كلمة البطريرك في افتتاح أعمال السينودس المقدّس

متفرقات

كلمة البطريرك في افتتاح أعمال السينودس المقدّس

 

 

 

إخواني السّادة المطارنة الأجلاء

 

1. يسعدنا أن نبدأ اليوم وحتّى ظهر السبت 16 حزيران الجاري، أعمال سينودس أساقفة كنيستنا المقدّس، وقد استعدَّينا له بالرياضة الروحيّة في الأسبوع الماضي. فنشكر الله على النعم التي أفاضها علينا من جودة رحمته، وعلى أنّه يجمعنا في هذا الأسبوع. فنلتمس منه أن تأتي قراراتُنا وتوصياتنا لمجده تعالى وخير كنيستنا وتقديس النفوس.

 

 

 

2. يوجد بين أيديكم برنامج هذا الأسبوع والمواضيع التي سنتدارسها، بالإضافة إلى ما تودّون اقتراحَه من مواضيع أخرى. مع أهميّة جميع هذه المواضيع، أركّز على أربعة.

 

 

 

أوّلًا، الإصلاح الليتورجي

 

 

 

3. تقدّم لنا اللّجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة ملفًّا للتصويت المجمعي على بعض المواضيع الليتورجيّة العالقة في الرِّتب والنصوص التي سبق ووزّعتْها علينا في دورات سابقة للسينودس المقدّس، بالإضافة إلى ما أنجزت من إصلاحات، وما تعمل حاليًّا على إنجازه، مشكورة.

 

 

 

لا يقف الإصلاح اللِّيتورجي عند الهيكليات، بل هدفه الأوّل والأخير إنّما هو الولوج في عمق هذا "الكنز الحيّ" الذي يرافق أبناء كنيستنا المارونيّة وبناتها في سفرهم نحو ملكوت الله. من ينبوع هذا الكنز تغرف كنيستنا روحانيّتها، وتلبس ثوب القداسة.

 

 

 

فاللّيتورجيا بكلّ مكوِّناتها، من هيكليّات وصلوات ورموز، إنّما هي مدرسة إيمان، على قاعدة شعار القدّيس أغسطينوس: "شريعة الصلاة هي شريعة الإيمان". وفي الواقع، استمدّ آباؤنا وأجدادنا إيمانهم وروحانيّتهم من الليتورجيّا، لا من دراسة الكتب اللاهوتيّة التي لم تكن متوفّرة لديهم (راجع النص المجمعي 12: الليتورجيا، 1-3).

 

 

 

ثانيًا، التنشئة والروحانيّة الكهنوتيّة

 

 

 

4. سنطّلع على تقارير مدارسنا الإكليريكيّة. ومن الأهميّة بمكان التركيز على تنشئة طلّاب الكهنوت العلميّة والروحيّة والليتورجيّة والراعويّة والإرساليّة والمسكونيّة، من خلال السَّهر على تطبيق "شرعة التنشئة الكهنوتيّة في الكنيسة المارونيّة"، التي وافق عليها وأقرّها السينودس المقدّس في دورة حزيران 2007، وأصدرها آمرًا باستعمالها سلفُنا البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير بمرسوم 2 أذار 2008.

 

 

 

5. وهي تنشئة ينبغي أن تكون مستمرّة بحيث ترافق حياة الكاهن الماروني الأبرشي والقانوني في كلّ مراحل حياته، وتكتمل وتنضج مع الأيام والاختبارات. فقد أوصى المجمع البطريركي الماروني بتأمينها للكهنة والشّمامسة، بغية تعزيز تجدّدهم الروحي والثقافي وعملهم الراعوي. فهي امتداد طبيعي لتكوين الشخصيّة الكهنوتيّة التي تنشّأت في المدرسة الإكليريكيّة. وهي ضروريّة لأنّ خدمتهم الراعوية دائمة ومستمرّة. كما أوصى الكهنة بأن يعمّقوا اتّحادهم بالمسيح، لكي يكونوا شهودًا له وعلامة لحضوره في عيشهم وخدمتهم الراعوية وحياتهم الروحيّة (راجع النص المجمعي 7: الكهنة والشمامسة في الكنيسة المارونية، 7، والتوصيتان 1 و13). لقد تأمّلنا أثناء الرياضة الروحيّة، كم أنّ الإصلاح في الكنيسة عامّة، وفي كنيستنا المارونيّة بخاصّة، منوطٌ بإصلاح الحياة الروحيّة لدى كهنتنا ورهباننا، ونحن في مقدّمتهم كآباء ورؤساء. وبالتالي لا يحقّ لأيّ أسقف، ايًّا كانت حاجتُه إلى كهنة، أن يقبل طلّاب كهنوت أبرشيِّين ورهبانًا مرفوضين من إدارة إكليريكيّاتهم، أو كهنة غير مرغوب فيهم في أبرشيّاتهم ورهبانيّاتهم.

 

 

 

ثالثًا، الأبرشيّات والإكسرخوسيّات والزيارات الراعويّة

 

 

 

6. سنستمع إلى أوضاع أبرشيّاتنا في النطاق البطريركي وبلدان الانتشار. بالإضافة إلى إكسرخوسيّة كولومبيا والبيرو والإكوادور، والبلدان التابعة لأبرشيّة الأرجنتين وهي الأوروغواي وباراغواي وبوليفيا وتشيلي؛ وإلى الزيارات الرسوليّة في أميركا الوسطى وفنزويلا؛ وفي أوروبا الغربيّة والشماليّة؛ وفي أفريقيا الجنوبيّة؛ وفي اليونان ورومانيا وبلغاريا.

 

 

 

7. سنكون بالطبع أمام حاجتَين: الأولى كبيرة وهي الحاجة إلى كهنة. إنّنا نثني على الأبرشيّات التي ترسل كهنة لخدمة رعايا الانتشار. وندعو إلى إرسال المزيد من الكهنة. ونطلب ذلك من الأبرشيّات التي لا تساهم بعد في خدمة هذه الرعايا. ولا يجوز لأحد منا أن يرفض دعوات كهنوتيّة يرسلها الله بسبب "عدم الحاجة إلى كهنة"، كما يقول البعض. فالله يرسل كهنة للكنيسة لا للأبرشيّة، وإنّما بواسطة الأبرشيّة. والمطران ليس لأبرشيّته فقط بل لكلّ الكنيسة.

 

 

 

أمّا الحاجة الثانية فهي إلى المال بالنسبة إلى الأبرشيّات المتعثّرة. وقد أنشأنا لجنة لهذه الغاية. وبادرنا في السابق إلى جمع تبرّعات منّا جميعًا لتأمين هذا الدعم. ونواصله بروح التضامن، وعلى مبدأ أنّ الأبرشيّات المكتفية تساعد المحتاجة.

 

 

 

8. في سياق هذا الموضوع الثالث، سنعمل على إعادة تكوين لائحة المرشّحين للأسقفية. فمن تلك التي صوّتنا عليها في دورة أذار 2015 الاستثنائية، تمّ انتخاب ثلاثة مطارنة وأُسقط اسمان بسبب ما تبيّن لنا وللّجنة المعنيّة بتقصّي المعلومات من أمور لا تسمح بتقديمهما إلى الكرسي الرسولي.

 

 

 

والداعي إلى تكوين لائحة جديدة هو أنّنا سنكون في السنتَين المقبلتَين بحاجة إلى انتخاب مطارنة لأبرشيّات ستكون شاغرة. الأمر الذي يستوجب علينا وعلى لجنة تقصّي المعلومات بشأن المرشّحين الوقت الكافي لإجراء ذلك.

 

 

 

9. وبالنسبة إلى الزيارة الرسوليّة في أوروبا الغربيّة والشماليّة، التي كنّا ندرس بشأنها، في دورتَي السنتَين الماضيتَين، إمكانيّة إنشاء إكسرخوسيّة تضمّ المانيا والبلدان السكندينافية؛ وكانت صعوبات من جهة المجالس الأسقفيّة هناك، ومن جهة إمكانياتنا. فكان الاقتراح مع مجمع الكنائس الشرقيّة بإنشاء زيارة رسوليّة بدلًا من إكسرخوسيّة. وبما أن سيادة المطران مارون ناصر الجميّل، مطران أبرشيّة سيّدة لبنان باريس لفرنسا، هو الزائر الرسولي لكلّ بلدان اوروبا الغربيّة والشماليّة، كان لا بدّ من موافقته على قسمة الزيارة الرسوليّة إلى اثنتَين. وعندما طرحت عليه ذلك في الأسبوع الماضي، أجاب على الفور بروحه الراعوية والكنسيّة بالموافقة، ورأى في ذلك وجهًا إيجابيًّا. فتكون القسمة ما يلي:

 

 

 

1. زيارة رسوليّة للبلدان الناطقة بالالمانيّة والانكليزيّة وهي ألمانيا (فيها ثلاثة آباء مرسلين لبنانيّين، وكاهن أبرشي من نيابة إهدن-زغرتا يخدمون الجالية المارونيّة فيها)، والنمسا (فيها كاهن مرسل لبناني يخدم جاليتنا)، والسويد (فيها كاهنان أبرشيّان، واحد منهما من أبرشيّة جبيل) والبلدان السكندينافيّة الأخرى: الدانمارك وفنلندا والنروج، وبريطانيا (يخدم فيها آباء من الرهبانيّة اللبنانية المارونيّة)، وإيرلندا.

 

 

 

2. زيارة رسوليّة تبقى في عهدة المطران مارون ناصر الجميّل وتضمّ: بلجيكا ولوكسنبورغ وسويسرا وإيطاليا واسبانيا وبورتغال.

 

 

 

بالطبع، سنتداول في حينه مشروع القسمة هذا، بعد الاستماع إلى تقرير سيادة المطران الجميّل. لكنّنا إلى ذلك الحين نحتاج إلى أن يقترح السادة المطارنة أسماء للزيارة الرسولية الجديدة، إذا ما أُقرّت. إنّ وجود أسقفين مارونيّين في أوروبا الغربية والشمالية يغني حضور كنيستنا المارونيّة فيها وفي مجالسها الأسقفيّة.

 

 

 

رابعًا الشَّأن الوطني

 

10. سنستمع كرعاة مؤتمنين على إعلان الإنجيل وتعليم الكنيسة إلى ما سيدلي الآباء بشأن الأوطان التي يأتون منها أو يخدمون فيها، ولاسيّما أوطان الشّرق الأوسط حيث يعاني أبناء كنيستنا كما شعوب المنطقة من ويلات الحروب، هدمًا وقتلًا وتهجيرًا، لكي نصوغ كلمة الرجاء لهم، والنداء إلى ضمائر حكّام الدول، حسبما يملي علينا الروح.

 

 

 

11. ولا بدّ من التوقّف بشكل خاصّ على الأوضاع الراهنة في لبنان، الذي هو الوطن الروحي لموارنة العالم. فإليه وإلى نموذجيّته ورسالته في هذا المشرق العربي يتطلّعون ومعهم كلّ اللبنانيّين.

 

 

 

أ – إنّنا باسم شعبنا نطالب بتأليف الحكومة الجديدة في أسرع ما يمكن، بروح المسؤوليّة الوطنيّة الخطيرة، بعيدًا عن حسابات المحاصصة الخاصّة، حكومةٍ قادرة على إجراء الإصلاحات المطلوبة على مستوى الهيكليّات والقطاعات، كشرط لنيل المساعدات الماليّة، من هبات وقروض ميسّرة، تقرّرت في مؤتمرَي روما (15 أذار)، وباريس - CEDRE (6 نيسان) من أجل النهوض الاقتصادي الكفيل بإخراج اللبنانيّين من حالة الفقر والعوز، وبتأمين فرص عمل لأجيالنا المثقّفة الطالعة.

 

 

 

ب – ونطالب الحكومة بتوحيد الكلمة في العمل على عودة النازحين السوريِّين إلى وطنهم وبيوتهم وممتلكاتهم، ونطالب المجتمع الدولي بمساعدتهم على ترميم بيوتهم. فمن حقّهم الطبيعي أن يستعيدوا كرامتهم الوطنيّة، ويحافظوا على تراثهم الثقافي والحضاري، وينعموا بجميع حقوقهم الوطنيّة. ومن الواجب تشجيعهم على هذه العودة الكريمة لا تخويفهم لأغراض سياسيّة. وإلّا وقعوا ضحيّة حربَين: حربٍ دمّرت أرضهم وجنى عمرهم، وحرب تدمّر ثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم، وهذه إبادة لهم. ثمّ انّ كرامتهم تأبى أن يصيروا عبئًا على لبنان الذي استقبلهم بكلّ عاطفة إنسانيّة وتضامن.

 

 

 

ج – ونطالب المسؤولين عندنا سحب مرسوم التجنيس لأنّه زعزع الثقة بهم؛ ولأنّه مرسوم يصدر على حين غفلة وبأسماء مشبوهة لا تشرّف الجنسيّة اللبنانيّة، فيما المراجعة دائمة بتطبيق ما أبطل مجلس شورى الدولة من مرسوم التجنيس الصادر سنة 1994 الذي أوقع خللًا ديموغرافيًّا كبيرًا في البلاد؛ وفيما يوجد لدى المجلس النيابي قانون إعادة النظر في قانون الجنسيّة الذي يرقى إلى سنة 1925 في عهد الانتداب الفرنسي، أي قبل عشرين سنة من الميثاق الوطني والاستقلال التام؛ وفيما يتواجد على أرض لبنان أكثر من نصف سكّانه الغرباء والأجانب؛ وفيما تتكدّس لدى وزارتَي الخارجيّة والداخليّة الألوف من الملفّات الخاصّة بمنتشرين من أصل لبناني يطالبون باستعادة جنسيّتهم اللبنانية.

 

 

 

12. وفوق ذلك كلّه، إنّنا ندعو جميع رجال السياسة والمسؤولين عن الشأن الوطني العام إلى بناء الثقة فيما بينهم بروح الميثاق الوطني الذي يميّز لبنان عن كلّ البلدان، لأنّه ميثاق الحرية والمساواة والعيش معًا بين المسيحيّين والمسلمين. إنّه روح الدستور والحياة السياسيّة، لكونه يشكّل التكامل في تكوين النسيج الوطني الواحد، ويتخطّى مستوى التساكن، ليكون نمط حياة يؤمّن لكلّ إنسان فرصة التواصل والتفاعل مع الآخر، فتغتني شخصيّته من تلقّيها جديد الآخر، من دون إلغاء الخصوصيّات والفوارق التي تصبح مصدر غنى للجميع (راجع المجمع البطريركي الماروني، النص 11: الكنيسة المارونية والسياسة، 36-37؛ شرعة العمل السياسي، ص29-30).

 

 

 

أيّها الإخوة الآباء الأجلّاء،

 

 

 

13. بالاتّكال على عناية الله، وأنوار الروح القدس، وشفاعة أمّنا مريم العذراء وابينا القدّيس مارون، نبدأ أعمال هذا السينودس المقدّس، وكلُّنا رجاء بثماره الخصبة، لمجد الله وخير كنيستنا وخلاص النفوس.

 

 

كلمة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في افتتاح أعمال السينودس المقدّس - بكركي