قداس اليوبيل الفضي لسيادة المطران بولس مطر

متفرقات

قداس اليوبيل الفضي لسيادة المطران بولس مطر

 

قداس اليوبيل الفضي لسيادة المطران بولس مطر

 

 

"إنّ رسالتنا هي أنتم" (2 كور 3: 2)

 

1. عندما رُقّي سيادة أخينا المطران بولس مطر إلى الدرجة الأسقفية بوضع يد أبينا صاحب الغبطة والنيافة مار نصرالله بطرس وحلول الروح القدس عليه في 3 آب 1991، اختار شعاره للخدمة الأسقفيّة كلمة شفيعه القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنتس: "إنّ رسالتنا هي أنتم" (2كور3: 2). فأحبّ جميع الناس، وسهر على خيرهم وعلى إسعادهم وخلاص نفوسهم.

 

بدأ رسالته هذه أوّلًا كنائب بطريركي عام في سنوات أسقفيّته الخمس الأول، ثمّ أكملها على مدى عشرين سنة كمطرانٍ راع صالح لأبرشية بيروت جعل شعارها "الحقيقة في المحبة". وها هو اليوم، وكلّنا معه، يرفع ذبيحة الشكر لله، بمناسبة يوبيله الأسقفي  الفضي، على النعم التي أفاضها على الذين شملتهم خدمته المثلّثة: التعليمية والتقديسية والتدبيرية، على صعيد كلّ من الكرسي البطريركي وأبرشية بيروت والكنيسة المارونية والكرسي الرسولي.

 

2. يسعدني أن أعرب لك، أيّها الأخ الجليل المطران بولس، باسم الحاضرين جميعًا وباسمي، عن التهاني القلبية وأخلص التمنيات في يوبيلك الأسقفي، راجين أن يكون نشيدَ تسبيح وتمجيد لله بحياتك وأعمالك ونشاطات رسالتك، وأن يكون وقفةَ استغفار عمّا صدر عنك من نقص وأخطاء لا يخلو منها إنسان، واستلهامًا لأنوار الروح القدس في التزامك الراعوي والرسولي المتجدّد.

 

3. إنّ عهدك الكهنوتي مع المسيح والكنيسة هو مسيرة إحدى وخمسين سنة، منها خمس وعشرون في ملء الكهنوت وخلافة الرسل. فكنتَ تخدم، وما زلت، بغيرة بولس الرسول الذي اتّخذتَ اسمه في الكهنوت بدلًا من اسم فؤاد في المولد، يقينًا منك أنّ الروح القدس بدّلك في كيانك الداخلي، وصوّرك على مثال المسيح الكاهن المعلّم والفادي والمخلّص والراعي الصالح النابض حبًّا. فشئت أن يكون تبديل الاسم تبديلًا حياتيًّا دائمًا بفعل نعمة الكهنوت، وكان كذلك. لقد وُلدت في الكهنوت سنة 1965، وهي سنة اختتام المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الذي سمّاه القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني "ربيع الكنيسة". فأدركت في قرارة نفسك أنّك ابن هذه العنصرة الجديدة والتزمتَ بروحها وتيّارها التجدّدي. وسعيت لأن تصنع ربيعًا حيثما دُعيت للرسالة، ولاسيّما في إدارة مدرسة الحكمة - بيروت ورئاسة رابطة كاريتاس -لبنان.

 

4. وعندما أقامك الروح القدس أسقفًا، جاعلًا إيّاك من خلفاء الرسل، سلّمك المسيح "راعي الرعاة العظيم" (1بطرس 5: 4) رسالة التعليم لجميع الأمم، والكرازة بالإنجيل لكلّ خليقة، كي يبلغ جميع الناس إلى الخلاص ومعرفة الحقّ بحفظ الوصايا والتعليم الإلهي. فكرّستَ كلّ ذاتك لهذه الرسالة، واضعًا في خدمتها ما اكتنزتَ من علوم فلسفيّة ولاهوتيّة رفيعة، وخبرة في الخدمة الروحيّة والراعويّة والتعليميّة والتربويّة والإداريّة. وانطلقتَ من خلال أعمالك الراعوية المتنوّعة تحقّق شعارك الأسقفي: "إنّ رسالتَنا هي أنتم" (2كور3: 2)، وأنت مدرك تمامًا أن الإنسان كلّ إنسان هو طريق المسيح لخلاصه، وبالتالي "طريق الكنيسة" وطريق حياتها وخبرتها اليومية، طريق جهادها وعملها. وعليها بالتالي أن تتنبّه لِما يهدّد حياة الإنسان من أخطار، ولِما ينتهك كرامته، ويعرقل مسيرة حياته نحو حياة أفضل وأكثر إنسانية، على ما كتب القديس يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة الأولى: "فادي الإنسان" (عدد14).

 

5. "أنا باب الخراف" (يو10: 7). يؤكّد الربّ يسوع بهذا التشبيه أنّه هو وحده باب الخلاص والسعادة لكلّ إنسان، وهو الحارس له من شرّ الذئاب والأضاليل والأشرار. هذا التشبيه يسري على الأسقف في أبرشيّته، وهو حسب اللفظة اليونانية "السهران على المدينة" بمفهوم الأبرشية. الباب هو المدخل الآمن والضامن والحارس. ويلتقي التشبيه مع كلمة القديس اغناطيوس الأنطاكي: "حيث الأسقف هناك الكنيسة".

إدراكًا منك، ايّها الأخ الجليل، لهذه الحقيقة المتنوّعة الوجوه، تميّزت بسهرك على الأبرشية والحضور الفاعل والبنّاء فيها. وكم نأمل أن تعي الجماعة السياسية في لبنان أن رئيس الجمهورية هو بمثابة "الباب" لجميع مؤسسات الدولة بحيث من خلاله تدخل إلى شرعيّتها وفاعلية عملها وحيويتها. وبهذه الصفة هو حامي الدستور والشعب والساهر على خيره والخير العام. إنّ أيّ مدخل آخر، غير رئاسة الجمهورية، هو سطوٌ على الدولة ومالها العام ومؤسّساتها وشعبها. نرجو أن تدرك الكتل السياسية والنيابية خطورة تلكُئها عن واجبها الأساسي بانتخاب رئيس للبلاد. فالدولة من دون رئيس كقصر من دون باب فلا يسلم فيه اي شيء، إذ يصبح مستباحًا للسلب والهدر والاعتداء.

 

6. في الكرسي البطريركي، كنتَ أيها الأخ الجليل المطران بولس، كنائب بطريركي عامّ، في جهوزية تامّة لخدمة رسالة هذا الكرسي الراعوية والاجتماعية والوطنية، ولتلبية ما كان يُسنِد إليك سلفُنا الجليل البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس في الحياة اليومية وفي الشؤون الكنسية العامّة، إلى جانب النائب البطريركي العام الأوّل سيادة أخينا المطران رولان أبو جوده، والنوّاب البطريركيّين المقيمين في نيابات الأبرشية البطريركية الأربع. وفوق ذلك، أدَّيت رسالة أوسع على مستوى الكنيسة المارونية كمشرف على إكليريكية غزير البطريركية، وكزائر على الرهبانية المارونية المريمية بتعيين من القديس البابا يوحنا بولس الثاني، وممثّل للكنيسة المارونية في مجلس كنائس الشّرق الأوسط، وعضو فاعل في لجنة التحضير للمجمع البطريركي الماروني.

 

وعلى مستوى مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، أسند إليك رئيسُه الإشراف على رابطة كاريتاس - لبنان، وكلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس-الكسليك. كما انتخبك المجلس رئيسًا للّجنة الأسقفيّة للعلاقات المسكونية.

 

7. نحن اليوم، نرفع معك صلاة الشكر لله على ثمار خدمتك السخية والمتنوّعة، وعلى ما أتاك من مواهب ونعم مكّنتك من القيام بالرسالة والخدمة أحسن قيام، واهّلتك لتكون رئيسًا لأساقفة أبرشية بيروت التي انتخبك لها سينودس أساقفة كنيستنا المارونية المقدّس في دورة حزيران 1996 وهي "كنيسة الله التي أقامك عليها الروح القدس راعيًا، وقد اقتناها المسيح بدمه" (أعمال 20: 28). إنّها أبرشية تعرفها وتعرفك، تحبّها وتحبّك. وقد استطعت أن تقول لها بكلام المسيح الراعي الصالح: "أعرف خرافي وخرافي تعرفني" (يو10: 14).

 

8. تسلّم المطران بولس مطر خدمة المحبة الراعوية في أبرشية بيروت، جاعلًا من كلّ أبنائها الموارنة، وسائر الساكنين على أرضها، من مسيحيّين ومسلمين على تنوّع الكنائس والمذاهب، رسالته، رسالة "الحقيقة في المحبة"، فشملهم جميعًا بمحبّته، وتعاون مع مطارنتهم وسلطاتهم الروحيّة والمذهبيّة وقاداتهم السياسيّين. وتفانى في سبيل هذه الرسالة بكل ما أوتي من محبة في قلبه، وعلم وبصيرة ورؤية واضحة، متّكلًا على نعمة الله، وموآزرة الكهنة والرهبان والراهبات، والعديد من المؤمنين والمؤمنات في مجالس الأبرشية ولجانها وهيكليّاتها. فأعاد معهم بناء كنائسهم الرعائية وقاعاتها الراعوية، وأجرى المصالحات، وقرّب بين القلوب، وعمل بكلّ نشاط على شدّ أواصر الوحدة في الأبرشيّة. فانطلقت وازدهرت على الرغم من كلّ الصعوبات. وسكن في قلبه الهمّ بشأن الفقراء والمتعثّرين في حياتهم المعيشيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. ففتح أمامهم إمكانيات المساعدة في مدارس الحكمة وفي جامعة الحكمة التي أسّسها مع حرمها الجامعي الجديد، وفي أوقاف الأبرشية ومؤسساتها.

 

9. إلى جانب خدمته الراعوية هذه في الأبرشية، أُسندت إليه مهام كنسيّة أخرى خارج حدودها. فعلى الصعيد المسكوني، عُيّن ممثّلًا للكنيسة المارونية في حوار الكنائس السريانية في إطار مؤسسة ProOriente، وانتُخب رئيسًا لمجلس كنائس الشّرق الأوسط؛ وعلى صعيد الكرسي الرسولي عيّنه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر عضوًا في المجلس الحبري للتبشير الجديد بالإنجيل، وعيّنه قداسة البابا فرنسيس زائرًا رسوليًّا على أبرشية صيدا المارونية.

 

10. هذا هو جنى ثمار الخمس وعشرين سنة من أسقفيّتك يا أخانا الجليل المطران بولس مطر. وانت ترفعه اليوم إلى الله مصلّيًا مع صاحب المزامير: "ماذا أردّ إلى الربّ، عن كلّ ما أحسن به إليّ؟ أرفعُ كأس الخلاص، وأدعو باسم الربّ (مز116: 13).

وقد شئتَ أن يكون كأس خلاص خدمتك الراعوية مسكوبًا مع دم المسيح الغافر في الكأس الذهبي الذي رفع فيه القديس البابا يوحنا بولس الثاني ذبيحة الشكر في بيروت أثناء زيارته الرسولية للبنان في أيار 1997، وتوقيع الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان".

 

11. هنيئًا لك، أيّها الأخ الجليل المطران بولس، يوبيلك الأسقفي الفضّي، وليكن ينبوعًا لمزيد من النعم الإلهية، لكي تواصل رسالتك الراعوية على رأس أبرشية بيروت العزيزة، وفي المهام المُسندة إليك، بنشاط متجدّد وجهوزية دائمة، تقول فيها كلمة "نعم"، على مثال أمّنا وسيدتنا مريم العذراء، سلطانة الرسل وأمّ الكنيسة، وتواصل التزامك الرسولي، بروحانية أبينا القديس مارون وآبائنا القدّيسين. وليتمجّد ويُسبّح في كلّ ذلك الله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

 

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي 

في قداس اليوبيل الفضي لسيادة المطران بولس مطر  

كاتدرائية مار جرجس-بيروت، في 18 تموز 2016