميمًا" وأن يستسلم لإلحاد الفكر الموحّد.
إستهلّ الأب الأقدس عظته إنطلاقًا من سفر المكابيين الثاني (6 /18 -31) ليعود ويحذّر المسيحيين من تجربة الحياة الدنيويّة. فألعازار والذي كان قد بلغ التسعين من عمره لم يقبل أن يأكل لحم الخنزير كما طلب منه أيضًا أصدقاؤه الدنيويون الذين كانوا يريدون أن ينقذوا حياته. لقد فضّل أن يحافظ على كرامته وشرف الحياة الصادقة التي عاشها وفضّل الاستشهاد مقدمًا بهذا شهادة على مصداقيّة حياته.
إن روح العالم يُبعدنا عن مصداقيّة الحياة ويجعلنا نناقض ذواتنا، أي يجعلنا نتظاهر بأننا نعيش بطريقة معيّنة ولكننا بالفعل نعيش بطريقة مختلفة كليًّا. هذا هو روح العالم، ويصعب علينا اكتشافه منذ البداية لأنه كسوسة الخشب يُدمّر ببطء ويتلف القماش فيصبح غير صالح للاستعمال، وهكذا أيضًا الإنسان الذي يسمح لروح العالم أن يسيطر عليه فيفقد هويّته. فبعد أن تدمّر سوسة روح العالم هويّته يصبح غير قادر على العيش بصدق. فيعلن أنه كاثوليكي ومتديّن ولكن وفي إطار عمله لا يعمل بحسب ضميره وإنما يقوم بمساومات وبما يناسب مصالحه. هذه ليست مصداقية هذا روح العالم وحسب. فروح العالم يحملك على عيش حياة مزدوجة: حياة في الظاهر مزيّفة وحياة خفيّة حقيقيّة ويبعدك عن الله ويدمّر هويتك المسيحيّة.
لذلك، تصرف يسوع بقوة عندما طلب من الآب أن يحفظ التلاميذ من روح العالم الذي يدمّر الهويّة المسيحيّة. ويقدم لنا ألعازار مثالاً شُجاعًا ضد روح العالم هذا، فهو قد فكّر بالشباب ولم ينحاز إِلى مَذهَبِ ٱلأَجانِب لكي لا يضلّ الشبان بسببه. إن الروح المسيحي وروح الهويّة المسيحية ليس أنانيًّا أبدًا وإنما يسعى على الدوام لكي يعتني بالآخرين ويجنّبهم العثرة والضلال من خلال مثله الصالح.
قد يقول لي أحدكم: "ولكن يا أبتِ ليس سهلاً أن نعيش في هذا العالم الذي تكثُر فيه التجارب وتجربة الحياة المزدوجة تغرينا يوميًّا" نعم هذا أمر صعب علينا ولكن بفضل الرب يمكننا أن نقوم به، ولذلك صلّينا في المزمور " أَنتَ يا رَبُّ تُرسي... ٱلرَّبُّ يَسنُدُني..." فالرّبّ هو عضدنا ضدّ روح العالم الذي يدمّر هويتنا المسيحيّة ويدفعنا إلى عيش حياة مزدوجة.
وحده الرّبّ بإمكانه أن يخلّصنا، وصلاتنا المتواضعة ستكون: "يا رب أنا خاطئ وجميعنا خطأة لكنني أسالك أن تعضدني لكي لا أتظاهر بأنني مسيحي وأعيش فعلاً كوثني ودنيوي". إن كنتم تملكون القليل من الوقت اليوم خذوا الكتاب المقدس وبالتحديد سفر المكابيين الثاني الفصل السادس واقرؤوا قصة ألعازار، ستساعدكم قصته جدًا وستمنحكم الشجاعة لتكونوا مثالاً للجميع كما وستعطيكم أيضًا القوة والعضد لتسيروا قدمًا في هويتكم المسيحيّة دون مساومات وازدواجيّة حياة.
إذاعة الفاتيكان.