ترأس قداسة البابا فرنسيس عند التاسعة والنصف من صباح يوم الجمعة التاسع والعشرين من حزيران يونيو القدَّاس الإلهيّ في ساحة القدِّيس بطرس احتفالاً بعيد القدِّيسين بطرس وبولس وبارك خلاله درع التثبيت لرؤساء الأساقفة الجدد. وفي عظة ألقاها للمناسبة، قال الأب الأقدس إن القراءات التي سمعناها تتيح لنا أن ندخل في علاقة مع التقليد الرَّسوليّ، وأضاف أنَّ التقليد هو النهر الحيّ الذي يربطنا بالأصول. تقليد أبديّ وجديد على الدّوام ينعش فرح الإنجيل ويتيح لنا هكذا أن نعترف بشفاهنا وقلبنا أنّ "يسوع المسيح هو الربّ، تمجيدًا لله الآب" (فيليبي 2، 11).
الإنجيل كلّه يريد الإجابة على السؤال الذي كان يسكن قلب شعب إسرائيل والذي اليوم أيضًا لا يزال يسكن وجوهًا كثيرة متعطشة للحياة "أأنتَ الآتي، أم آخرَ ننتظر؟" (متى 11، 3). سؤال عاوده يسوع وطرحه على تلاميذه "ومَن أنا في قولِكم أنتم؟" (متى 16، 15). وتابع عظته متوقفًا عند جواب بطرس الذي خصّ يسوع باللّقب الأعظم الذي يستطيع أن يناديه به: "أنتَ المسيح" (متى 16، 16).
الآب هو من أوحى هذا الجواب لبطرس الذي كان يرى كيف كان يسوع "يمسح" شعبه. يسوع الممسوح، الذي يسير من قرية إلى أخرى، مع رغبة وحيدة وهي أن يخلّص ويساعد من كان يُعتبر ضائعًا: "يمسح" الميت (مرقس 5، 41 – 42؛ لوقا 7، 14 -15)، يمسح المريض (مرقس 6، 13 ؛ يعقوب 5، 14)، يمسح الجراح (لوقا 10، 34)، يمسح التائب (متى 6، 17). يمسح الرّجاء (لوقا 7، 38. 46؛ يوحنا 11، 2؛ 12، 3).
وفي هذه المسحة، تمكّن كلّ خاطئ، ومهزوم، ومريض ووثنيّ من أن يشعر أنّه عضو محبوب في عائلة الله. فكان يسوع، من خلال أعماله، يقول له بشكلٍ شخصيّ: أنتَ لي. كبطرس، بإمكاننا نحن أيضًا أن نعلن بشفاهنا وقلبنا، ليس فقط ما سمعناه، وإنّما أيضًا الخبرة الملموسة لحياتنا: لقد قمنا من الموت، وتمّ الاعتناء بنا، وتجدّدنا وامتلأنا بالرَّجاء من مسحة القدُّوس. وإنّ كلّ نير عبوديَّة تحطّم بفضل مسحته (أشعيا 10، 27). لا يمكننا أن نفقد الفرح وذكرى معرفتنا بأنّنا قد افتُدينا، ذاك الفرح الذي يقودنا لنعترف "أنتَ ابنُ الله الحيّ" (متى 16، 16).
"وبدأ يسوعُ من ذلكَ الحينِ يُظهرُ لتلاميذهِ أنَّهُ يجبُ عليهِ أن يذهبَ إلى أورشليمَ ويعاني آلامًا شديدة من الشيوخِ وعظماءِ الكهنةِ والكتبة ويُقتلَ ويقومَ في اليوم الثالث" (متى 16، 21).
الممسوح من الله يحمل محبَّة الآب ورحمته. وهذه المحبَّة الرَّحيمة تتطلّب الذهاب إلى جميع زوايا الحياة، كي نصل إلى الجميع. أمام هذا الإعلان غير المُنتظر، قال بطرس "حاشَ لكَ يا ربّ! لن يصيبَكَ هذا!" (متى 16، 22)، وتحوّل فورًا إلى حجر عثرة على طريق المسيح؛ وإذ ظنَّ أنّه يدافع عن حقوق الله تحوّل بدون أن ينتبه إلى عدو له (دعاه يسوع "شيطان").
التأمّل في حياة بطرس واعترافه يعني أيضًا أن نتعلّم معرفة التجارب التي سترافق حياة التلميذ. ومثل بطرس، فإنّنا، وككنيسة، سنتعرّض دائما إلى "همسات" الشّرير هذه التي ستكون حجر عثرة للرِّسالة.
المشاركة في مسحة المسيح هي المشاركة في مجده الذي هو صليبه: يا أبتِ مجّد ابنك... "يا أَبتِ مجِّدِ اسمَكَ" (يوحنا 12، 38). المجد والصَّليب في يسوع المسيح يسيران معًا ولا يمكن أن ينفصلا؛ لأنّه عندما يتمُّ التخلّي عن الصَّليب، وحتى إن دخلنا في بهاء المجد الباهر، سنخدع أنفسنا، لأن هذا لن يكون مجد الله، وإنّما خداع العدوّ.
يسوع يلمس البؤس البشريّ داعيًا إيانا لنكون معه ونلمس الجسد المتألم للآخرين، إن إعلان الإيمان بشفاهنا وقلبنا يتطلّب التعرف - كما طلب من بطرس - على "همسات" الشرير. نتعلم أن نميّز ونكشف تلك "الحجج" الشخصيَّة والجماعيَّة التي تُبعدنا عن البؤس البشريّ؛ والتي تمنعنا من معرفة قوَّة حنان الله.
إنَّ السؤال "أأنتَ الآتي، أم آخرَ ننتظر؟" (متى 11، 3) لا يزال يسكن ملايين الوجوه. لنعلن بشفاهنا وقلبنا أنّ يسوع المسيح هو الرَّبّ (فيليبي 2، 11). هذا هو نشيدنا الثابت الذي نحن مدعوُّون لأن نرنِّمه كلَّ يوم. ببساطة ويقين وفرح معرفة أنّ الكنيسة لا تشعُّ من نورها الخاص، وإنّما من نور المسيح. تستمدُّ بهاءها من شمس البِرّ، وتستطيع هكذا أن تقول: "فما أنا أحيا بعدَ ذلكَ، بل المسيحُ يحيا فيَّ" (غلاطية 2، 20).
إذاعة الفاتيكان