"لقد كان يوحنّا المعمدان أمينًا لدعوته وللحقيقة في البشارة، رغم تعرّض حياته للخطر" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان وتوقّف في تأمّله الصباحي عند شخصيّة المعمدان وبشارته والشكوك التي كانت تراوده.
لقد شكّل يوحنّا المعمدان محور عظة الأب الأقدس لأنّ القراءات التي تقدّمها لنا الليتورجيّة في زمن المجيء خلال هذه الأيّام تجعلنا نتأمّل حول خدمته: رجل كان يعيش في البريّة يبشّر ويُعمِّد؛ كان الجميع يذهبون إليه حتى الفريسيّون وعلماء الشريعة ولكنّهم "لم يَعتَمِدوا عن يَدِه".
في إنجيل لوقا (7/ 24-30) يسأل يسوع الجموع قائلاً: "ماذا خَرَجتُم إِلى البَرِّيَّةِ تَنظُرون؟ أَقَصَبَةً تَهُزُّها الرِّيح؟ بل ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَرَجُلاً يَلبَسُ الثِّيابَ النَّاعِمَة؟ ها إِنَّ الذينَ يَلبَسونَ الثِّيابَ الفاخِرَة ويَعيشونَ عيشَةَ التَّرَفِ يُقيمونَ في قُصورِ المُلوك. بل ماذا خَرجتُم تَرَون؟ أَنَبِيّاً؟ أَقولُ لَكم: نَعَم، بَل أَفضَلُ مِن نَبِيّ... لَيسَ في أَولادِ النَّساءِ أَكبَرُ مِن يوحنَّا، وَلكِنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ اللهِ أَكبَرُ مِنه". لقد كان رجلاً أمينًا لما طلبه الربّ منه، وبالتالي كان عظيمًا لأنّه كان أمينًا.
لقد كان يعظ بقوّة وكان يوبِّخ الفرّيسيّين وعلماء الشّريعة على الأمور السيِّـئة التي كانوا يقومون بها قائلاً: "يا أَولادَ الأَفاعي..."، وبالتالي كان يخاطر بحياته نعم لأنّه كان أمينًا. من ثمّ واجه هيرودس وجهًا لوجه ووبّخه بِأَمرِه مع هيروديَّا امرَأَةِ أَخيه وبِسائِرِ مَا عَمِلَ مِنَ السَّيِّئات ولماذا؟ لأنَّه كان أمينًا لدعوته وللحقيقة.
ولكنّه كان في الوقت عينه متفهِّمًا مع العشارين والجباة وقال لهم "لا تَجْبوا أَكثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكم" وسَأَله أَيضاً بَعضُ الجُنود: "ونَحنُ ماذا نَعمَل؟" فقالَ لَهم: "لا تَتَحاملوا على أَحَدٍ ولا تَظلُموا أَحَداً، واقْنَعوا بِرَواتِبِكم" وكان يعظهم ويعمّدهم جميعًا كخطوة أولى، عالمًا أنّ الرّبّ هو الذي سيكّمل المسيرة معهم.
لقد كان راعيًا يفهم وضع الشّعب ويساعده كي يسير قدمًا مع الرّبّ، كما كان يوحنّا أيضًا النبيّ الوحيد الذي نال نعمة أن يشير إلى يسوع قائلاً "هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم".
لكن وبالرغم من عظمته وثقته بدعوته عاش يوحنّا المعمدان أيضًا لحظات شكّ. في الواقع وعندما كان في السّجن بدأ يشُكُّ بيسوع، بالرّغم من أنّه كان قد عمّده، لأنّه لم يكن يتطابق مع توقعاته للمخلّص وبالتالي أرسل اثنين من تلاميذه إِلى الرَّبِّ يَسأَلُه: "أَأَنتَ الآتي أَم آخَرَ نَنتَظِر؟" فقال لهما يسوع: "اِذهَبا فأَخبِرا يوحَنَّا بِما سَمِعتُما ورَأَيتُما: العُمْيانُ يُبصِرونَ، العُرْجُ يَمشُونَ مَشيْاً سَوِيّاً، البُرصُ يَبَرأُونَ والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومونَ، الفُقَراءُ يُبَشَّرون".
يحقّ للعظماء أيضًا أن يشكّوا، وهذا أمر جميل، فبالرّغم من تأكّدهم من دعوتهم ولكن لا يزال الشكّ يساورهم في كلّ مرّة يُريهم الرّبّ فيها دربًا جديدة. وهذه هي عظمة يوحنّا المعمدان خاتمة جوق المؤمنين الذي بدأ مع إبراهيم، الذي كان يبشّر بالإرتداد ولم يكن يستعمل أنصاف الكلمات ليدين المتكبّرين والذي في نهاية حياته عاش مرحلة من الشكّ. إنّه برنامج حياة مسيحيّة جميل!
لنطلب من القدّيس يوحنّا المعمدان نعمة الشجاعة الرسوليّة لنقول الحقيقة على الدوام ونعمة المحبّة الراعويّة ونعمة قبول الأشخاص بالقليل الذي يمكنهم أن يقدّموه لنا، هذه هي الخطوة الأولى والله سيتكفّل بالباقي. ولنطلب أيضًا نعمة الشكّ. ليساعدنا القدّيس يوحنّا المعمدان العظيم، الأصغر في ملكوت الله، لنسير على هذه الدرب متّبعين خطى الربّ!
إذاعة الفاتيكان.