كلمة البطريرك الراعي في افتتاح القمّة الروحية المسيحية-الإسلامية

متفرقات

كلمة البطريرك الراعي في افتتاح القمّة الروحية المسيحية-الإسلامية

 

 

 

كلمة البطريرك الراعي في افتتاح القمّة الروحية المسيحية-الإسلامية

 

 

 

 

أصحاب القداسة والغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة وسائر الحضور الكرام

 

    

1. يسعدني وإخواني السّادة المطارنة في هذا الكرسي البطريركي أن أرحّب بكم لعقد هذه القمّة التي اقتضاها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اتّخذه في السادس من هذا الشهر، وصدم به العالم، إذ أعلن مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وأمر بإجراء الترتيبات لنقل السفارة الأميركية إليها من تل ابيب. إنّه قرارٌ جائر بحقّ الفلسطينيِّين والعرب والمسيحيِّين والمسلمين، وقرارٌ مخالف لقرارات الشرعيّة الدوليّة ولمقرّرات الأمم المتّحدة، وللقانون الدولي، وقد علت أصوات من مختلف الجهات تندّد بالقرار وترفضه وتطالب بالرجوع عنه أو بإبطاله.

 

   

 2. لقد عبّر معظمنا عن هذا الرفض، إفراديًّا أو جماعيًّا في طائفته. لكنّنا نتنادى اليوم لنعبّر معًا وبصوت واحد عن موقفنا الرافض، فنرفعه عاليًا أمام الرأي العام، ونوجّهه إلى الأسرة الدوليّة. فيؤسفنا في البداية أن رئيس دولة توصف "بالعظمى" لأنّها في الأساس تؤمن بحقوق الإنسان والشعوب وتدافع عنها، وتلتزم ببناء السلام، يتّخذ مثلَ هذا القرار الذي ينتهك حقوق الشعب الفلسطيني وحقوق المسيحيين والمسلمين في المدينة المقدّسة؛ ويهدم كلّ مداميك المفاوضات السابقة للسلام بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل ويقوّض أسسه؛ ويبتر رأس دولة فلسطين الموعودة بأن تتكوّن حول عاصمة هي القدس الشرقية؛ ويشعل نار الانتفاضة الجديدة والحرب.

   

3. لكنّنا لسنا ندري إذا كان الشعب الأميركي يشاطر رئيسه هذا القرار. غير أنّنا نعلم أنّ مجلس أساقفة الولايات المتّحدة الأميركية رافض لمثل هذا القرار منذ سنة 1984، حيث تقدّم مجلس الأساقفة الكاثوليك من لجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس الشيوخ الأميركي بإعلانٍ خطّي رفض به نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ووصف اقتراح نقلها من قِبل أحد الشيوخ اليهود بأنّه "غير حكيم سياسيًّا ولا يصبّ في مصلحة إحلال السلام في الشَّرق الأوسط". كما سبق وطالب مجلس الأساقفة في 13 تشرين الثاني 1973 بإنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم في الماضي من إسرائيل وأعضاء اللجنة الدولية المسؤولة عن تصميم التقسيم في سنة 1948. وطالب أيضًا بحماية القدس في طابعها الخاص ومعناها الديني بالنسبة للديانات التوحيدية الثلاث، بحيث يُضمن دوليًّا الدخول إليها، وتُحمى بالمساواة حقوق مؤمنيها المدنيّة والدينيّة.

 

4. نحن نأمل أن يقف مجلس أساقفة الولايات المتّحدة الأميركية إلى جانبنا في ما سنطالب به في هذه القمّة الروحيّة. وننتظر الموقف نفسه من المجالس الأسقفيّة في العالم. فنحن المسيحيّين، مثل إخواننا المسلمين، أوّل المعنيّين بالقدس. ففي هذه المدينة المقدسة تمّ سرّ الخلاص الشامل، حيث أعلن المسيح الربّ كلمة الله الهادية، واجترح معجزات الرحمة الإلهيّة، ومات مصلوبًا على جبل الجلجلة فداءً عن الجنس البشري، وقام من الموت لتبرير كلّ إنسان. وفي هذه المدينة المقدّسة حلّ الروح القدس على الكنيسة الناشئة فانطلقت تحمل إنجيل المحبّة والأخوّة والسلام بين جميع الناس والشعوب، وفيها ارتفعت أولى كنائسنا حتى دُعيَت أورشليم "بأمّ الكنائس". ولذلك نرفض رفضًا قاطعًا تهويد هذه المدينة المقدّسة.

 

5. أمّا ما نطالب به، معًا، كما فعلتْ بالأمس قمّة الدول الإسلامية في اسطنبول، فهو تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي صدرت تباعًا منذ سنة 1947، وعلى الأخصّ القرار 181 (29/11/1947) الذي اعتبر أنّ للقدس وضعًا دوليًّا خاصًّا، وجعل منها كيانًا منفصلًا تحت وصاية دولية بغية "حماية المصالح الروحيّة والدينيّة الفريدة للمدينة"؛ والقرار 478 (20/8/1980) الذي أقرّ عدم الاعتراف "بالقانون الأساسي"، الصادر عن الكنيست الإسرائيلي الذي أعلن مدينة القدس عاصمة إسرائيل واعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، ودعا الدول الأعضاء لعدم الاعتراف به؛ والقرار 2334 (23/12/2016) الذي نصّ على عدم الاعتراف بأيّ تغيّرات في خطوط الرابع من حزيران 1967 بما في ذلك ما يتعلّق بالقدس؛ والقرار 52/53 الصادر عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في 9 كانون الأوّل 1997 الذي اعتبر باطلًا ولاغيًا وغير قانوي "قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها على مدينة القدس الشريف".

 

6. نصلّي إلى الله عزّ وجلّ أن يبارك أعمال هذه القمّة ويلهمنا إلى ما يجب اتّخاذه من قرارات، حمايةً للمدينة المقدّسة التي تعنينا جميعًا في عمق إيماننا. والشكر لله ولكم.

 

 

 

 

موقع بكركي.