إصدار موسوعة العائلات المارونيّة

متفرقات

إصدار موسوعة العائلات المارونيّة

 

 

 

1. يسعدني أن أشارك في هذا الاحتفال بإصدار موسوعة العائلات المارونيّة للأستاذ الرّاحل ناظم نعمه، إبن دير القمر العزيزة، بعناية جامعة سيّدة اللّويزه مشكورة التي تتشرّف بأن تكون هذه الموسوعة من أهمّ منشوراتها. فيطيب لي أن أحيّي رئيسها الأب بيار نجم ومعاونيه من آباء وعمداء كلّيات وإداريّين وهيئة أساتذة، مع مجلس الأمناء. كما أحيّي الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة مالكة هذه الجامعة، بشخص رئيسها العام قدس الأباتي مارون الشّدياق ومجلس المدبّرين العامّين.

 

 

 

 

 

      2. ولكنّي في الذّكرى السنوية الأولى لغياب المؤلِّف عنّا، أشعر بغصّة عميقة في القلب لكونه لم يرَ بعينيه الجسديّتين ظهور موسوعته بهذه الأناقة، ولكونه غائبًا بالجسد عن هذا الاحتفال المهيب. غير أنّه من السّماء يرى ويفرح ويحضر معنا بالرّوح، كما هو حاضر بشخص زوجته السّيّدة ليلى وأولاده الأحبّاء ندى وألبير وناجي. وإذ كان يعتبر أنّ كلّ جزء من أجزاء الموسوعة السّبعة بمثابة ابن إضافي على عائلته، بهذه العاطفة تفانى في البحث والتّنقيب وجمع المعلومات بكلّ صبر وجَلَد وتضحية طيلة أربعة عقود، ليكتب عن كلّ ما يختصّ بالعائلات المارونيّة واحدة واحدة. فيقدّم نبذة تاريخيّة عنها، وأماكن تواجدها بما تتّصف به من آثار ومعالم روحيّة، وعن أعلامها وإنجازاتها تفصيليًّا، والمراجع التي استقى منها معلوماته.

 

 

 

 

 

      3. عندما نرى هذا العمل الجبّار، بما يحتوي من أبحاث ومعلومات لا بدّ من تقدير سعة عقل هذا الرّجل ومعارفه، وقوّة الاستيعاب عنده، والمقدرة على العمل الصّعب، والنّهج العلميّ الذي يتميّز به والأسلوب. فلا أظنّ أنّ أحدًا يستطيع أن يتخيّل كيف أنّ شخصًا واحدًا استطاع ان يقوم لوحده بإنجاز هذه الموسوعة، التي تتطلّب مجموعات من الباحثين المعاونين.         

 

 

 

 

إذا تخيّلنا كلّ ذلك، وقدّرناه، فلا نستطيع على الإطلاق عدّ السّاعات التي قضاها في اللّيل والنّهار، وتقدير التّضحيات بالرّاحة وأوقات التّرفيه التي جاد بها. أجل، يمكن أن يقوم شخص واحد بهذا العمل الفائق، إذا كان اسمه ناظم نعمه. إنّه هو! رحمات الله عليه! إنّه ابن دير القمر التي أغنت لبنان، ثفافة وعلمًا وسياسة، بأعلام كانوا خارقين. وكلّهم يشهدون لبركة ورضى سيّدة التلّة، شفيعة دير القمر وأمّ الدَّيريّين. والمرحوم العزيز ناظم هو سليل عائلة نعمه الكريمة التي حافظت على هذا الخط الديراني المعطاء.

 

 

 

 

 

      4. كلمات الشّكر والتّقدير ليست سوى نقطة في بحر هذه الهبة الأثمن التي يقدّمها المؤلّف لكلّ عائلة من العائلات المارونيّة. من منّا لا يتوق إلى معرفة عائلته وأصلها وتاريخها وأعلامها وأماكن انتشارها! ومن منّا لا يتشرّف بالانتماء إليها، ويرغب في تواصل تاريخها عبر كلّ جيل من أجيالها! هذا كلّه قدّمه لنا ناظم نعمه. إنّ الواجب-الأمنية يقتضي أن يقتني هذه الموسوعة أبناء كلّ عائلة. فالمعرفة الأولى والأساسيّة، بحسب الفلسفة اليونانيّة القديمة: "أن تعرف نفسك". وبالتّالي أن تعرف حقيقة عائلتك، التي منها أصل وجودك، وأن تعرف تاريخها وتقاليدها ودورها في المجتمع والكنيسة والوطن. فالإنسان لا يبدأ حصرًا يوم ميلاده، لكنّه يولد حاملاً كلّ تراث أسرته. فيغرف منه حاضره ويخطّط لمستقبله. ولذلك قيل: "إذا أردت أن تبيد شعبًا، إجعله ينسى تاريخه، واكتب له تاريخًا آخر، فيُضيع حاضره، ولا يرى أفقًا لمستقبله".

 

 

 

 

 

      5. هذا الكلام ينطبق على الشّعب اللّبناني وحاضره ومستقبله. فمنذ الحرب المشؤومة التي أُشعل نارها سنة 1975، وما زال مستعرًا، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، ونشهد حركة نسيان لتاريخنا اللّبنانيّ، مع سعي حثيث مخطَّط من الخارج ومنفَّذ من الدّاخل لكتابة تاريخ آخر لنا على مختلف الأصعدة. ولذلك نرى الشّعب ضائعًا، وغالبيّة المسؤولين السّياسيّين في غفلة عن الأخطار، وغرق في المصالح الرخيصة، ونشوة في الفساد، وتعلّق في الشكليات، وغربة عن الجوهر.

 

 

 

 

 

      6. هذا هو الدّافع الأساس الذي حدا بالمرحوم الأستاذ ناظم نعمه ليضع هذه الموسوعة مهما كلّفته من جهود وتضحيات لا تُحصى ولا تُثمَّن. وقد استهلّه بما كتب في المدخل والتّمهيد: "بارك الله لبنان منذ الأزل وحباه حسنًا وبهاءً. زاره السيّد المسيح مبشّرًا، فأشعل فيه روح القداسة. باركته العذراء مريم من أرض مغدوشة، فالتحف شعبه بثوبها الطاهر طالبًا حمايتها.

 

 

 

 

هبّت على الشّعب الأبيّ رياح الأحداث الدامية، وعواصف الحروب المتكرّرة، فمالت هامته، ولم تنحنِ. وظلَّ شامخ الرأس شموخ أرز لبنان. إلاّ أنّ هذه المحن، تسبّبت بفقدان الكثير من تاريخ البلاد والعباد، ولم يبق من أخبار السلف سوى ما تناقله الخلف من روايات وأحاديث، شاب بعضها الغموض والإلتباس لطول عهدها. وهناك وثائق ومخطوطات عديدة ما زالت قابعة في البيوت منذ عهود طويلة، يضنّ بها أصحابها على المؤرّخين لتحقيقها، أو هي مهمَلة لقلّة إدراكهم بأهمّيتها" (الموسوعة، الجزء 1، صفحة XXI).

 

 

 

 

 

      7. إنّ "موسوعة العائلات المارونيّة"، مع العائلات الأخرى المماثلة والعائلات الرّوحيّة المتنوّعة إتنيًّا وثقافيًّا وحضاريًّا، تؤلّف كلّها العائلة اللّبنانيّة التي هي مشروع وحدة إنسانيّة ووطنيّة على شاكلة وحدة الجسد القائمة على التّكامل الوظائفيّ بين خلايا وأعضاء تتآلف من أجل الحياة. فالحياة لا تسكن إلاّ في التّنوّع، والموت لا يقيم إلاّ في الأحاديّة. هذه هي فلسفة الميثاق الوطنيّ اللّبنانيّ والدّستور، القائمة على قاعدة العيش معًا والتّعاون في الحكم والإدارة والمساواة وحسن التّمثيل والتّنوّع في الوحدة.

 

 

 

 

      ولذا، كلّما كانت الدّولة حاضنة للفروقات وواعية لها بإخلاص واقتناع، كلّما كان مجتمعنا اللّبنانيّ أكثر تماسكًا، وأشدّ اتّحادًا، وأصلب استمراريّة في الاستحقاقات الحرجة.

 

 

 

 

 

      ألف شكر للمرحوم الأستاذ ناظم نعمه على هذه "الموسوعة" وثمارها في عائلاتنا المارونيّة وعائلتنا الوطنيّة اللّبنانيّة، نصلي لكي ينعم بالمشاهدة السّعيدة في مجد السّماء، ويحفظ الله عائلته.

 

 

 

 

                                 عشتم! وعاش لبنان!

 

 

 

موقع بكركي.