استقبل قداسة البابا فرنسيس قبل ظهر يوم الإثنين في القصر الرسولي المشاركين في الجمعيّة العامّة الـ 24 للأكاديميّة الحبريّة للحياة، والتي بدأت أعمالها يوم الإثنين وتستمرّ حتى 27 من الشهر الجاري وتتمحور حول الأخلاقيَّات البيولوجيَّة. وتطرَّق قداسته في بداية كلمته إلى الجانب الأخلاقيّ والروحيّ للحياة في مراحلها كافة منذ الحبل، بها والذي يجب أن يكون محور تصرفنا إزاء الإيكولوجيّا البشريّة.
وتوقف البابا فرنسيس في هذا السِّياق عن مراحل الحياة وأشكالها المختلفة فتحدّث مثلاً عن الحياة في العائلة أو الجماعة، حياة الرَّجاء، ومن جهَّة أخرى الحياة الضعيفة والمريضة، الجريحة والمهمَّشة والمنتهَكة، مؤكدًا أنّها في كلِّ الأحوال حياة بشريَّة، حياة الأشخاص الذين يسكنون الأرض التي خلقها الله ويتقاسمون البيت المشترك مع كافة المخلوقات الحيَّة.
ثمَّ أشار قداسته إلى دراسة الحياة في مختبرات الأحياء من خلال أدوات تسمح بالتعرّف على الجوانب الفيزيائيّة والكيميائيّة والميكانيكيّة، وأضاف أن هذه دراسات هامَّة ولكن يجب أن تكون في إطار أفق أكثر اتساعًا وعمقًا يدعو إلى الاهتمام بالحياة البشريَّة، حياة الكلمة والفكر، المشاعر والرُّوح. وواصل قداسته الحديث عن الحياة وعملها الجميل المتمثل في ولادة شخص جديد، وتنشئة صفاته الروحيَّة والإبداعيَّة، تكوينه على المحبَّة في العائلة والجماعة، العناية بضعفه وجراحه، وأيضا التنشئة على الحياة كأبناء الله في يسوع المسيح.
وأمام الحياة وعملها هناك عمل الموت، وهو العمل الذي نقوم به حين نسلِّم الأطفال للحرمان والفقراء للجوع، المضطهدين للحروب والمسنين للوحدة، عمل الموت هذا يأتي من الخطيئة، وأن الشِّرير يحاول إقناعنا بأن الموت هو نهاية كلّ شيء وبأنّنا أتينا إلى العالم بالصدفة وأن مصيرنا العدم، كما أشار إلى تحوُّل الحياة إلى خير استهلاكي حين نستبعد الآخر من أفقنا.
ثمّ انتقل الحبر الأعظم إلى الموضوع محور الجمعيَّة العامَّة للأكاديميَّة الحبريّة للحياة، أي الأخلاقيّات البيولوجيّة، مشيرًا إلى استعداد المشاركين في الجمعيّة لإطلاق رؤية عالمية للأخلاقيَّات البيولوجية، وأضاف أن هذه الرؤية تسعى إلى إيقاف المشاركة في عمل الموت الذي تحدّث عنه. وتابع متحدِّثا بالتالي عن أخلاقيات لا تنطلق من المرض والموت لتحديد معنى الحياة وقيمة الشخص، بل تنطلق بالأحرى من القناعة بالكرامة التي لا تنقض الشخص البشريّ الذي يحبُّه الله، وذلك بحثـًا عن أشكال المحبَّة والعناية التي يجب أن تقدَّم للإنسان في أيَّة ظروف.
ستكون هذه الأخلاقيّات البيولوجيَّة العالميَّة شكلاً لتطوير رؤية الإيكولوجيا المتكاملة التي تحدّث عنها قداسته في الرِّسالة العامَّة "كن مسبَّحًا". وذكّر هنا بتشديده في هذه الوثيقة عن "العلاقة الوثيقة بين الفقراء وهشاشة الأرض؛ الاقتناع بأن كلّ شيء في العالم هو مترابط ارتباطًا عميقًا؛ نقد النموذج الجديد وأشكال السّلطة الناجمة عن التكنولوجيّة؛ الدعوة للبحث عن طرق أخرى لفهم الاقتصاد والتقدم؛ القيمة الخاصة لكلّ مخلوق؛ المعنى الإنسانيّ للإيكولوجيَّة؛ ضرورة القيام بمناظرات صادقة ونزيهة؛ المسؤوليَّة الخطيرة التي تتحملها السياسة الدوليَّة والمحليَّة؛ ثقافة الهدّر واقتراح أسلوب حياة جديد" ("كن مسبَّحًا" 16).
تحدَّث قداسته من جهّة أخرى عن أنّه في رؤية شاملة للشّخص يجب إدراج، بوضوح أكبر، الرّوابط والاختلافات في الظروف البشريّة بدءً من الجسد، وهذه أيضًا قضيّة تطرَّق إليها الحبر الأعظم في الرِّسالة العامَّة. وواصل البابا بالتالي مشدِّدًا على ضرورة تمييز الاختلافات وأيضًا الظروف الصعبة للحياة البشريَّة، وكافة المراحل الحساسة والخطرة التي تستدعي حكمة أخلاقيّة ومقاومة أخلاقيّة قويَّة.
ثمّ ذكّر قداسته بما كتب في الإرشاد الرسوليّ "افرحوا وابتهجوا": "إنّ الدفاع عن البريء الذي لم يولد، على سبيل المثال، يجب أن يكون واضحًا وحازمًا وشغوفًا، لأن ما على المحك هنا هو كرامة الحياة البشريَّة، المقدَّسة دائمًا، وهو أمر تستدعيه المحبَّة إزاء كلّ شخص بغضِّ النظر عن نموه. ولكن مقدَّسة هي بالتساوي حياة الفقراء الذين وُلدوا، والذين يتخبطون في البؤس والهجر، والاستبعاد، والاتجار بالبشر، والموت الرَّحيم المختفيّ للمرضى، والمسنين المفتقدين إلى العناية، والأشكال الجديدة للعبوديَّة، وكافّة أشكال الإقصاء" ("افرحوا وابتهجوا" 101).
هذا وتطرّق قداسة البابا إلى أهميَّة تمييز عميق لقيمة الحياة الشخصيَّة والجماعيَّة والتي يجب حمايتها وتعزيزها في الظروف الصعبة أيضًا، مشدِّدًا على الحاجة إلى قرب إنساني مسؤول لأنّ القواعد القانونيّة أو التقنية لا يمكنها وحدها ضمان إطار علائقي يتجاوب مع الكرامة البشريَّة. حذر قداسته من جهّة أخرى من عولمة تُترك لآلياتها التلقائيّة حيث يزيد هذا اللّامساوة، ويجب التالي تقديم ردّ أخلاقي لصالح العدالة.
ثمّ تحدّث قداسة البابا عن ثقافة الحياة والتي يجب أن تسلّط الضّوء بوضوح على ما يوجِّه حياة الإنسان نحو أفق يتجاوزه، وأشار في هذا السياق إلى أن الإنسان بصفته إبناً لله، وحسب ما جاء في الدستور الرعوي في الكنيسة في عالم اليوم "فرح ورجاء"، "هو مدعو إلى مشاركة الله سعادتَه نفسها وحياته الحميمة. علاوة على ذلك تُعلِّم الكنيسة أنَّ الرَّجاء في حياةٍ أبديةٍ لا ينقص من أهميَّة المهام الأرضيَّة، بل بالأحرى يساعد على تتميمها مركزاً إيَّاها على دوافع جديدة" ("فرح ورجاء" 21).
إذاعة الفاتيكان.