"أحبّ خاصّته الّذين في العالم أحبّهم حتّى النّهاية" (يو 13: 1)
1. اليوم يوم الحب الكبير الّذي أحبّ فيه يسوع ابن الله كلَّ إنسان يولد في العالم ولا يتركه. ومن أجل أن يستمرّ حبّه هذا من جيل إلى جيل، أسّس سرّ القربان لكي، من خلال الخبز والخمر المقدّسين تستمرّ ذبيحةُ موته على الصّليب فداءً عن خطايا جميع البشر، ووليمةُ جسده ودمه لحياة العالم.
وأسّس سرّ الكهنوت لخدمة سرّ القربان وسائر الأسرار المولودة منه. وأعرب الرّب عن حبّه بنزوله عن عرشه الإلهي واتّخاذ موقع الخادم فغسل أرجل تلاميذه، تاركًا لنا بشخصه قدوة في المحبّة والتّواضع. وهكذا شهد يوحنا في إنجيله: "أحبّ خاصّته الّذين في العالم، أحبّهم حتّى النّهاية".
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذا العيد، عيد محبّة المسيح العظيمة لنا ولكل إنسان، من كل دين ولون وعرق، ومن كل جيل ومكان على وجه الأرض على مدى تاريخ البشر. ونحييه هذه السّنة مع مدرسة مار يوحنّا – العقيبة التّابعة لنيابتنا البطريركيّة في منطقة جونيه العزيزة.
نحيّي مديرها الأستاذ غاريوس خليل ونقدّر جهوده في انهاضها وتقدّمها، ومدير القسم التّكميلي والثّانوي الأب روبير دكّاش، والمساعد في هذين القسمين الأب وليد أبي زيد، والمعلّمين والمعلّمات ورابطتي المعلّمين والأهل وجمعيّة كشّافة الإغاثة - فوج مدرسة مار يوحنا، ونوجّه تحيّة خاصّة إلى طلاّب صفوف التكميلي والثّانوي، وقد انتدبوا إثني عشر تلميذّا ليمثّلوا تلاميذ المسيح الإثني عشر في رتبة الغسل هذه.
إنّنا نصلّي من أجل هذه المدرسة وأسرتها التّربويّة: الإدارة وهيئة المعلّمين والتّلامذة وأهلهم. نصلّي من أجل ازدهارها ونموّها ونجاح طلاّبها.
3. أما أنتم أيّها الطلاّب الإثنا عشر اللّذين تمثّلون تلاميذ المسيح، فإنها لكم نعمة وامتياز. فالمسيح نفسه من خلال خدمتنا الكهنوتيّة، يغسل أرجلكم. انتقلوا بعقولكم وأفكاركم وقلوبكم إلى العليّة حيث أقام عشاءه الفصحي الأخير الّذي فيه أنشأ سرّي القربان والكهنوت وغسل أرجل التّلاميذ. مع المسيح لا نعيش فقط تذكارًا من الماضي، بل واقعًا فعليًا يجريه شخصيًا، لأنّه "هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8). فلا بدّ من التأمّل في معنى ما فعل يسوع، وفي عظمته.
4. غسل أرجل التّلاميذ، قبل تأسيس سرَّ القربان، لكي من خلال الغسل الخارجي يرمز إلى غُسلهم الدّاخلي، غسل نفوسهم من أدناس الخطيئة، وتنقية عقولهم من الكذب، وإرادتهم من الميل إلى الشّر، وقلوبهم من الحقد والبغض. وهكذا هيأهم لتناول جسده ودمه الأقدسين. وقد أنشأ لنا من أجل هذه التّنقية سرّي المعموديّة والتوبة.
5. وغسل أرجلهم قبل تأسيس سرّ الكهنوت، لكي يؤهّلهم، ليكونوا كهنة العهد الجديد، وللمشاركة في كهنوته، ولتكريس أيديهم بالميرون وحلول الرّوح القدس فيصيروا يديه المقدّستين في العالم: أيادي تبارك، وترفع ذبيحته، وتوزّع جسده ودمه، وتضرع وتصلّي، وتعطي بتفانٍ، وتعضد وتساعد بسخاء.
6. أنهى الرّب يسوع تأسيس سرّ القربان بقوله: "اصنعوا هذا لذكري"؛ وأنهى غسل أرجل التّلاميذ بالقول: "لقد تركت لكم قدوة، لكي تصنعوا أنتم مثلما صنعت أنا" (يو 13: 15).
كلمتا يسوع تدعوانا لكي، على مثاله نعيش نهج التّضحية وعطاء الذّات بدافع من الحب، كما فعل هو بتقديم ذاته ذبيحة عنّا، ونهج الخدمة بتواضع كما فعل عندما غسل أرجل التّلاميذ.
في كل ذلك ترك لنا مثالاً لنصنع الخير مع كل إنسان وبخاصّة مع المتألّمين والفقراء والمنسيّين، ولننزل دائمًا من عليائنا ونتعلّم شجاعة العطاء المتفاني بروح الجهوزيّة الدّائمة للخدمة، ولنغفر بعضنا لبعض، ولنحتمل نقائص بعضنا بعضًا.
7. في هذه الليلة المقدّسة الّتي نحيي فيها عيد تأسيس سرّ القربان، الّذي من بعده قضى الرّب صلاته في بستان الزّيتون وذاق مرارة الصلب والنّزاع، قبل أن يعتقله الجنود الّذين اسلمه إليهم تلميذه الخائن يهوذا الإسخريوطي.
ولذا، يُعرض القربان هنا وفي جميع الكنائس طوال الليل، لعبادة المؤمنين، وللصلاة مع الرّب يسوع الّذي طلب إلى تلاميذه وإلينا "أن نسهر ونصلّي لكي لا نقع في التّجربة" (لو 22: 40).
أمّا عادة زيارة سبع كنائس في هذه الليلة المقدّسة، فلتذكار أسرار الخلاص السّبعة الّتي نحيي ذكراها في هذا خميس الأسرار الّذي يجمعنا، وفيه يبارك البطريرك زيت العماد والميرون وزيت مسحة المرضى.
إنّنا نرفع هذه الإفخارستيا، صلاة شكر للرّب يسوع الّذي حمل إلينا محبّته ومحبّة الآب والرّوح القدس، للثالوث القدّوس كل مجد وتسبيح وإكرام الآن وإلى الأبد، آمين
موقع بكركي