وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالة الميلاد بعنوان "من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء" الى اللبنانيين عمومًا والمسيحيين خصوصًا مقيمين ومنتشرين، من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بحضور المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات وحشد من الكهنة والرهبان والراهبات.
بعد الصلاة المشتركة كانت كلمة لرئيس عام الرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم باسم الرؤساء العامين والرئيسات العامات قال فيها:
"باسم أخواتي الرئيسات العامات والإقليميات وأخوتي الرؤساء العامين والإقليميين للرهبانيات وجمعيات الحياة المكرسة، وباسم الراهبات والرهبان والمكرسات والمكرسين، نتقدم منكم يا صاحب الغبطة والنيافة، بصفتكم رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، بأصدق مشاعر البنوة بمناسبة عيد الميلاد المجيد، سائلين الإله الكلمة المتجسد أن يغدق عليكم نعمه لمتابعة مسيرتكم مع أصحاب الغبطة والسيادة في قيادة كنيسة لبنان في الشهادة لإيمانها والتزامها العمادي.
جئنا نضع بين أيديكم، يا صاحب الغبطة، سنة من الشهادة أمضاها بناتكم المكرسات وأبناؤكم المكرسون، حبا بابن الله المتجسد، باسم الكنيسة ووفق توجيهات قداسة البابا فرنسيس وتوجيهاتكم: "سنة من الصلاة وحياة النسك والتقشف في الصوامع والمحابس والأديار، سنة من الخدمة الرسولية والرعائية والإرشاد في الرعايا والمزارات ومع الحركات الرسولية والكشفية، سنة من خدمة الفقراء والمعوزين واليتامى والمسجونين والمدمنين في المؤسسات الاجتماعية وفي السجون وفي الأرياف والأحياء الفقيرة، سنة من الاعتناء بالمرضى وأصحاب الاحتياجات الخاصة والمسنين والمتألمين في المستوصفات والمستشفيات ودور العجزة، سنة من العمل في استصلاح الأراضي وفي تطوير العمل الزراعي والحفاظ على البيئة، سنة من العمل الإداري لتوفير فرص العمل في الممتلكات الكنسية والأوقاف، وبشكل خاص سنة أخرى من العمل على ترقي الإنسان وتطوير إمكانياته من خلال التعليم والإدارة في المدارس والجامعات. نقدم لغبطتكم هذه السنة من الشهادة لتباركوها برضاكم الأبوي، وتشفعوا بصلواتكم للآب السماوي ليغفر كل نقص في خدمتنا أو ضعف بشري في إدائنا، سبب شكا لأحد أخوتنا، وأساء إلى شهادة الكنيسة.
نشكر الله معكم، يا أبانا، على سنة من الخير أنعم بها على لبنان، فصانه من الحروب والفتن الدائرة حوله، ونصر جيشه في تحرير أراضيه، وعضد القوى الأمنية في الحفاظ على أمن المواطنين، وألهم السياسيين العمل لمصلحة الوطن وتجنب الانقسامات والحفاظ على ما تبقى من اقتصاد.
كل ذلك بفضل وجود رئيس يعيد لرئاسة الجمهورية موقعها الدستوري والفعلي في إدارة مؤسسات الدولة بعد الفراغ، ويسهر على الحفاظ على السلطات وحسن عملها، ويحترم كل مكونات الشعب اللبناني ويحميها من الصراعات الداخلية الأخوية المدمرة، كما يحمي كرامة الوطن من تدخلات الخارج وأطماعه، وبفضل تجاوب كل هذه المكونات مع فخامة الرئيس ومبادراته الإصلاحية.
هذا الجو الإيجابي مكن السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية من تحقيق الكثير من الإنجازات التي نرجو منها خيرا للبنان وللمواطنين.
لكن هذه السنة، حملت معها أيضا بعض المخاطر، لعل أهمها ما حمله القانون 46، من خطر ليس فقط على مستقبل التعليم الخاص بل على حرية التعليم بشكل عام في لبنان. وكنتم يا صاحب الغبطة أول من تنبه للأمر، فبادرتم إلى طلب إعداد الدراسات والأبحاث وإلى تشكيل اللجنة الداعمة للجنة الأسقفية للمدارس وللأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، حرصا منكم على متابعة رسالة التعليم التي تفخر الكنيسة بأنها كانت الرائدة بها مع قدوم الإرساليات ومع المجمع اللبناني في بداية القرن الثامن عشر وحتى يومنا. هذه الرسالة التي حملت الكنيسة ومؤسساتها مسؤوليتها، جعلت من لبنان ومن إنسانه ما هو عليه اليوم.
وأسمحوا لنا يا صاحب الغبطة، ان نعبر بوضوح وصراحة، بأننا فخورون برسالتنا التربوية وحريصون عليها، وبأننا سوف نضحي بكل ما يجب في سبيل متابعتها.
بأننا كذلك، لسنا نخاف على رهبانياتنا وجمعياتنا وكنيستنا من إقفال المدارس، هناك قطاعات أخرى بحاجة ماسة إلى من يتكرس لخدمتها.
ما نخشاه هو تغيير وجه لبنان فيصبح أقل تنوعًا وتألقًا ورقيًا، ما يقلقنا هو ضياع الإمكانيات العلمية والثقافية والإبداعية على شبابنا اللبناني، ما نخشاه هو عدم تمكن أهلنا وأخوتنا وأبناء جيلنا من توريث إمكانياتهم العلمية لأبنائهم وبناتهم، وما نخشاه أيضا، هو ضياع فرصة التعليم على العدد الأكبر من الأساتذة والمعلمات الكفؤ والكفوءات في المدارس الخاصة. تداعيات هذا القانون قد تؤدي في المستقبل القريب إلى تغيير جذري في المستوى العلمي والثقافي لجميع الشباب اللبناني ولقدراته التنافسية مع البلدان المحيطة.
إن هذا القانون الذي ينصف الأساتذة بالظاهر، يشكّل خطرا على حريّة الأهالي في اختيار مدارس أبنائهم، بحيث ستصبح المدارس الخاصة بعد سنوات قليلة حكرا على فئة صغيرة جدا مقتدرة ماليا في المجتمع، وسوف تقفل قريبا الكثير من المدارس الصغيرة والمتوسطة وبعض المدارس الكبيرة خاصة في الجبال والأرياف، مما سوف يتسبب بفقدان الكثير من فرص العمل في هذه المناطق وبتهجير جديد. لقد اختبرت بعض البلدان المحيطة هذا الأمر والنتائج واضحة. لكن يبدو أن الناس عائدون من الحج والبعض ذاهبون.
لكننا واثقون بحكمة فخامة الرئيس وبأنه لن يفرط بالمستوى العلمي للشباب اللبناني والذي يشكل ثروته الأولى والأخيرة، وبأنكم يا صاحب الغبطة سوف تتابعون، بهمتكم المعهودة، هذا الموضوع مع الوزارات والسلطات المختصة.
أخيرا نشكر الله عليكم، يا صاحب الغبطة، على غيرتكم الرسولية وثباتكم ونشاطكم، ووقوفكم الدائم إلى جانب الحقيقة والقيم الإنسانية والأخلاقية، ودفاعكم عن القضايا المحقة، وانفتاحكم للحوار مع الجميع، وقيادتكم الحكيمة لكنيسة لبنان.
نشكر الله عليكم يا أبانا، رافعين صلواتنا إلى طفل المغارة أن يحفظكم ويعطي لبنان والكنيسة سنة جديدة من الخير، بشفاعة والدته العذراء مريم سيدة لبنان، ومار شربل وقديسي لبنان وشهدائه".