تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الأحد بتوقيت ليتوانيا، في ثاني أيَّام زيارته الرسوليَّة، صلاة التبشير الملائكي في منتزه سانتاكوس في مدينة كاوناس وذلك عقب ترأسه الاحتفال بالقداس الإلهي. توقّف قداسته في كلمته إلى المؤمنين عند القراءة الأولى من سفر الحكمة والتي تُحدثنا عن البار المضطهَد الذي يزعج وجوده الكافرين. وذكّر قداسته هنا بحديث سفر الحكمة عن الكافر باعتباره مَن يظلم الفقير ولا يشفق على الأرملة ولا يحترم الشيخ (حك 2، 10). ويرى الكافر، حسب ما واصل قداسة البابا، أن قوته هي قاعدة العدالة، وأن بإمكانه باستخدام القوة لإخضاع الضعفاء وفرض أفكاره وإيديولوجياته وإذلال مَن يُظهرون بتصرفاتهم اليومية النزيهة والبسيطة، الفاعلة والتضامنية، عالَما آخر، مجتمعا آخر ممكنا. يسعى الشر بالتالي في الكافر إلى القضاء على الخير، قال الحبر الأعظم.
انتقل البابا فرنسيس بعد ذلك إلى تاريخ ليتوانيا مذكرا بتدمير غيتو فيلنيوس، والذي كان ذروة القضاء على الآلاف من اليهود وهو ما بدأ قبل ذلك بعامين، وطلب قداسته من الله نعمة التمييز كي نتعرف في الوقت المناسب على أية بذور لهذا التصرف المدمر، وأية توجهات تصيب بالضمور قلب الأجيال التي لم تعِش مثل هذه التصرفات. وتابع البابا فرنسيس متحدِّثا عن حث يسوع لنا في الإنجيل على اليقظة أمام تجربة يمكن أن تقبع في كلِّ قلب بشري، الرغبة في أن نكون الأوائل، أفضل من الآخرين. وواصل البابا أن الحل الذي يقدّمه يسوع حين تظهر هذه النزعة في قلبنا، أو في فكر مجتمع أو بلد، هو أن نكون الآخِرين وخدَّامًا للجميع، أن نكون حيثما لا يريد أحد أن يذهب، في أقصى الضواحي، أن نخدم خالقين فسحات لقاء مع الآخِرين، مع المقصيين.
وأكَّد الحبر الأعظم أننا إذا جعلنا إنجيل المسيح يبلغ أعماق حياتنا فسيمكن لعولمة التضامن أن تكون واقعا. وذكّر قداسته هنا بما كتب في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" حول إصرار المسيحيِّين، في عالم يشهد الكثير من الحروب والصراعات، على اقتراح الاعتراف بالآخر ومداواة الجراح، بناء الجسور وإقامة العلاقات والمساعدة المتبادلة، لنحمل بعضنا أثقال بعض حسب ما يقول القدِّيس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية. (الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" 67).
وفي ختام كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي، في منتزه سانتاكوس في مدينة كاوناس، أشار البابا فرنسيس إلى ما تُعرف بهضبة الصلبان في ليتوانيا التي غرس فيها آلاف الأشخاص الصليب عبر القرون، ودعا المؤمنين إلى أن يطلبوا من مريم العذراء خلال تلاوة صلاة التبشير الملائكي أن تساعدنا على غرس صليب خدمتنا وعملنا حيثما هناك حاجة إلينا وحيث يعيش الآخِرون، حيث هناك حاجة للاهتمام بالمقصيين والأقليات. وأن تُبعد عن بيئاتنا وثقافاتنا إمكانية القضاء على الآخر وتهميشه وإقصاء مَن يزعج راحتنا، وأن تجعل، حين نتذكر كلمة نعم التي قالتها، نعم التي نقولها نحن سخية ومثمرة مثل نَعمها.
إذاعة الفاتيكان.