أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
اليوم، عيد الدنح، هو عيد ظهور يسوع، الذي يُرْمَز إليه بالنّور. لقد وَعَدَت النصوصُ النبويّة بهذا النور: وَعَدَت بالنور. يتوجّه أشعيا، في الواقع، إلى أورشليم بهذه الكلمات: "قومي استنيري فإِنَّ نورَكِ قد وافى ومَجدَ الرَّبِّ قد أَشرَقَ علَيكِ" (60، 1). دعوة النبيّ -إلى القيام للاستنارة- تبدو مدهشة، لأنّها وُضِعَت بعد المنفى الشديد والمضايقات العديدة التي مرّ بها الشعب.
هذه الدّعوة، اليوم، لها صداها أيضًا بالنسبة لنا نحن الذين نحتفل بعيد ميلاد يسوع، وتشجّعنا على أن نسمح لنور بيت لحم بأن يبلغنا. نحن أيضًا مدعوّون إلى عدم التوقّف عند العلامات الخارجيّة للحدث، بل إلى أن نبدأ من جديد انطلاقًا منه، ونتابع بحياة متجدّدة مسيرتنا، كأشخاص وكمؤمنين.
النّور الذي تنبّأ به النبيّ أشعياء هو حاضر في الإنجيل، وفيه نلقاه. وقد جاء يسوع، المولود في بيت لحم، مدينة داود، ليحمل الخلاص للقريبين وللبعيدين: للجميع. يبيّن الإنجيليّ متّى طرقًا مختلفة يمكن من خلالها أن نلتقي بالمسيح ونتفاعل مع حضوره. على سبيل المثال، لهيرودس ولكتبة أورشليم قلب قاسي، يستمرّ برفض زيارة ذلك الطفل. من المحتمل أن ننغلق على النّور. إنّهم يمثّلون أولئك الذين، حتى في يومنا هذا، يخافون من مجيء يسوع، ويغلقون قلوبهم على الإخوة والأخوات الذين يحتاجون إلى المساعدة. هيرودس خائف من فقدان السُلطة ولا يفكّر في مصلحة الناس الحقيقيّة، ولكن في مصلحته الشخصيّة. إن الكتبة وقادة الشعب يخافون لأنهم لا يستطيعون النظر أبعد من حدود يقينهم، ولا يقدروا بالتالي أن يفهموا الحداثة الموجودة في يسوع.
لكن تجربة المجوس تختلف للغاية (متى 2، 1- 12). قَدِموا من الشرق، ويمثّلون جميع الشعوب البعيدة عن الإيمان اليهوديّ التقليديّ. ومع ذلك، استرشدوا بالنجم وواجهوا رحلة طويلة ومحفوفة بالمخاطر للوصول إلى الوجهة، ولمعرفة الحقيقة عن المسيح. كان المجوس منفتحين على "الحداثة"، ويكشفون عن أعظم حداثة وأكثرها مفاجأة في التاريخ: صار الله إنسانًا. سجد المجوس أمام يسوع وقدّموا له هدايا رمزيّة: الذهب والبخور والمرّ. لأنّ البحث عن الربّ لا يعني فقط المثابرة في الطريق، إنّما أيضًا سخاء القلب. وأخيرًا، عادوا "إلى بلادهم" (آية ١٢)؛ ويقول الإنجيل أنّهم انصرفوا إلى بلادهم "في طَريقٍ آخَرَ". أيّها الإخوة والأخوات، كلّ مرّة يلتقي رجل أو امرأة بيسوع، يغيّر طريقه، ويعود إلى الحياة بطريقة أخرى، يعود متجدِّدًا، "في طريق آخر". انصَرَفوا "إلى بلادهم" حاملين في داخلهم سرّ ذلك الملك المتواضع والفقير؛ ونحن يمكننا أن نتخيّل أنّهم أخبروا الجميع بالتجربة التي عاشوها: الخلاص الذي قدّمه الله في المسيح هو لكلّ الناس، للقريبين وللبعيدين. ليس من المُمكن "الاستيلاء" على هذا الطفل: إنّه هديّة للجميع.
لنضع بعض الصمت في قلوبنا ولنستنر نحن أيضًا بنور يسوع الذي يأتي من بيت لحم. ولا نسمحنّ لمخاوفنا بأن تغلق قلوبنا، ولكن لتكن لنا الشجاعة بالانفتاح على هذا النُور الذي هو وديع ومتكتّم. وسوف نشعر حينها، مثل المجوس، "بفرح عظيم" (آية 10) ولن نكون قادرين على الاحتفاظ به لأنفسنا. لتعضدنا مريم العذراء في هذه المسيرة، هي النجم الذي يقودنا إلى يسوع، وهي الأمّ التي تقدّم يسوع للمجوس ولجميع الذين يتقرّبون منها.
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
لقد تمّ إنقاذ تسعة وأربعين شخصًا منذ عدّة أيّام في البحر المتوسّط، وهم على متن سفينتين غير حكوميَّتين، يبحثان عن ملاذ آمن يبلغونه. أتوجّه بمناشدة قلبيّة إلى القادة الأوروبيِّين كيما يظهروا تضامنهم مع هؤلاء الناس.
تحتفلُ بعيد الميلاد المجيد غداً بعضُ الكنائس الشرقيّة، الكاثوليكيّة والأرثوذكسية، التي تتّبع التقويم الشرقي (اليوليوسي). أوجّه إليهم تمنياتي القلبيّة والأخويّة في ظلّ الشركة التي تجمعنا نحن المسيحيِّين، الذين نعترف بأن يسوع هو الربّ والمخلّص. لجميعهم، عيد ميلاد مجيد!
عيد الغطاس هو أيضًا يوم الشبيبة الإرسالي، الذي يدعو هذا العام إرساليِّين صغار السنّ لأن يكونوا "رياضيّي يسوع"، كي يشهدوا للإنجيل في الأسرة وفي المدرسة وفي الأماكن الترفيهيّة.
أتمنّى لكم جميعًا عيدًا مباركًا، ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. غداء هنيئًا وإلى اللقاء!
قداسة البابا فرنسيس
صلاة التبشير الملائكي
الأحد 6 يناير/كانون الثاني 2019
ساحة القدّيس بطرس
موقع الكرسي الرسولي.