ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر الأربعاء في بازيليك القديس بطرس القداس الإلهي بمناسبة الاحتفال بعيد العذراء مريم سيّدة غوادالوبي شفيعة أمريكا اللاتينية وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها: " تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي وتَبتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة" هكذا يبدأ نشيد مريم ومن خلاله تصبح المربّية الأولى على الإنجيل وتذكرنا بالوعود التي قُطعت لآبائنا وتدعونا لنتغنّى بمراحم الرب.
تعلِّمنا مريم أن، في فن الرسالة والرجاء، لا حاجة للكلمات ولا للبرامج، وأسلوبها هو في غاية البساطة: سارت وأنشدت. هكذا يقدّمها لنا الإنجيل بعد بشارة الملاك. وبسرعة وبدون خوف سارت نحو بيت أليصابات لترافقها في المرحلة الأخيرة من حملها؛ سارت مسرعة نحو يسوع عندما نفذ الخمر في العرس؛ وسارت نحو الجلجلة لتكون عند أقدام الصليب؛ وعند عتبة الظلام والألم تلك لم تختبئ ولم تهرب بل سارت لتكون هناك.
سارت حتى تيبياك لترافق خوان دييغو ولا تزال تسير عبر القارة عندما، وبواسطة تمثال أو صورة، شمعة أو قلادة، مسبحة أو صلاة "السلام عليك يا مريم" تدخل إلى بيت أو إلى غرفة سجن أو إلى صالة مستشفى أو إلى مركز مسنّين أو إلى مدرسة أو إلى عيادة إعادة تأهيل... لكي تقول: "ألست أنا هنا، ألست أنا أمُّك؟". هي تعرف معنى القرب أكثر من أي شخص آخر. إنها امرأة تسير بحنان الأم وتسمح بأن نستقبلها في الحياة العائليّة وتحلُّ جميع عقد المشاكل التي نسببها وتعلّمنا أن نقف ثابتين وسط العواصف.
في مدرسة مريم نتعلّم السير في الحي والمدينة، لا بواسطة الأحذية المريحة للحلول السحرية والأجوبة الفوريّة ذات النتائج الفعالة؛ ولا بقوّة وعود رائعة لتقدّم زائف يستغلّ هويتنا العائلية ويفرغ شعوبنا من ذلك النسيج الحيوي الذي يعضدهم، مُدّعيًا هكذا إقامة فكر واحد وموحّد. في مدرسة مريم نتعلّم السير عبر المدينة ونغذي قلوبنا بالغنى المتعدد الثقافات الذي يقيم في القارة؛ وذلك عندما نكون قادرين على الإصغاء بذلك القلب الخفي الذي يخفق في شعوبنا ويحرس معنى الله وسموِّه، قداسة الحياة واحترام الخليقة، روابط التضامن وفرح فنِّ العيش الصالح والقدرة على السعادة والاحتفال بدون شروط.
مريم تسير حاملة فرح من يترنّم بالعظائم التي حققها الله في صغر أمته. ولدى عبورها كأمٍّ صالحة، تولِّد فينا النشيد إذ تعطي صوتًا للعديد من الذين، بشكل أو بآخر، يشعرون بأنّهم غير قادرين على الإنشاد. تعطي الكلمة ليوحنا – الذي يرتكض في أحشاء أمّه – وتعطي الكلمة لأليصابات – التي باركت الله – ولسمعان الشيخ – وجعلته يتنبّأ – وعلّمت الكلمة أن ينطق كلماته الأولى.
في مدرسة مريم نتعلّم أنَّ حياتها مطبوعة بالقدرة على جعل الآخرين روادًا لحياتهم. تقدّم الشجاعة وتعلّم النطق ولاسيما تشجّع على عيش شجاعة الإيمان والرجاء. بهذا الشكل تصبح شفافيّة وجه الرب الذي يظهر قوّته إذ يدعونا للمشاركة في بناء هيكله الحي. هكذا فعل مع خوان دييغو ومع كثيرين غيره اذ أعطاهم صوتًا وأخرجهم من الخفاء وجعلهم معروفين وروادًا له، روادًا لتاريخ الخلاص. إنَّ الرب لا يبحث عن التصفيق والإعجاب لأنّ مجده يقوم في جعل أبنائه روادًا للخليقة. وبقلب أم هي تسعى لترفع وتعطي كرامة لجميع الذين ولأسباب وأوضاع عديدة تم تركهم في الهجر والنسيان.
في مدرسة مريم نتعلّم أنّه لكي يكون المرء رائدًا هو ليس بحاجة ليذل الآخرين أو يسيء معاملتهم أو يشوّه سمعتهم أو يهزأ بهم لكي يشعر بأهميّته؛ كما لا يلجأ إلى العنف الجسدي أو النفسي لكي يشعر بالأمان والحماية. أن يكون المرء رائدًا يعني ألا يخاف من الحنان وأن يعرف أن وجهه الأفضل هو الخدمة. بواسطة مريم يحرس الرب المؤمنين لكي لا تصبح قلوبهم قاسية ويعرفوا على الدوام قوّة التضامن المتجدِّدة والمجدِّدة والقادرة على الإصغاء لنبض الله في قلوب رجال ونساء شعوبنا.
مريم المربية الأولى على الإنجيل سارت وأنشدت لقارتنا ولذلك فعذراء غوادالوبيه هي بكل بساطة من أمريكا اللاتينية: أم أرض خصبة وسخيّة يمكننا جميعًا، بشكل أو بآخر، أن نلتقي فيها ونلعب دورًا رائدًا في بناء هيكل عائلة الله المقدّس. أيها الابن والأخ في أمريكا اللاتينية أنشد وسر، بلا خوف، على مثال أمِّك!
إذاعة الفاتيكان.