كلمة قداسة البابا فرنسيس إلى الكوريا الرومانية

متفرقات

كلمة قداسة البابا فرنسيس إلى الكوريا الرومانية

 

 

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء،

 

أود أن أستهل هذا اللقاء معبرًا عن أمنياتي لكم جميعًا: المسؤولون، والعاملون، والسفراء الباباويون والمعاونون في السفارات البابوية المنتشرة في العالم، ولجميع الأشخاص الذين يخدمون في الكوريا الرومانية ولجميع أحبّائكم. أمنياتي لكم بعيد ميلاد مقدّس وفَرِح وبعام جديد سعيد 2017.

 

هتف القدّيس أغسطينوس وهو يتأمّل في وجه الطفل يسوع: "عظيم في طبيعتك الإلهيّة، وصغير في طبيعة العبد"[1]. استعمل القدّيس مكاريوس - راهب من القرن الرابع وتلميذ القدّيس أنطونيوس الكبير - هو أيضًا الفعل اليوناني smikruno كي يصف سرّ التجسّد، أي أن يجعل المرء نفسه صغيرًا فيكاد يصل إلى التلاشي: "اصغوا بانتباه: إنّ الله اللامتناهي، والذي لا يمكن الوصول إليه، وغير المخلوق، قد تجسّد، بصلاحه العظيم وغير الموصوف، وأود أن أقول إنّه قد تنازل من مجده حتّى المنتهى"[2].

 

الميلاد هو بالتالي عيد التواضع المحبّ لله، الله الذي يقلب ترتيب المنطق المتعارف عليه، الترتيب الواجب والجدلي والحسابي. في هذا الاِنْقَلَاب رَأْسًا على عَقِب يكمن كلّ غنى المنطق الإلهيّ الذي يزعج محدوديّة منطقنا البشريّ (أش 55، 8- 9). كتب ر. غوارديني: "يا له من تحويل لجميع القيم البشريّة المألوفة، ليست فقط البشريّة، إنّما أيضًا إلهيّة! إنّ هذا الإله يقلب بالفعل كلّ ما يدعي الإنسان أنّه بناه بنفسه"[3]. إنّنا مدعوّون، في الميلاد، لأن نقول "نعم" بإيماننا، لا للمسيطر على الكون ولا حتّى لأنبل الأفكار، إنّما لهذا الإله بالتحديد، الذي هو الوديع - المحب.

 

أكّد الطوباوي بولس السّادس في عيد الميلاد عام 1971 أنّه: "كان باستطاعة الله أن يأتي بالمجد، والعظمة، والنور، والقدرة، كي يخيفنا ويعمي عيوننا من العظمة. كلا، كلا! لقد أتى مثل أصغر الكائنات، وأكثرها هشاشة، وأضعفها. ولما هذا؟ كي لا يخجل أحد من التقرب منه، كي لا يخاف أحد، وكي يستطيع الجميع الشعور بقربه، والتقرب منه، كي لا يعود هناك مسافة بيننا وبينه. لقد اجتهد الله، من ناحيته، حتى ينحني ويندمج فينا، حتى يقدر كلّ منكم، كلّ منكم، أن يخاطبه بغير كلفة، وأن يشعر بالثقة، ويتقرّب منه، ويشعر أنّه موجود بفكره، وأنّه محبوب من قِبَلِه، محبوب من قِبَلِه... محبوب من قِبَلِه: انتبهوا لأهميّة هذه الكلمة! إن فهمتم هذا، إن تذكّرتم ما أقوله لكم، فقد فهمتم كلّ المسيحيّة"[4] - الطوباوي بولس السادس.

 

لقد اختار الله في الواقع أن يولد صغيرًا[5]، لأنّه أراد أن يكون محبوبًا[6]. هنا نرى كيف أنّ منطق الميلاد هو انقلاب للمنطق الدنيويّ، ولمنطق السّلطة، ولمنطق الأمر والنهيّ، وللمنطق الفريسيّ ولمنطق السببيّة أو الحتميّة.

 

لقد اخترتُ بالذات، في النور الرّقيق والمهيب لوجه الطفل الإلهيّ يسوع، موضوع لقائنا السنويّ هذا: إصلاح الكوريا الرومانيّة. فقد بدا لي من الجيّد ومن المناسب أن أشارككم إطار الإصلاح، مُسلّطا الضوء على المعايير الأساسيّة، والخطوات التي أنجزت، ولكن قبل كلّ شيء منطق كلّ خطوة حققناها ولما يجب تحقيقها.

 

في الحقيقة، يعود عفويًّا إلى ذهني مثلٌ يبيّن ديناميكيّة الرياضة الروحيّة الإغناطيّة، أي: المشوّه يُصلح، والذي أُصلح يتوافق مع المسيح، والذي توافق يُثَبّت، وهذا التثبيت يقود للتحول.

 

لا شكّ أن معنى الإصلاح في الكنيسة هو مزدوج: جَعلِها قبل كلّ شيء تتوافق مع "البُشرى السّارة التي يجب إعلانها بفرح وبشجاعة للجميع، ولا سيّما الفقراء، والمهمشين والمنبوذين"؛ تتوافق مع "علامات زمننا ومع كلّ ما من صالح توصل إليه الإنسان"، كي "تلبي بشكلٍ أفضل احتياجات الرّجال والنساء الذين نحن مدعوّون لخدمتهم"[7]؛ وهي في الوقت عينه تتعلّق بمسألة جعل الكوريا تتوافق مع غايتها، التي هي معاونة خدمة خليفة بطرس بذاته[8] (بتعاون معهcum Ipso consociatam operam-)، أي مساندة الحبر الرومانيّ في ممارسة سلطته الفريدة، العادية، الكاملة، العليا، الفورية والجامعة[9].

 

بالتالي، فإن إصلاح الكوريا الرومانيّة هو موجه بطريقة كنسيّة: للخير وللخدمة (inbonumet inservitium)، كما هي خدمة أسقف روما[10]، بحسب عبارة مهمّة للبابا القدّيس غريغوريوس الكبير، والتي استخدمها الفصل الثالث من دستور المجمع الفاتيكانيّ الأوّل الرّاعي الأزليّ (PastorAeternus): "كرامتي هي كرامة الكنيسة الجامعة. كرامتي هي قوّة إخوتي الصّلبة. أشعر بأني مُكرّم حقّا عندما لا يُمنع الإكرام الواجب لكلّ منهم"[11].

 

وبما أنّ الكوريا ليست جهازًا خامدًا، فالإصلاح هو قبل كلّ شيء علامة للحيويّة، ولكنيسة في مسيرة، في مسيرة حجّ، للكنيسة الحيّة، ولذا، لأنّها حيّة، فالكوريا هي في إصلاح مستمرّ[12] (semperreformanda)، في إصلاح لأنّها حيّة.

 

من الضروريّ بالتالي التأكيد هنا، وبقوّة، على أنّ الإصلاح ليس هدفًا بحدِّ ذاته، إنّما هو عمليّة نموّ، وقبل كلِّ شيء، هو عمليّة توبة.

 

لذا، فليس للإصلاح هدفٌ تجميلي، وكأنّنا نرغب بجعل الكوريا أجمل؛ ولا يُمكن فهمها كنوع من التزيين (lifting) أو الماكياج، أو حتى التجميل لجعل جسم الكوريا الهرم أكثر جمالا، أو كعمليّة تجميل لإزالة التجاعيد[13]. أيّها الإخوة الأعزاء، ليست التجاعيد هي التي يجب أن نخافها في الكنيسة إنّما السقطات!

 

من هذا المنظور، يجب الإشارة إلى أنّ الإصلاح سيكون فعّالًا فقط إذا تمَّ تنفيذه مع أشخاص "متجدّدين" وليس مع أشخاص "جدد"[14]. لا يجب أن نكتفي بتغيير الأفراد، لكن من الضروريّ حمل أعضاء الكوريا على التجدّد الروحيّ، والإنسانيّ، والمهنيّ. فإصلاح الكوريا لا يتمّ بأي شكلٍ عبر تغيير الأشخاص - الذي بالتأكيد يحدث أو سوف يحدث[15]- إنّما من خلال توبة الأشخاص. في الواقع، لا يكفي "تأهيل مستمرّ"، بل من الضروريّ أيضًا وقبل كلِّ شيء "توبة وتنقية مستمرَّة". فالمجهود العمليّ، دون تغيير في العقليّة، يكون دون جدوى[16].

 

لهذا السبب، قد توقفت، في لقاءَيَّ الميلاد الأخيرين، سنة 2014، متّبعًا نهج آباء الصَّحراء، عند بعض "الأمراض"، وسنة 2015، منطلقـًا من كلمة رحمة، عند نوع من "قائمة من الفضائل الضروريّة لِمَن يخدم في الكوريا ولجميع الذين يُريدون جعل تكرّسهم خصب أو خدمتهم للكنيسة مثمرة". السبب الأساسيّ هو أنّ الإصلاح المستمرّ، على غرار ما يحدث للكنيسة بأسرها، وللكوريا أيضًا، عليه أن يتحوّل إلى توبة شخصيّة وهيكليّة مستمرّة[17].

 

كان من الضروريّ التكلّم عن أمراض وعن علاجات لأنّ كلّ عمليّة، كي يُكتب لها النجاح، يجب أن يسبقها تشخيص عميق وتحليلات متقنة، ويجب أن ترافقها وتتبعها وصفات دقيقة.

 

من الطبيعيّ في هذه المسيرة، لا بل من المفيد صحّيًّا، أن نواجه بعض الصعوبات التي قد تظهر في حالة الإصلاح في أنواع مختلفة من المقاومة: المقاومة العلنيّة، التي غالبا ما تنشأ من الإرادة الصالحة ومن الحوار الجدي؛ المقاومة الخفيّة، التي تنشأ من/في القلوب الخائفة أو القاسية التي تتغذى بكلام الذين يتبنون الإصلاح الجديّ؛ المقاومات الخفيّة التي تولد من القلوب الخائفة أو المتحجرة التي تتغذى بالكلمات الخاوية (gattopardismo) لمَن يقول إنّه مستعدّ بالكلمات ولكنّه يرغب في أن كلّ شيء يبقى كما كان؛ هناك أيضًا المقاومة الشريرة التي تنبت في عقول سقيمة وتظهر عندما يلهم الشرير نوايا رديئة (غالبًا ما تلبس ثوب الحملان).

 

هذا النوع الأخير من المقاومة يختبئ وراء كلام التبرير، وفي الكثير من الحالات، وراء كلام الاتهام، باللجوء إلى التقاليد، وإلى المظاهر وإلى الشكليات، وإلى ما هو معروف، أو حتى إلى وضع كل شيء في خانة الأمور الشخصية، دون التمييز، من جملة الأمور، بين الفعل والفاعل والعمل[18].

 

إن غياب ردة الفعل هو علامة موت! ومن ثمَّ، فالمقاومة الصالحة -وحتى تلك الأقل صلاحًا- هي ضرورية وتستحق أن يصغى إليها، وأن تُقبل وأن يُشجع التعبير عنها. إنه جسم حي.

 

كل هذا يعني أن إصلاح الكوريا هو عملية دقيقة يجب عيشها بأمانة لما هو أساسي، وبتمييز مستمر، وبشجاعة إنجيلية، وبحكمة كنسية، وبإصغاء متنبه، وبإجراءات صارمة، وبصمت إيجابي، وبقرارات حاسمة، وبكثير من الصلاة، بكثير من الصلاة، وبوداعة عميقة، وببصيرة ثاقبة، وبخطوات إلى الأمام واضحة - وعند الحاجة- بخطوات للخلف، وبعزيمة قوية، وبحيوية نشيطة، وبسلطة مسؤولة، وبطاعة غير مشروطة؛ ولكن في المقام الأول، بتسليم ذواتنا إلى إرشاد الروح القدس الأكيد وبوضع ثقتنا في عونه الضروري. ومن أجل هذا الأخير، صلاة، صلاة، صلاة.

 

بعض المبادئ التوجيهية للإصلاح:

هي في الأساس اثنا عشر: البعد الفردي؛ البعد الرعائي؛ البعد الرسولي؛ العقلنة؛ الفاعلية؛ العصرية؛ الاتزان؛ مبدأ الاحتياط؛ السينودسيّة؛ الجامعية؛ الاحترافية؛ التدرج.

 

1. البعد الفردي (التوبة الفردية)

أعود لأؤكد أهمية التوبة الفردية التي بدونها تصبح كل التغييرات الهيكلية غير مجدية. إن روح الإصلاح الحق هم الأشخاص الذي يخصهم هذا الإصلاح والذين يجعلونه ممكنًا. فالتوبة الفردية في الواقع تحمل إلى التوبة الجماعية وتقويها.

هناك صلة تبادل قوية بين التصرف الفردي والتصرف الجماعي. فبإمكان شخص واحد أن يجلب الكثير من الخير إلى الجسم بأكمله كما يقدر أن يلحق به الضرر ويجعله يمرض. والجسد السليم هو الجسم الذي يعرف كيف ينعش مجددًا اعضاءه، ويستقبلهم، ويقويهم، ويعتني بهم، ويقدسهم.

 

2. البعد الرعائي (التوبة الرعائية)

مستشهدا بصورة الراعي ( حز 34، 16؛ يو 10، 1- 21) إذ إن الكوريا هي جماعة تخدم، "من المفيد لنا أيضًا نحن المدعوّون لأن نكون رعاة في الكنيسة، بأن نسمح لوجه الله، الراعي الصالح، بأن ينيرنا، وينقّينا، ويغيّرنا، ويعيدنا إلى رسالتنا وقد جُدِّدنا بالكامل؛ فنشعر أيضًا في بيئات عملنا بالروح الرعائي ونعزّزه ونمارسه، ولا سيما تجاه الأشخاص الذين نلتقي بهم يوميًّا. فلا يشعر أحد بالإهمال أو بسوء المعاملة، بل يتمكن كلّ فرد من أن يختبر هنا، وقبل كل شيء، الاهتمام المحب للراعي الصالح"[19]

 

ينبغي أن يحرّك عملَ جميع موظفي الكوريا الروح الرعويّة وروحانيّة الخدمة والشركة، لأن هذا هو الترياق لمعالجة الطموح الباطل والتنافس المضلل. وقد وجه الطوباوي بولس السادس عتابًا بهذا المعنى: "على الكوريا الرومانية ألا تكون بيروقراطية كما يحكم عليها البعض خطأً، مُعْتَدّة بِنَفْسِها وغير مبالية، تهتم بالقانون والطقوس فقط، كساحة لطموحات خفية ومنافسات صماء، كما يتهمها البعض الآخر؛ بل أن تكون جماعة حقيقية من الإيمان والمحبة، والصلاة والعمل؛ من إخوة للبابا وأبنائه، الذين يقومون بكل عمل، كل واحد باحترام لجدارة الآخرين وبحس تعاون، كي يخدموا البابا في خدمته للإخوة والبناء في الكنيسة الجامعة وفي العالم بأسره"[20].

 

3. البعد الرسولي[21] (مركزية المسيح)

إنه الهدف الأساسي لكلّ خدمة كنسيّة، أيّ أن نحمل البشارة إلى أقاصي الأرض[22]، كما تذكّرنا به السلطة التعليمية المجمعية لأن "هناك بنى كنسية بإمكانها أن تصل إلى إعاقة دينامية التبشير بالإنجيل؛ وبالمقابل، البنى الجيدة تصبح نافعة عندما يكون هناك حياة تنعشها وتساندها وتقودها. بدون حياة جديدة وروح إنجيلية أصيلة، بدون «أمانة الكنيسة لدعوتها الخاصة»، كلّ بنية جديدة سريعًا ما تفسد"[23].     

4. العقلنة

على أساس مبدأ أن الدوائر جميعها تتساوى فيما بينها من الناحية القانونية، فمن الضروري عقلنة هيكليات الكوريا الرومانية[24]، كي يكون واضحا أن لكل دائرة اختصاصاتها الخاص. ينبغي احترام هذه الاختصاصات، والتي يجب أيضًا أن تُوَزَّع بعقلانية، وفعالية وكفاءة. لا يمكن لأية دائرة بالتالي أن تنسب لنفسها اختصاص دائرة أخرى، على النحو المحدد في القانون، ويكون البابا في الوقت ذاته مرجعا للجميع.

 

5. الفاعلية

إن أي اندماج بين مجمعين أو أكثر، مختصّين في مواضيع ذات صلة، أو مرتبطين ارتباطًا وثيقًا إلى مجمع واحد، يساعد، من ناحية، على إعطاء المجمع نفسه أهمية أكبر (خارجية أيضًا)؛ ومن الناحية الأخرى، يساعد التواصل والتفاعل بين هيئات فردية داخل المجمع الواحد على فاعلية أكبر (الدائرتان الجديدتان اللتان أُسّستا مؤخّرا هما خير مثال لذلك)[25].

 

تتطلّب الفاعلية أيضًا المراجعة المستمرة لدور وأهمية مهارات ومسؤوليات الموظفين، والقيام بالتالي بعمليات نقل، وتوظيف وتعليق وكذلك ترقيات.

 

6. العصرية (التحديث)

أي القدرة على قراءة "علامات الأزمنة" والإصغاء إليها. في هذا النحو: "لنعمل فورًا على أن تتوافق دوائر الكوريا الرومانية مع ظروف عصرنا وتتكيّف مع احتياجات الكنيسة الجامعة"[26]. وهذا ما كان قد طلبه المجمع الفاتيكاني الثاني: "أن تخضع هذه المجامع لتنظيم جديد يتوافق أكثر وحاجات الزمن، والبلدان، والطقوس، لا سيما في ما يرجع لعددهم واسمهم واختصاصاتهم وأساليب عملهم الخاصة وتنسيق نشاطاتهم"[27].

 

7. الاتزان

من الضروري، في هذا المنظور، تبسيط الكوريا وترشيدها: توحيد بعض الدوائر أو إدماجها بحسب مواد اختصاصها، وتبسيط داخلي لبعض الدوائر المنفردة؛ وإغلاق جزء من المكاتب التي قد لا تلبّي بعض الحاجات. عمل دمج في الدوائر، أو الحد من اللجان، والأكاديميات، إلخ. كل هذا من أجل الوصول إلى الاتزان الأساسي الضروري لتقديم شهادة صحيحة وحقيقية.

 

8. مبدأ الاحتياط

إعادة تنظيم الاختصاصات المحددة لمختلف الدوائر، ونقلها عند الحاجة من دائرة إلى أخرى، بهدف التوصل إلى الاستقلالية، والتنسيق وتنفيذ مبدأ الاحتياط في الاختصاصات، والترابط في الخدمة.

على هذا النحو، من الضروري أيضًا احترام مبدأي الاحتياط والعقلنة في العلاقة مع أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان والعلاقة في داخلها -بين مختلف اختصاصاتها- كيما تكون المساعدة المباشرة والفورية للبابا[28] هي في إتمام واجباتهم. وهذا أيضًا من أجل تنسيق أفضل بين مختلف قطاعات الدوائر ومكاتب الكوريا. بإمكان أمانة السر أن تقوم بهذه الخدمة المهمة، عبر تحقيق الوحدة والترابط والتنسيق بين مختلف أقسامها وقطاعاتها.

 

9. السينودسيّة

يجب على عمل الكوريا أن يكون سينودسيا: الاجتماعات المنتظمة بين رؤساء المجامع؛ الجلسات الدورية مع رؤساء المجامع بقيادة الحبر الروماني[29]؛ الاجتماعات الاعتيادية بين الدوائر. إن الحد من عدد المجامع سوف يسمح بعقد عدد أكبر من اللقاءات المنتظمة بين رؤساء المجامع والبابا، وباجتماعات فعالة بين الرؤساء أنفسهم، نظرا لأنه من الصعب لاجتماعات تضمّ جماعة كبيرة العدد أن تكون فعالةً.

يجب عيش السينودسية[30] أيضًا داخل كل دائرة، مقدمين الأهمية للمؤتمر ومكثفين على الأقل الدورات العادية. داخل كل دائرة، ينبغي تجنب التجزئة التي يمكن أن تحددها عوامل مختلفة، مثل تعدد القطاعات المتخصصة، التي قد تميل إلى أن تكون ذات مرجعية ذاتية. التنسيق فيما بينها يجب أن يكون من صلاحية أمين السر أو نائب أمين السر.

 

10. الجامعية

على الكوريا أن تعكس، بين المتعاونين، إضافة إلى الكهنة والمكرسين والمكرسات، البعدَ العالمي للكنيسة عبر توظيف أشخاص من جميع أنحاء العالم، وشمامسة دائمين، ومؤمنين ومؤمنات علمانيين يتم اختيارهم على أساس الحياة الروحية والأخلاقية التي هي بلا عيب، وعلى أساس المهارات. ومن المناسب بلوغ عدد أكبر من المؤمنين العلمانيين لا سيما في الدوائر حيث قد يكونوا أكثر مهارة من الكهنة أو المكرسين. من المهم للغاية أيضًا تعزيز دور المرأة والعلمانيين في حياة الكنيسة ودمجهم في الأدوار القيادية في الدوائر، مع اهتمام خاص بالتعددية الثقافية.

 

11.   الاحترافية

من الضروري أن تتبنّى كل دائرة سياسة تأهيل دائم للموظفين، كي تتجنب "الصدأ" والوقوع في روتين الوظائفية.

من جهة أخرى، من الضروري التخلي نهائيًّا عن مبدأ ترقية الشخص لإزالته (promoveaturutremoveatur). إن هذا هو سرطان.

 

12. التدرج

إن التدرج هو ثمرة التمييز الضروري والذي يتطلب عملية زمنية، وتفحص الأوقات والمراحل، والتحقق، والتصحيحات، والاختبارات، والموافقات تحت التجربة (adexperimentum). إن الأمر لا يتعلق بالتالي بالتردّد إنما بالمرونة الضرورية بغية التوصل إلى إصلاح حقيقي.

كانت هذه بعض المبادئ التوجيهية أما الآن فأتوقف قليلاً عند بعض الخطوات التي أنجزت.

بعض الخطوات التي أنجزت[31]

 

· أذكر باختصار وبطريقة محدودة بعض الخطوات التي أنجزت لتجسيد المبادئ التوجيهية، والتوجيهات التي عبر عنها الكرادلة، أثناء الجلسات العامة قبل الكونكلافي، والخاصة بـ COSEA، وبمجلس الكرادلة، وبرؤساء الدوائر وببعض الأشخاص والخبراء:

 

· في 13 أبريل/نيسان 2013 قد تم إعلان مجلس الكرادلة (ConsiliumCardinaliumSummoPontifici)– ما يسمى بالـ C8وأصبح الـ C9 إبتداء من 1 يوليو/تموز 2014- بهدف تقديم النصح للبابا أولا حول قيادة الكنيسة الجامعة وحول مواضيع أخرى ذات صلة[32]، وأيضًا المهمة الخاصة بمراجعة الدستور الرسولي الراعي الصالح (PastorBonus)[33].

 

· بموجب وثيقة كتبت بخط يد البابا وتوقيعه في 25 يونيو/حزيران 2013 تم إنشاء لجنة حبرية مرجعية لبنك الفاتيكان (IOR) للعمل على معرفة أعمق لوضع البنك القانوني وللسماح "بانسجام" أفضل مع "رسالة الكرسي الرسولي الجامعة". كل هذا كي "يسمح للنشاطات ذات الطابع الاقتصادي والمالي بأن تنطبع بمبادئ الإنجيل" وكي يتوصل إلى شفافية تامة في عمله.

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 11 يوليو/تموز 2013: قد تم تحديد اختصاص المحاكم التابعة لحاضرة دولة القاتيكان في المسائل الجنائية.

 

· بموجب وثيقة كتبت بخط يد البابا وتوقيعه في 18 يوليو/تموز 2013 قد تم إنشاء الـ COSEA(اللجنة الحبرية المرجعية للدراسة والتوجيه حول تنظيم الهيكلية الاقتصادية-الإدارية)[34]، مع مهمة البحث والتحليل وجمع المعلومات بتعاون مع مجلس الكرادلة من أجل دراسة مشاكل الكرسي الرسولي التنظيمية والاقتصادية.

 

· بموجب وثيقة كتبت بخط يد البابا وتوقيعه في 8 أغسطس/آب 2013 قد تم إنشاء اللجنة الأمنية المالية في الكرسي الرسولي، لمنع ومكافحة تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل. كل هذا، لحمل البنك والنظام الاقتصادي الفاتيكاني بأكمله على التبني المستمر لجميع القوانين القياسية العالمية حول الشفافية المالية وتطبيقها كاملا، بالتزام واجتهاد[35].

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 تم تعزيز سلطة المعلومات المالية (A.I.F.)[36]، التي أنشأها بندكتس السادس عشر بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 30 ديسمبر/كانون الأول 2010، من أجل منع ومكافحة النشاطات غير القانونية في المجال المالي والنقدي[37].

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 24 فبراير/شباط 2014 (FidelisDispensatoretPrudens/الوكيل الأمين والحكيم) تم إنشاء أمانة السر الاقتصادية والمجلس الاقتصادي[38]، كبديل عن مجلس الخمسة عشر كردينالا، مع مهمة خلق توافق في سياسات مراقبة الشؤون الخاصة بالإدارة الاقتصادية للكرسي الرسولي ولحاضرة مدينة الفاتيكان.

 

· بموجب الإرادة الرسولية ذاتها -24 فبراير/شباط 2014- تم إنشاء مكتب المراقب العام (URG)، كهيئة جديدة في الكرسي الرسولي، تحمل مسؤولية مراقبة دوائر الكوريا الرومانية، والمؤسسات المرتبطة بالكرسي الرسولي -أو المرتبطة به- وإدارات الحاكمية في حاضرة دولة الفاتيكان[39].

 

· بموجب وثيقة كتبت بخط يد البابا وتوقيعه في 22 مارس/آذار 2014 قد تم إنشاء اللجنة الحبرية لحماية القُصّر "من أجل تعزيز حماية كرامة القصر والبالغين المستضعفين، عبر أشكال وأساليب، تنسجم مع طبيعة الكنيسة، والتي تعتبر أكثر تناسبا".

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 8 يوليو/تموز 2014 قد تم نقل الدورة العادية لقسم إدارة تراث الكرسي الرسولي إلى أمانة السر الاقتصادية.

 

· في 22 فبراير/شباط 2015 قد تم اعتماد لائحة الهيئات الاقتصادية الجديدة.

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 27 يونيو/حزيران 2015 قد تم إنشاء أمانة السر للإعلام مع مهمة "التفاعل مع الوضع الحالي للإعلام، الذي يتميز بحضور وسائل التواصل الرقمية وتطورها، وعوامل التقارب والتفاعل"، كما وإعادة تجديد كامل، عبر عملية إعادة تنظيم وتوحيد "كل الدوائر التي، على اختلاف أساليبها، قد اعتنت بالإعلام حتى اليوم"، كيما "تلبي بشكل أفضل حاجات رسالة الكنيسة".

 

· في 6 سبتمبر/أيلول 2016 قد تم نشر لائحة أمانة السر للإعلام، والتي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي[40].

 

· بموجب الإرادتين الرسوليتين المؤرختين 15 اغسطس/آب 2015 قد تم إصلاح العملية القانونية التي تتعلق بإعلان بطلان الزواج:MitisetmisericorsIesus (يسوع، الوديع والرحيم) في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية؛ وMitisIudexDominusIesus (القاضي المعتدل الرب يسوع)، في مدونة القانون الكنسي[41].

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 4 يونيو/حزيران 2016 (كالأم المُحِبّة -Comeunamadreamorevole) أردنا أن نحول دون إهمال الأساقفة في ممارستهم لخدمتهم ولا سيما فيما يتعلق بحالات الاعتداءات الجنسية على القاصرين وعلى أشخاص بالغين مستضعفين.

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 4 يونيو/حزيران 2016 (الخيرات الزمنية - I beni temporali)، اتباعا للقاعدة الهامة للغاية والخاصة بالفصل بين الهيئات الرقابية والهيئات التي تقوم بالأشرف، قد تم تحديد الاختصاصات بطريقة أفضل بين دائرة أمانة السر الاقتصادية ودائرة إدارة إرث الكرسي الرسولي.

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 15 أغسطس/آب 2016 (الأم الساهرة-SedulaMater) قد تم إنشاء دائرة العلمانيين والعائلة والحياة للتذكير قبل كل شيء بالهدف الرعوي العام للخدمة البطرسية: "إننا نلتزم فورًا لأن نوفّر كل شيء كيما يتدفق غنى يسوع المسيح بين المؤمنين بشكل ملائم وبفيض".

 

· بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 17 أغسطس/آب 2016 (التنمية البشرية-Humanamprogressionem) قد تم إنشاء دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة، كيما تتحقق التنمية "بواسطة العناية بالخيرات اللامحدودة للعدالة، والسلام وحماية الخليقة". سوف يتم توحيد أربع مجالس حبرية في هذه الدائرة ابتداء من أول يناير/كانون الثاني 2017: العدالة والسلام، قلب واحد (CorUnum)، رعوية المهاجرين، والعاملين في مجال الصحة. وسوف أهتم مباشرة، لحين (adtempus)، بقسم رعوية المهاجرين واللاجئين في الدائرة الجديدة[42].

 

· في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 قد تم اعتماد لائحة الأكاديمية البابوية من أجل الحياة.

تكلمنا في بدء لقائنا هذا عن معنى الميلاد كعيد يقلب معاييرنا البشرية كيما نشير إلى أن قلب الإصلاح ومركزه هو يسوع (مركزية المسيح).

 

أود أن أختم بكل بساطة، بكلمة وبصلاة. الكلمة هي التأكيد على أن الميلاد هو عيد التواضع المحب لله. أما الصلاة فقد اخترت الدعاء الميلادي الذي رفعه الأب متى المسكين (راهب معاصر)، متوجها للرب يسوع، الذي ولد في بيت لحم، قائلا: "إن كان اختبار الطفولة لنا نحن هو صعب لهذه الدرجة، فهو ليس صعب بالنسبة إليك، يا ابن الله. وإن تعثرنا في الطريق التي تقود إلى شركتنا معك في هذه القامة الصغيرة، فأنت قادر أن تزيل كل العوائق التي تمنعنا من هذا. ونعلم أنك لن تجد السلام قبل أن تجدنا في شبهك وفي قامتك هذه. اسمح لنا اليوم يا ابن الله، أن نتقرب من قلبك. أعطنا ألا نظن أننا كبار بخبراتنا. أعطنا، على العكس، أن نصبح صغارا مثلك، كي نتقرب منك وننال منك الوداعة والتواضع بوفرة. لا تحرمنا من استعلانك، من تجلي طفولتك في قلوبنا، كيما نشفي بها كل كبرياء وغطرسة. إننا بغاية الحاجة [...] إلى أن تظهر فينا بساطتك، فتقربنا إليك، بل وتقرب الكنيسة والعالم. هذا العالم التعب والمنهك لأنه يتنافس لمعرفة من هو الأعظم. هناك منافسة قاسية بين الحكومات، والكنائس، والشعوب، وداخل الأسر، وبين الرعايا: من هو الأعظم بيننا؟ إن العالم مجروح بجروح مؤلمة لأن مرضه هو: من هو الأعظم؟ ولكننا وجدنا اليوم فيك دواءنا الوحيد يا ابن الله. فنحن لن نجد، ولا العالم بأسره، الخلاص ولا السلام إن لم نجدك من جديد في مزود بيت لحم". آمين[43].

 

شكرًا، وأتمنى لكم ميلادًا مقدسًا وعامًا جديدًا 2017 سعيدًا!

 

 

***********

 

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2016

 


[1]عظة 187، 1: PL 38، 1001: "عظيم في وسط الملائكة، صغير في وسط البشر ... عظيم في الطبيعة الإلهية، صغير في طبيعة العبد".

 

[2]عظة VI، 9: PG 34، 480.

 

[3] الرب، ميلانو 1977، 404.

 

[4] عظة، 25 ديسمبر/كانون الأول 1971.

 

[5] را. القديس بطرس خريسولوجوس، عظة 118: PL52، 617.

 

[6] كتبت القديسة تريزيا الطفل يسوع -المولعة بصغر يسوع- في آخر رسالة لها (مؤرخة 25 أغسطس / آب 1897 موجهة إلى كاهن قد عهد إليها كـ"أخ روحي"): "لا يمكنني أن أخاف من إله صار من أجلي صغيرا حتى المنتهى! أنا أحبه! في الواقع إنه ليس إلا محبة ورحمة" ( LT266: الأعمال الكاملة، روما 1997، 606).

 

[7] را. الرسالة الرسولية بشكل إرادة رسولية التي تأسّست بموجبها دائرة خدمة التنمية البشرية المتكاملة، 16 أغسطس/آب 2016.

 

[8] وظيفة الكوريا الرومانية هي معاونة البابا في إدارة الكنيسة اليومية، أي في واجباته الخاصة والتي هي: ا) الحفاظ على جميع المؤمنين "في رباط الإيمان الواحد والمحبة" (وكذلك: "في وحدة الإيمان والشركة")؛ ب) "كي تكون الأسقفية واحدة وغير مجزأة" (المجمع الفاتيكاني الأول، الراعي الأزلي Pastor aeternus، مقدمة). "هذا السينودس المقدس، على مثال المجمع الفاتيكاني الأول، يعلم ويعلن أن يسوع المسيح، الراعي الأزلي، قد بنى الكنيسة المقدسة وأرسل الرسل، كما أرسله الآب (را. يو 20، 21)، وقد أراد أن يكون خلفاؤهم، أي الأساقفة، رعاة في كنيسته إلى منتهى الدهر. وحفاظا على وحدة هذه الأسقفية وعدم انقسامها، أقام القديس بطرس على رأس بقية الرسل واضعاً في شخصِهِ مبدأً وأساساً دائمَين ومنظورَين للوحدة في الايمان والشركة" (المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي، نور الأمم Lumengentium، عدد 18).

 

[9] في الواقع، إن المجمع الفاتيكاني الثاني، فيما يخص الكوريا الرومانية، يفسّر أن "الحبر الروماني، في ممارسته لسلطته العُليا، والكاملة، والفورية على الكنيسة بأسرها، يستخدم مختلف دوائر الكوريا الرومانية، التي، ولهذا السبب، تقوم بمهامها باسمه وبسلطته، لصالح الكنائس وفي خدمة رعاتها المقدسين" (مرسوم الرب يسوع ChristusDominus، عدد 9). وهو يذكرنا بهذه الطريقة أن الكوريا هي قبل كل شيء هيئة لمساعدة البابا، ويوضح في الوقت عينه أن خدمة دوائر الكوريا الرومانية تُؤدَّى باسم الحبر الروماني وسلطته (nomine et auctoritate). لذا فيجب على الكوريا أن تقوم بمهامها من أجل خير الكنيسة وخدمة الرعاة المقدسين: أي موجهة سواء لخير الكنائس الخاصة، سواء لمساندة أساقفتها (in bonum Ecclesiarum et in servitium Sacrorum Pastorum). إن هذه الكنائس الخاصة "مصنوعة على صورة الكنيسة الجامعة، وفيها ومنها تتكون الكنيسة الجامعة الواحدة والفريدة" (نور الأمم Lumen Gentium)، 23.

 

[10] بولس السادس، حديث قداسة البابا إلى الكوريا الرومانية، 21 سبتمبر/أيلول 1963: "علاوة على ذلك، فإن مثل هذا التوافق بين البابا والكوريا هو لقاعدة دائمة. إن هذا التوافق لا يُظهِر وجوده وقوته في الأوقات العظيمة من التاريخ وحسب؛ بل إنه قائم على الدوام، كل يوم، وفي كل عمل من الخدمة الحبرية، كما هو متوجّب على أية هيئة تتبع البابا مباشرة وتطيعه بالكامل، والتي يستخدمها الحبر الروماني ليتمّم رسالته الجامعة. وتشكل هذه العلاقة الأساسية بين الكوريا الرومانية ونشاط البابا الرسولي، تبريرا لكون الكوريا ذاتها، لا بل مجدها، إذ ينتج عن هذه العلاقة نفسها ضرورة وجود الكوريا، وفائدتها، وكرامتها، وسلطتها؛ إن الكوريا في الواقع هي الأداة التي يحتاج إليها البابا، والتي يستخدمها البابا لينفذ مهمته الإلهية. أداة رفيعة الكرامة، وما مِن عجبٍ إن طُلِبَ منّا جميعا ومني أنا شخصيا أولا، الكثير! فوظيفتها تتطلب قمة المهارات والفضائل، لأن مهمتها هي قمة المهام. فمهمة أن نكون حماة الحقائق الإلهية وصوت صداها، وأن نجعل من أنفسنا اللغة والحوار مع روح الإنسان هي مهمة دقيقة للغاية؛ ومهمة كبرى للغاية، تلك التي حدودها هي الرحب السماوي؛ ومهمة نبيلة للغاية، تلك التي تصغي إلى صوت البابا وتفسره ولا تبخل عليه في الوقت نفسه بأية معلومة مفيدة وموضوعية، وبأية نصيحة بنوية ورزينة".

 

[11] الرسالة إلى أولوغيوس الإسكندري، عدد 30: PL 77، 933؛ إن الكوريا الرومانية "تستمد، من راعي الكنيسة الجامعة، وجودها الخاص وكفاءتها. فهي في الواقع حيّة وتعمل فقط بقدر ما هي في علاقة مع الخدمة البطرسية التي تتأسس عليها" (يوحنا بولس الثاني، الدستور الرسولي الراعي الصالح، مقدمة عدد 7؛ را. مادة رقم 1).

 

[12] يشهد التاريخ أن الكوريا الرومانية هي في حالة "إصلاح" دائم، على الأقل في السنوات المئة الأخيرة: "ذاك الذي أعلن في الواقع يوم 13 أبريل/نيسان 2013 في بيان صادر عن أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان يمثل المرحلة الرابعة بدأً من الإصلاح الذي قام به القديس بيوس العاشر عبر المشورة الحكيمة (Sapienti Consilio) سنة 1908". وكان هذا الإصلاح ملحًّا في ضوء النظام الكنسي الجديد، وفي طور الاعداد؛ ولكنه كان بالأكثر ضروريا بحلول نهاية السلطة الزمنية. ثم تبعه ذاك الذي قام به بولس السادس عبر إدارة الكنيسة الجامعة (Regiminis Ecclesiae Universae) سنة 1967، وتلاه الاحتفال بالمجمع الفاتيكاني الثاني. وكان قد اعتزم البابا نفسه مراجعة النص على ضوء اختبار أولي. ثم جاء الدستور الراعي الصالح (Pastor Bonus) للقديس يوحنا بولس الثاني، الذي تبع، في صيغته العامة، ضياغة نص البابا بولس السادس، ولكن مدخلا ترتيبا مختلفا للهيئات ولاختصاصاتها بانسجام مع منطوق القانون الكنسي لعام 1983. توجد ضمن هذه الخطوات الأساسية، مبادرات هامة أخرى. كذلك بندكتس الخامس عشر، على سبيل المثال، قد أوجد وأدخل بين المجامع الرومانية المجمع الخاص بالإكليريكيات (التي كانت حتى ذاك الوقت قسما داخل مجمع الكونسيستوري) والجامعات (1915) ومجمع الكنائس الشرقية (1917: الذي كان قد أنشئ سابقًا كقسم من المجمع نشر الإيمان). كما قام أيضًا يوحنا بولس الثاني بتغييرات في تنظيم الكوريا بعد الراعي الصالح، ومن بعده قام بندكتس السادس عشر بتدخلات مهمة: لنفكر في إنشاء المجلس الحبري لتعزيز التبشير الجديد (2010)، وفي نقل الاختصاصات التي تتعلق بالإكليريكيات من مجمع التعليم الكاثوليكي إلى مجمع رجال الدين، ونقل اختصاصات التعليم الديني من مجمع رجال الدين إلى المجلس الحبري لتعزيز التبشير الجديد (2013). يضاف إلى هذا تدخلات أخرى للتبسيط، صيغت على مر السنين، وما زال بعضها نشطا حتى يومنا هذا، عبر توحيد أكثر الدوائر تحت رئاسة واحدة": مارتشيلو سيميرارو، إصلاح البابا فرنسيس، الملكوت Il Regno، سنة LXI، عدد 1240 – 15 يوليو/تموز 2016، ص. 433- 441.

 

[13] على هذا النحو، قال بولس السادس وهو يخاطب الكوريا الرومانية في 21 سبتمبر/أيلول 1963: "يمكن تفسير كيف تفاقم نظام كهذا بسبب هِرِم عمره، وكيف يتأثر بالتفاوت بين هيئاته وطريقة عمله بالنسبة لاحتياجات وعادات العصر الجديد، وكيف يشعر في الوقت نفسه بضرورة التبسيط وعدم المركزية، كما وضرورة التوسيع والتأهل إلى وظائف جديدة".

 

[14] قال بولس السادس، في 22 فبراير/شباط 1975، بمناسبة يوبيل الكوريا الرومانية: "إننا نحن الكوريا الرومانية [...] يفرض ضميرنا هذا –الذي نريده واضحا ليس فقط في تعريفه الكنسي، إنما أيضًا في محتواه الأخلاقي والروحي- على كل منا فعل توبة يتوافق مع الروح الخاص باليوبيل، يفرض فعل يمكننا أن نسميه النقد الذاتي من أجل التحقق، في مخدع قلوبنا، إذ ما كان سلوكنا يتوافق مع العمل الذي عُهد به إلينا. وما يحثنا على هذه المواجهة الداخلية قبل كل شيء هو تناسق حياتنا الكنسية، ومن ثم التحليل الذي يقوم به كل من الكنيسة والمجتمع على حسابنا، بصرامة غالبا ما تكون غير موضوعية، وكلما زادت قساوة، كلما كان موقفنا هذا أكثر تمثيلا، والذي يجب أن تشع منه مثالية عالية على الدوام [...]. لذا فإن شعورين روحيين سوف يعطيانا معنى وقيمة لاحتفالنا باليوبيل: شعور بوداعة جدية، تريد أن تعبر عن حقيقتنا، معلنة أننا أولا بحاجة إلى رحمة الله" (تعاليم بولس السادس، الجزء الثالث عشر [1975]، ص. 172- 176).

 

[15] بهذا المعنى، يكون تعاقب الأجيال هو جزء من الحياة، والويل لنا إن اعتقدنا أو عشنا متناسين لهذه الحقيقة. ومن ثمَّ فتناوب الأشخاص أمر طبيعي وضروري ومرغوب فيه.

 

[16] ذكر بندكتس السادس عشر –مستلهما من رؤية للقديسة هيلدغارد من بنجين- في كلمته للكوريا الرومانية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2010، أن وجه الكنيسة نفسه يمكنه أن يكون "معفرًا بالغبار" و"ثوبها ممزقا". ولهذا ذكَّرتُ بدوري أن الشفاء "هو أيضًا ثمرة الوعي بالمرض والقرار الشخصي والجماعي بالمعالجة، متحملين العلاج بصبر ومثابرة" (حديث إلى الكوريا الرومانية، 22 ديسمبر/كانون الأول 2014).

 

[17] إنها مسألة فهم "الإصلاح" كتحوّل، أو كتقدّم للأمام، وتحسن: تحوّل/تغير إلى الأحسن.

 

[18]را. عظة، بيت القديسة مرتا، 1 ديسمبر/كانون الأول 2016.

 

[19] عظة قداسة البابا بمناسبة "يوبيل الكوريا الرومانية"، 22 فبراير/شباط 2016؛ را.  حديث البابا بمناسبة افتتاح أعمال الكونسيستوار، 12 فبراير/شباط 2015.

 

[20] بولس السادس، حديث إلى الكوريا الرومانية، 21 سبتمبر/أيلول 1963.

 

[21] "إن مهمة إعلان البشارة إلى جميع البشر تكون رسالة الكنيسة الأساسية، وواجب ورسالة تجعلهما أكثر إلحاحا التغييراتُ واسعة النطاق والعميقة التي تحدث في المجتمع الحالي. فإعلان البشارة في الواقع هو نعمة الكنيسة ورسالتها، وهويتها الأعمق. فهي موجودة كي تحمل البشارة [...] إن جماعة المسيحيين ليست منغلقة على ذاتها. والحياة الحميمة فيها –حياة الصلاة، والاصغاء إلى الكلمة وتعليم الرسل، وعيش المحبة الأخوية، وكسر الخبز- لا تنال معناها بالكامل إلا حين تصبح بذاتها شهادة، وتثير الاندهاش والتوبة، وتكون بذاتها وعظًا وإعلانًا للبشارة. تنال الكنيسة بأسرها بهذه الطريقة مهمة التبشير، وعمل كل فرد هو مهم بالنسبة للجماعة" (نفس الكاتب، الإرشاد الرسولي إعلان الإنجيل vangelii Nuntiandi، عدد 15).

 

[22]لا يجب أن نفقد التوق لتبشير مَن هم بعيدين عن المسيح، لأن هذا هو واجب الكنيسة الأول (را. يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة البابوية رسالة الفادي Redemptoris Missio، 34).

 

[23]الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل Evangelii Gaudium، 26.

 

[24]را. بولس السادس، الدستور الرسولي، إدارة الكنيسة الجامعة Regimini Ecclesiae Universae، المادة 1، §2؛ ويوحنا بولس الثاني، الدستور الرسولي الراعي الصالح Pastor Bonus، المادة 2، §2.

 

[25] "من روما تخرج اليوم الدعوة إلى «التحديث» [...] أي إلى إتقان كل شيء في الكنيسة، خارجي وداخلي. فروما الباباوية اليوم هي مختلفة للغاية، وبنعمة الله، قد ازدادت كرامة وحكمة وقداسة؛ ونمى وعيها لدعوتها الإنجيلية، ونمى التزامها برسالتها المسيحية، ولذا، ازدادت رغبتها وحاجتها إلى تجدد دائم" (بولس السادس، حديث إلى الكوريا، 21 سبتمبر/أيلول 1963).

 

[26] الإرادة الرسوليةالأم الحنون Sedula Mater، 17 أغسطس/آب 2016.

 

[27] المرسوم الرب المسيح Christus Dominus، 9.

 

[28] من بين مهام أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان -أول معاوني الحبر الأعظم في ممارسته لمهمته العليا والمنفذ للقرارات التي يتخذها البابا بمساعدة الأجهزة الاستشارية- يجب أن تعطى الأولوية للقاءات المنتظمة والمتكررة مع رؤساء الدوائر. بأية حال، فمن الضروري للغاية أن تنسّق الدوائر وتتعاون فيما بينها ومع بقية المكاتب.

 

[29] را. يوحنا بولس الثاني، الدستور الرسولي الراعي الصالح Pastor Bonus، 22.

 

[30] إن الكنيسة السينودسية، هي كنيسة إصغاء (را.  حديث بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس سينودس الأساقفة، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015؛ الإرشاد الرسولي فرح الإنجيل Evangelii gaudium، 171). مراحل الاصغاء لإصلاح الكوريا، هي: 1. جمع الآراء خلال صيف 2013: من رؤساء المجامع وغيرهم؛ من كرادلة "المجلس"، من أساقفة منفردين، ومن المجالس الأسقفية التابعة لمنطقة المنشأ الجغرافية؛ 2. اجتماعات مع رؤساء المجامع في 10 سبتمبر/أيلول 2013 وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2014؛ 3. كونسيستوار 12- 13 فبراير/شباط 2015؛ 4. رسالة مجلس الكرادلة إلى رؤساء المجامع في 17 سبتمبر/ أيلول 2014 بغية احتمالية "تطبيق اللامركزية"؛ وتدخل بعض رؤساء المجامع أثناء اجتماعات مجلس الكرادلة لطلب اقتراحات أو آراء تتعلق بإصلاح الدائرة الواحدة: را. مارتشيلو سيميرارو، إصلاح البابا فرنسيس، الملكوت il Regno، ص. 433- 441.

 

[31] للتعمق بالخطوات التي أنجزت، وأسباب وأهداف عملية الإصلاح، من المستحسن الرجوع بشكل خاص إلى الرسائل الرسولية بشكل إرادة رسولية Motu Proprioالثلاث التي تم اعتمادها حتى اليوم لإنشاء بعض دوائر الكوريا الرومانية أو لعمل تغييرات داخلها أو لحلّها.

 

[32] إن وتيرة العمل تشهد أعضاء المجلس يعملون في الصباح وبعد الظهر، بمجموع 93 اجتماعا حتى الآن.

 

[33] عدد دورات عمل المجلس حتى يومنا هذا تصل إلى أكثر من 16 دورة (بمعدل دورة كل شهرين)، أتت بهذا الترتيب الزمني: 1- 3 أكتوبر/تشرين الأول 2013؛ 3- 5 ديسمبر/كانون الأول 2013؛ 17- 19 فبراير 2014؛ 28- 30 أبريل 2014؛ 1- 4 يوليو/تموز 2014؛ 15- 17 سبتمبر/أيلول 2014؛ 9- 10- 11 ديسمبر/كانون الأول 2014؛ 9- 10- 11 فبراير 2015؛ 13- 14- 15 مارس/آذار 2015؛ 8- 9- 10 يونيو/حزيران 2015؛ 14- 15- 16 سبتمبر/أيلول 2015؛ 10- 11- 12 ديسمبر/كانون الأول 2015؛ 8- 9 فبراير/شباط 2016؛ 11- 12- 13 أبريل/نيسان 2016؛ 6- 7- 8 يونيو/حزيران 2016؛ 12- 13- 14 سبتمبر/أيلول 2016؛ 12- 13- 14 ديسمبر/كانون الأول 2016.

 

[34] أنشئت في 19 يوليو/تموز 2013 وحُلَّت في 22 مايو/أيار 2014 مع مهمة تقديم الدعم التقني للمشورة المتخصصة وإيجاد حلول استراتيجية للتقدّم، تهدف إلى تفادي النفقات من الموارد الاقتصادية، وإلى تسهيل الشفافية في عمليات شراء السلع والخدمات، وإلى إتقان إدارة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، وإلى العمل بحذر أكبر في الأمور المالية، وإلى ضمان تطبيق صحيح للمبادئ المحاسبية وتأمين خدمات الضمان الاجتماعي والصحة لمَنْ له الحق: "تهدف إلى تبسيط وعقلنة الهيئات القائمة وإلى تخطيط أكثر حذرًا للأنشطة الاقتصادية تشمل جميع الإدارات الفاتيكانية": وثيقة كتبت بخط يد البابا وتوقيعه في 18 يوليو/تموز 2013.

 

[35] على سبيل المثال، التوصيات التي وضعتها مجموعة العمل المالي الدولية (GAFI). يتوافق اليوم عمل بنك الفاتيكان (IOR) كلّيًا مع القوانين الجارية في دولة حاضرة الفاتيكان في ما يتعلق بمكافحة تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

 

[36] الـ  A.I.F.هو مكتب منع ومكافحة تبييض أموال عائدات الإجرام وتمويل الإرهاب. ومن بين مهامه، الإشراف على احترام الالتزامات المنصوص عليها فيما يخص منع ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ونشر تنفيذ القرارات، وتبني تعليمات وتدابير خاصة إزاء الأشخاص التي تخضع لهذه التزامات.

 

[37] أنشئت الـ A.I.F. أيضًا بهدف تجديد التزام الكرسي الرسولي في تبني المبادئ واستعمال الصكوك القانونية التي وضعها المجتمع الدولي، عبر مواصلة تعديل الإطار المؤسسي بهدف منع ومكافحة تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب ونشر أسلحة الدمار الشامل.

 

[38] من واجبات المجلس الاقتصادي أن "يراقب الإدارة الاقتصادية والاشراف على الهيكليات وعلى النشاطات الإدارية والمالية، لدوائر الكوريا الرومانية، والهيئات المرتبطة بالكرسي الرسولي ودولة حاضرة الفاتيكان" (الإرادة الرسولية الوكيل الأمين والحكيم Fidelis Dispensator et Prudens، 1).

 

[39] "إن مكتب المراقب العام يعمل باستقلالية تامة بحسب القانون المعمول به وبموجب لائحته الخاصة، مراجعًا الحبر الأعظم مباشرة. يقدم إلى المجلس الاقتصادي برنامج مراجعة سنويّة وكذلك تقريرا سنويا عن نشاطاته الخاصة. هدف برنامج المراجعة هو تحديد أهم المجالات الإدارية والتنظيمية التي قد تنذر بالمخاطر". مكتب المراقب العام هو الهيئة التي تقوم بالمراجعة الحسابية لدوائر الكوريا الرومانية، والهيئات المرتبطة بالكرسي الرسولي وبدولة حاضرة الفاتيكان. نشاط هذا المكتب يهدف إلى توفير الآراء المهنية والمستقلة، حول توافق العمليات المحاسبية والإدارية (نظام الرقابة الداخليةsistema di controllo interno) وتطبيقها الفعلي (رقابة المطابقة compliance audit)، كما وموثوقية البيانات المالية لكل من الدوائر وأيضًا لمجموعها (المراجعة المالية financial audit)، والانتظام في استخدام الموارد المالية والمادية (value for money audit).

 

[40] "إن الإطار التواصلي الحالي الذي يتميز بوجود وسائل الإعلام الرقمية وتطورها، وبعوامل التقارب والتفاعل، يتطلب إعادة التفكير في نظام الكرسي الرسولي المعلوماتي ويلزمنا في إعادة تنظيم تعطي قيمة للتطور الداخلي لهيكلية التواصل في الكرسي الرسولي عبر التاريخ، بهدف التقدم بثقة نحو الادماج والإدارة الموحدة".

 

[41] بموجب الإرادة الرسولية المؤرخة 31 مايو/أيار 2016، حول التوافق بين القوانين De concordia inter Codices، تم تغيير بعض قوانين مجموعة القانون الكنسي.

 

[42] سوف تتخصص هيئة بالشؤون المتعلقة بالهجرة، والمحتاجين، والمرضى، والمستبعدين، والمهمشين، ضحايا النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية، والمسجونين، والعاطلين عن العمل، والأشخاص الذين كرامتهم في خطر.

 

[43] إنسانية الله، Qiqajon، مانيانو 2015، 183- 184.