كلمة المطران بولس مطر بمناسبة عيد مار بولس شفيع جامعة الحكمة

متفرقات

كلمة المطران بولس مطر بمناسبة عيد مار بولس شفيع جامعة الحكمة

 

 

 

 

 

كلمة المطران بولس مطر بمناسبة عيد مار بولس شفيع جامعة الحكمة

 

 

احتفلت جامعة الحكمة بعيد القدّيس بولس شفيعها في ذكرى إرتداده، ولبّت عائلتها، كهنة وعمداء وهيئات تعليميّة وإداريّة وأصدقاء دعوة رئيس الجامعة الخوري خليل شلفون للإحتفال بالقدّاس الإلهيّ الذي ترأسه رئيس أساقفة بيروت وليّ الحكمة المطران بولس مطر، يحيط به، إلى الخوري شلفون نائباه الخوري دومينيك لبكي والخوري ريشار أبي صالح والمرشد الروحيّ في الجامعة داني الجلخ.

 

وشارك في الذبيحة الإلهيّة راعي أبرشيّة جبيل المطران ميشال عون والمطران الياس سليمان      والرئيس السّابق للجامعة المونسنيور كميل مبارك ولفيف من الكهنة والرّهبان والرّاهبات والهيئة الطالبيّة.

 

وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر عظة تحدّث فيها عن القدِّيس بولس وحياته وارتداده، وقال:

 

نلتقي اليوم في عيد شفيع الجامعة القدِّيس بولس الرَّسول، وهو المعلّم الأوَّل في تاريخ المسيحيّة، واللاهوتيّ الذي أخبر عمق المسيح وعبّر عنه أكثر من أي لاهوتيّ آخر في عصره. نفتخر نحن أنّنا نحمل اسمه في الجامعة، لكنّها مسؤوليّة كبرى علينا أن ندرك عمقها واتسّاعها، لتكون الجامعة خادمة للإنسانيّة التي من أجلها، تجسّد الربّ يسوع وأرسل رسله إلى العالم ليعيدوهم إلى النّور.

 

القدِّيس بولس هو يهوديّ متعصّب من جماعة الفرِّيسيِّين، الذي إضطهد كنيسة الله أكثر من أي يهوديّ آخر، وكان موافقـًا على قتل اسطفانوس أوّل الشّهداء. القدِّيس بولس يعترف أنّ الله أفرزه من بطن أمّه، قبل أن يدخل إلى هذا الجوّ اليهوديّ المتعنّت، ليكون رسولًا للأمم مبشّرًا باسم يسوع المسيح.

 

وهو قال عن نفسه، إنّه بعد عماده في دمشق، لم يذهب مباشرة إلى أورشليم، إلى الرّسل الأفاضل، بل ذهب إلى بلاد العرب، ليبقى هناك سنتين متأملًا بيسوع، بإنجيله ووحيه، وهو الذي قال: أنا ما بشّرتكم بكلامٍ من عندي، بل بكلام أخذته مباشرة من الله ليسوع المسيح، الذي صار الرّسول الأوّل له.

 

بولس فهم أنّ الزمن هو بيد الربّ وليس بيده هو ولا بيد أحد من أبناء البشر. الكلمة التي تلفتنا أوّلًا هو أنّ بولس قال عن يسوع، إنّه آدم الجديد. بولس رأى أنَّ المسيحيّة هي انفتاح على الدنيّا بأسرها ودعوة لجميع الشعوب أن يأتوا إلى المسيحيّة، إلى يسوع المسيح، ليبنوا به وبنعمته إنسانيّة مجدّدة بالنعمة والحقّ (...).

 

 اليهود أساؤوا فهم الله عندما ظنّوا أنّهم جماعة مختارة، أي فوق غيرهم. اختار الربّ هذا الشّعب ليحّضر مجيء المسيح وليختبر خلاص الله ونعمته. ليس عند الله شعب مختار. الله، قال بولس، يريد لكلِّ الشعوب أن تتحوّل إلى وحدة، إلى أبناء الله.

 

فجمع الشعب اليهوديّ بالأمم ومن جمعهم كانت الكنيسة التي نسمِّيها إبنة الشّعوب. نحن مسيحيي لبنان من هؤلاء الشعوب، من الخارجين عن الشعب اليهوديّ الذين دخلوا إلى صلب المسيحيّة، لكن دخلوا، لا ليكونوا يهودًا جددًا، بل رسلًا لإنسانيّة منفتحة لأخوّة مفتوحة على جميع الناس.

 

 المسيحيّة لا تستقيم بالإنحسار ضمن حدود واضحة. لا تستقيم المسيحيّة، بأن نتصوّرها جماعة منغلقة على ذاتها. ليست المسيحيّة كيانًا مختارًا جديدًا. هي خميرة طبعًا، لكنّ الخميرة لا قيمة لها، إلّا إذا كانت في العجين وغيّرته.

 

المسيحيّة مرتبطة، بكلّ الشعوب. مرتبطة بكلّ الثقافات وبكلّ الحضارات وتقول إنّ الله هو الذي يُغني هذه الحضارات بروحه القدّوس وإن علينا أن نذهب إلى هذه الحضارات محّبين لها، محترمين إيّاها وندرك مكنوناتها العميقة، فهي من وحي الله الطبيعيّ لهؤلاء الشّعوب.

 

لسنا نحن مَن يحتكر الحقيقة. الحقيقة هي فوق الجميع، ندخل إليها خاشعين ولا نضعها في جيوبنا ولا للحظة من لحظات الحياة. نحن لسنا أفضل من غيرنا، بل نحن مدعوّون إلى أن نقول للعالم إنّنا اختبرنا يسوع المسيح ورحمته ومحبّته، إنظروا إليه وأحبّوه، وهو يعرف كيف يدخل إلى قلوبكم.

 

هو الذي قال: لي خراف، ليست من هذه الحظيرة وينبغي أن تسمع صوتي. لذلك كان بولس ذلك المجدّد لمعنى الأديان الذي فتح الكنيسة لكلّ الشعوب. طبعًا القدّيس بطرس مشى في هذا المسار، لكنّه مشى بعدما وبّخه بولس، حتى ولو كان رئيسًا، على قلة شجاعته.

 

ومشى بطرس في هذا المنحى وذهب إلى روما، كما ذهب بولس، وهناك في العاصمة الكبرى للعالم، زرعا المسيحيّة كديانة عالميّة، تُخرج الرّومان من سيطرتهم على الكون واعتبارهم أنّ لهم حقوق غير حقوق الآخرين.

 

بيسوع المسيح كلّنا مثل بعضنا، وليس أحد أفضل من أحد. ليس من إنسان أفضل من إنسان. هذا هو تعليم بولس الرّسول. هو الذي يقول لنا اليوم، افتحوا قلوبكم للنعمة واعرفوا أن الله خلّصكم مجّانًا. نحن لا نخلص بأعمالنا، مهما كانت عظيمة. الخلاص يأتينا مجّانًا من الله. أحبّنا مجّانًا، أحبّنا حتى عندما كنّا خطأة ودعانا إلى نعمته كي نتبرّر به (...).

 

الربّ يعطينا هويّتنا الروحيّة والإنسانيّة. يعطينا كيف يكون الإنسان إنسانًا. يسوع المسيح هو مقياس الإنسان ومقياس البنوّة الإلهيّة، لأنّه ابن الله.

 

نشكر الله على هذا التّعليم الذي غيّر وجه الأرض والذي زرع المسيحيّة في قلب العالم وضميره. لذلك جامعة الحكمة عندما تحمل اسم بولس، تحمل اسمًا كبيرًا ومسؤوليّة كبرى. نحن محبّون لجميع الناس، محبّون للحقيقة، ولكنّنا محبّون للمحبّة، أيضًا.

 

الحقيقة من دون المحبّة قد تجرح. والمحبّة من دون الحقيقة قد تكون مائعةً. ارتباط المحبّة بالحقيقة، خلاص للبشر وللحياة. فلندمج حقيقتنا بمحبّتنا، ولنكن على غرار بولس الرّسول، أولئك الذين يؤمنون ويمّدون الأيدي للآخرين، لأنّ الخلاص هو لجميع الناس ونحن مسؤولون عنه كلّنا.

 

بُوركت جامعة الحكمة، حاملة اسم مار بولس الرّسول الكبير، بُوركت أعمالها منذ 142 سنة، حملت أوّل مدرسة للحقوق في لبنان، بفضل أُسقف المثلث الرَّحمة المطران يوسف الدبس الذي كان يعرف تغيّرات ذلك الزمن، فأعطى صورة عن الحقوق حتى يعرف كلّ شعب حقّه ويطالب به. هذا ما عمله المطران الدبس ونحن مسؤولون عن تراثه حتى النهاية. بُوركت هذه الجامعة تتوسّع بكليّات جديدة، وكان آخرها كليّة الهندسة التي، يعد المسؤولون فيها أنها ستكون، من أهم الكليات في لبنان.

 

عملكم، أيها الأحبّاء، عمل مبارك في سبيل لبنان ووحدته ووحدة شعبه وعملكم هو من أجل العقلانيّة في لبنان والإيمان فيه. بارككم الله وبارك كلّ مساعيكم.

 

عاشت جامعة الحكمة في ضمائركم وضمائر كل اللبنانيين الذين يحبّونها، ولنكن نحن وإياكم رسلًا، مع الرسول بولس للحقيقة والمحبّة، التي بيسوع المسيح، بشفاعة القديسَيَن بولس وبطرس وجميع القدِيسين.

 

 

 أبرشية بيروت المارونية