كل "نعم" لله تُولِّد قصص خلاص جديدة لنا وللآخرين

متفرقات

كل "نعم" لله تُولِّد قصص خلاص جديدة لنا وللآخرين

 

 

 

 

 

 

 

 

تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الخميس مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس صلاة التبشير الملائكيّ بمناسبة عيد سيِّدة الحبل بلا دنس. وقبل الصّلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها: تُقدّم لنا قراءات عيد الحبل بلا دنس بالطوباويّة مريم العذراء مرحلتين مهمّتين من تاريخ العلاقات بين الإنسان والله: يمكننا القول إنّها تقودنا إلى بدايات الخير والشرّ.

 

 يظهر لنا سفر التكوين الـ "لا" الأولى، الـ "لا" في البدء، عندما فضّل الإنسان أن ينظر إلى نفسه بدلاً من أن ينظر إلى خالقه وأراد أن يتصرّف كما يحلو له واختار أن يكتفي بنفسه. ولكن عندما تصرّف على هذا النحو خرج من الشركة مع الله وأضاع نفسه وبدأ يخاف ويختبئ ويتّهم مَن هم بقربه.

 

هذا ما تقوم به الخطيئة، لكن الرّبّ لا يترك الإنسان فريسة شرِّه؛ ويبحث عنه فورًا ويوجّه إليه سؤال اهتمام: "أين أنت؟" إنّه سؤال أب أو أمّ يبحثان عن ابنهما الضّائع: "أين أنتَ؟ في أيّة حالة أنتَ؟"، وهذا يقوم به الله بصبر كبير إلى أن يملأ المسافة التي خُلقت منذ البدء.

 

إنّها المرحلة الأساسيّة الثانية التي يخبرنا عنها إنجيل اليوم عندما أتى الله ليسكن بيننا وصار إنسانًا مثلنا. وقد أصبح هذا الأمر ممكنًا بواسطة الـ "نعم" الكبيرة التي قالتها مريم في البشارة. بفضل هذه الـ "نعم" بدأ يسوع مسيرته على دروب البشريّة، لقد بدأها في مريم خلال الأشهر الأولى لحياته في حشا الأمّ: فهو لم يظهر بالغًا وقويًّا بل تبع المسيرة الكاملة لكائن بشريّ.

 

صار شبيهًا بنا بكلّ شيء باستثناء شيء واحد وهو الخطيئة. ولذلك اختار مريم الخليقة الوحيدة البريئة من دنس الخطيئة، وفي الإنجيل يُعبّر عنها بكلمة واحدة: "المُمتَلِئَةُ نِعْمَةً"، ونحن أيضًا عندما نتوجّه إليها نعترف بهذا الجمال وندعوها "ممتلئة نعمة".

 

أجابت مريم على اقتراح الله قائلة: "أَنا أَمَةُ الرَّبّ"، فهي لا تقول: "لهذه المرّة سأُحقق مشيئة الربّ وسأُبدي استعدادي ولكن سنرى ما سيحدث لاحقـًا..." لا! هي تجيب بـ"نعم" كاملة، نعم للحياة وبدون شروط.

 

وكما أغلق الـ "لا" في البدء عبور الإنسان إلى الله، هكذا فتحت "نعم" مريم الدرب لله بيننا. إنّها الـ"نعم" الأهمّ في التاريخ، الـ"نعم" المتواضعة التي تقلب رأسًا على عقب "لا" البدء المُتكبِّرة، إنّها الـ"نعم" الأمينة التي تشفي العصيان، والـ"نعم" المستعدّة التي تقلب أنانيّة الخطيئة.

 

 لكلّ واحد منّا أيضًا تاريخه المصنوع من الـ"نعم" والـ"لا" لله. ولكنّنا نكون أحيانًا خبراء في أَنصاف الـ"نعم": نحن بارعون في التظاهر بعدم فهمنا لما يريده الله ولما يطلبه منّا الضمير. كما وأنّنا محنّكون أيضًا ولكي لا نقول "لا" حقيقيّة لله نقول له: "لا أقدر" أو "ليس اليوم ما رأيك غدًا؟" أو "غدًا سأكون أفضل، غدًا سأصلّي وسأصنع الخير". هذه الحنكة تبعدنا عن الـ"نعم" وعن الله وتحملنا إلى الـ"لا" وإلى الخطيئة، إنّه الـ"نعم يا ربّ ولكن..." لكنّنا بهذه الطريقة نغلق الباب في وجه الخير ويستفيد الشرّ من هذه الـ"نعم" الناقصة التي نقولها. فيما كلّ "نعم" كاملة لله تعطي حياة لقصّة جديدة: أن نقول نعم لله هو أمر "مميّز" بالفعل! كلّ "نعم" لله تُولِّد قصص خلاص جديدة لنا وللآخرين.

 

 في مسيرة المجيء هذه يريد الله أن يزورنا وهو ينتظر الـ"نعم" التي سنقولها. لنفكِّر: "ما هي الـ"نعم" التي ينبغي عليَّ أن أقولها لله؟"، لنفكِّر وسنجد صوت الربّ في داخلنا يطلب منّا أن نقوم بخطوة إضافيّة، نقول له من خلالها: "أنا أؤمن بك وأرجو بك وأحبّك، لتتحقـّق فيَّ مشيئتك الصّالحة". على مثال مريم، ليقُل كلّ واحدٍ منّا هذه الـ"نعم" الشخصيّة لله بسخاء وثقة.

 

أمس ضرب زلزال قويّ جزيرة سوماترا في أندونيسيا. أرغب أن أؤكِّد صلاتي من أجل الضحايا وعائلاتهم والجرحى وجميع من فقدوا بيوتهم. ليمنح الربّ القوّة للسكّان وليعضد عمليّات الإغاثة.

 

سأذهب إلى ساحة إسبانيا في روما لأُجدِّد فعل التكريم والصّلاة عند أقدام تمثال العذراء سلطانة الحبل بلا دنس. أسألكم أن تتحدوا معي في هذا الفعل الذي يعبِّر عن إكرامنا البنويّ لأمّنا السماويّة. أتمنى لكم جميعًا عيدًا سعيدًا ومسيرة مباركة في زمن المجيء برفقة وإرشاد العذراء مريم، وأسألكم ألا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. 

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.