إخواني أصحاب الغبطة البطاركة الكلّيِّي الطوبى،
أيُّها المرافقون المحترمون،
قدس الأمين العام،
1. يسعدني أن أرحّب بكم في هذا الكرسي البطريركي، في الديمان، على مشارف الوادي المقدّس، حيث نتنشّق عبير قداسة الذين سكنوه من بطاركة ونسّاك ومؤمنين. إنّ آثار المناسك والأديار فيه ما زالت شاهدة بحجارتها ومغاورها وكهوفها. لكنّ الحياة الروحيّة والراعويّة متواصلة في الأديار والرعايا التي تتوزّع على ثلاثة أقسام من هذا الوادي المقدّس: دير مار إليشاع في وادي قاديشا، والكرسي البطريركي في وادي قنوبين، ودير مار أنطونيوس في وادي قزحيا، بالإضافة إلى محبستَين حيث يعيش ثلاثة حبساء من الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، محافظين على تقليد قديم لم ينقطع.
2. في كرسي وادي قنّوبين عاش بطاركتنا من سنة 1440 إلى 1823، في زمن العثمانيّين، مرتضين شظف العيش وصعوبة التنقّل ووعورة المكان، حفاظًا على إيمانهم الكاثوليكيّ واستقلاليّتهم. وقد أتوه من سيّدة إيليج في ميفوق حيث عاشوا من سنة 1121 إلى1440، وقبله في يانوح من جبّة المنيطره من سنة 949 إلى 1121. عاش في وادي قنّوبين سبعة عشر بطريركًا ودُفنوا في مغارة القدّيسة مارينا.
3. انتقل البطاركة من وادي قنّوبين إلى الديمان سنة 1823 حيث استأجروا بيتًا على مشارف الوادي، ثمّ بنى البطريرك يوسف حبيش كرسيًّا بطريركيًّا على اسم مار يوحنّا مارون، وهو مخصّص حاليًّا لنشاطات النيابة البطريركيّة الراعويّة. وفي سنة 1905 بنى البطريرك إلياس الحويك الكرسي الحالي الذي يجمعنا. ثمّ استكمله البطريرك أنطون عريضه ببناء الكنيسة ورسوماتها وهما تقدمة من شقيقه رشيد عريضه، بالإضافة إلى جناح البطريرك.
كان البطاركة في كلّ هذه المحطّات التاريخيّة يسيرون أمام شعبهم، يحافظون عليه ويحامون عنه، ويشدّون أواصر وحدته، ويشجّعونه على الثبات في الإيمان والصمود أمام المحن والصعوبات، متعاونين مع مكوِّنات البلاد، حتى وصلوا إلى تكوين دولة لبنان التي تتميّز بخصوصيّاتها بين بلدان الشَّرق الأوسط، وأُعلنت في أوّل أيلول 1920.
3. سردتُ هذه اللّمحة التاريخيّة كمدخل إلى الموضوع الذي نتدارسه في مؤتمرنا، وهو "الأوضاع الكنسيّة والسياسيّة لبلدان الشَّرق الأوسط". إنّنا نعيش نتائج حروب فُرضت على العراق وسوريا، غايتُها اقتصاديّة وسياسيّة واستراتيجيّة، فأوجدت حروبًا أهليّة سياسيّة ومذهبيّة، شاركت فيها وأذكتها منظمات إرهابيّة بمساندة من دول نافذة. وبالنتيجة هدّمت وقتلت وشرّدت الملايين من السكّان الآمنين. ومُنيت كنائسنا بخسارة العديد من أبنائها وبناتها ومؤسَّساتها. ولسنا نعلم ما ستؤول إليه الأوضاع السياسيّة عندنا. سنستعرض في جلساتنا كلّ هذه الأمور ونتبادل القراءات بشأنها.
4. لكن المهمّ والأساسيّ أن نحافظ على وجودنا الكنسيّ والمسيحيّ في هذا المشرق كحماة لجذور المسيحيّة العالميّة. نحن لسنا أقلّية في منطقتنا، ولا ينطبق علينا مفهوم الأقلّية: فتاريخيًّا، نحن هنا منذ ألفي سنة، قبل الإسلام بأكثر من ستماية سنة؛ ولاهوتيًّا، نحن جزء من جسد المسيح السّرّي الذي هو الكنيسة. مطلوب منّا أن نتذكّر مع شعبنا معنى وجودنا، ولو كان قليل العدد، بحسب قول الربّ يسوع، وهو أن نكون "كالخميرة في العجين" و"كالملح في الطعام" و"كالنّور أمام النّاس"( متى 5: 13-14؛ متى 13: 33-35). وفي هذا الوقت، نحتاج إلى مزيد من التعاون والعمل المشترك على كلّ صعيد من أجل تأمين عيش كريم لأبناء كنائسنا على أرض أوطاننا.
وتبقى كلمة الربّ يسوع في ظروفنا المؤلمة، التي وضعناها عنوانًا لمؤتمرنا، كلمة الرّجاء والصّمود: "سيكونُ لكم في العالم ضيق، لكنْ ثِقوا، أنا غلبتُ العالم" (يو16: 33).
مع أطيب التمنيات لطيب الإقامة ونجاح أعمالنا، لمجد الله وخير كنائسنا، بإكليروسها وأبنائها وبناتها ومؤسّساتها!
موقع بكركي.