1. يسعدني في البداية ان أعرب عن شكري وتقديري لهذا اللقاء، عن فرح المشاركة فيه. لا يمكن الفصل بين عيد سيّدة التلّة العجائبيّة، شفيعة دير القمر، المكرَّمة من المسيحيّين والدروز الموحّدين على السواء، والذكرى السنويّة السادسة عشرة للمصالحة التاريخيّة التي أجراها سلفي صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير، أطال الله بعمره، والزعيم وليد بك جنبلاط في مثل هذه الأيّام. وكان يومَها استذكارٌ للرباط التاريخيّ من التعاون بين البطريركيّة وكرسي مطرانيّة بيت الدين والمختارة. وهي علاقة نحافظ عليها مع سيادة أخينا المطران مارون العمّار، راعي أبرشيّة صيدا الجديد، الذي نتمنّى له النجاح في خدمته الأسقفيّة، راجين الموآزرة له من الجميع.
ففي 3 آب من عام 2001 احتفل البطريرك بقدّاس عيد سيّدة التلّة في دير القمر. وفي اليوم التالي كان لقاء المصالحة التاريخيّة في الجبل، في دارة المختارة، في إطار زيارة راعويّة دامت ثلاثة أيّام (3-5 آب) وشملت سبع عشرة بلدة من قضاء الشوف. فانفتحت معها صفحة أمل في هذا القضاء والجبل.
2. هدفت المصالحة إلى إعادة اللّحمة الوطنية وتدعيم العيش المشترك بين اللبنانيّين عامّة، وفي منطقة الشوف والجبل بخاصّة، بعد النكبة التي حلّت بهم. هذه المصالحة كانت هاجسَ البطريرك منذ سنة 1990، مذ أُطلق مشروع عودة المهجَّرين. ثمّ عاد الهاجس بشدّة سنة 1992، ولكن تحقيقه تعثّر بسبب عراقيل مذكورة في مذكّرات البطريرك. فكانت محاولات لتزليلها[1]. وكانت علاقات أخرى حزبيّة في ايلول 2000 تسهّل أجواءها، أوردتها في حينه جريدة الديار[2].
3. لقد جدّدتُ شخصيًّا مرّتين مع الزعيم وليد بك جنبلاط هذه المصالحة، وشدّدنا أواصرها، فضلًا عن إرادة المسيحيّين ورغبتهم وعودتهم إلى بلداتهم وقراهم، حيث بنوا كنائسهم وبيوتهم من سخاء اليد ومساعدات وزارة المهجَّرين؛ بالإضافة إلى تشجيع مطارنتهم وبإحياء الرعايا والمشاريع الإنمائيّة، وإلى دور الرهبانيات في إعادة بناء أديارها ومؤسّساتها المدرسيّة والجامعيّة والاستشفائيّة والاجتماعيّة، واستثمار أراضيها، وفتح المجال لفرص عمل لأبناء هذه المنطقة.
3. نحن نعتبر أنّ المصالحة السياسيّة والاجتماعيّة قد تمّت في مجملها، لكنّها تحتاج إلى اكتمالها بالعيش معًا جنبًا إلى جنب، بثقة وتعاون. وهذا يقتضي أن تتضافر الجهود من قبلنا جميعًا، دولةً وكنيسةً ومجتمعًا أهليًّا، بحيث نعمل كلٌّ من جانبه على توفير فرص العمل لسكان بلداتنا وقرانا: بدءًا من التوظيف المتوازن في إدارات الدولة، وصولًا إلى مشاريع إنمائيّة وسياحيّة، فإلى تعزيز الاقتصاد المنتج لا سيّما الزراعي والخدماتي، بحيث يمكّن الأهالي وعائلاتهم من عيش مكتفٍ وكريم. وإنّي أؤكّد أنّ الكنيسة من جهّتها تحافظ على مؤسّساتها وتعمل على توسيع رقعة خدماتها بموآزرة المجتمع الأهلي، وتنمّي مراكزها، وتساعد على استثمار أراضيها، من أجل تأمين أكبر عدد ممكن من فرص العمل، وإعادة تعلّق الشوفيّين وأبناء الجبل بأرضهم وتراثهم وثقافتهم.
لكننا نطالب الدولة بتعزيز مؤسّساتها على اختلافها، وتطبيق اللامركزيّة الإداريّة، المناطقيّة والقطاعيّة، من أجل توفير فرص العمل في المناطق. كما نطالبها بالمزيد من التحسين في بناها التحتيّة والمقوّمات الحياتيّة الأساسيّة. إنّنا نودع هذه المطالب السَّادة نوّاب المنطقة والوزراء والمسؤولين السياسيّين.
إنّ سلامة لبنان من سلامة الجبل. فلنعمل كلّنا بإرادة واحدة من أجل توفيرها. فيطيب عندئذٍ الاحتفال بذكرى المصالحة بكامل أبعادها.
عشتم! عاش لبنان!
[1]راجع السادس والسبعون مار نصرالله بطرس صفير لانطوان سعد، الجزء الثالث، صفحة 167-186.
[2]راجع الديار، الأحد 17 أيلول 2000 ص 6.
موقع بكركي.