يا لها من مأساة، أن نمرّ إلى جانب فرحنا ولا نتعرّف إليه، أن نكون قريبين من هدفنا وننشغل عنه بأمور ثانويّة، أن نضحّي بالأساسيّ في سبيل ما هو أقلّ أهمّيّة، ونحن لا ندرك. هذه المأساة هي حالة بيت لحم المشغولة بخدمة زبائنها ولا تلاحظ أنّ مجد الله قد أتاها. لا ننتبه أنّ رواية الميلاد الّذي نبدأ بالتحضير له هي رواية مأساويّة.
أفلم يأتِ الربّ طفلاً غير مرغوب فيه؟ "أتى إلى بيته وأهل بيته لم يعرفوه" يقول إنجيل يوحنّا. أمّا إنجيل لوقا فيقول في يوسف وامرأته: "لم يجدا لهما موضعًا". من يلوم أهل بيت لحم؟ هم مثل كلّ الناس: يبيعون ويشترون، "يأكلون ويشربون، يتزوّجون ويزوّجون بناتهم". ولكنّهم مثلنا معرّضون أن ينسوا تدبير الله، غافلون عن الربّ الّذي يأتي في الخفية. لا يلحظه إلاّ المستعدّ.
لهذا زمن المجيء هو زمن يدعونا إلى الاستعداد. والاستعداد هو اليقظة. نتعرّف إلى الربّ حين نكون على "موجته". انتظر أهل بيت لحم إلهًا قويًّا يأتي بالآيات المبينة، كما كتب بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثس: "اليونانيّون يطلبون الحكمة واليهود يطلبون الآيات".
كما في زمن إيليّا: لم يكن الله في النار ولا في الريح ولا في الزلزال، وإنّما كان في النسيم اللطيف. من أراد التعرّف إلى ابن الله عند مجيئه، عليه أن "يلبس يسوع المسيح" كما كتب بولس في رسالته إلى أهل رومة (13/11-14). وما معنى أن نلبس يسوع المسيح؟ أي أن نتشبّه به.
قرائتنا لأشعيا (2/1-5 ) تكشف لنا عمّن هو المسيح. هو "يعلّمنا طرقه فنسلك في سبيله" وتكون النتيجة أنّ من يصغون إليه "لا يتعلّمون الحرب بعد الآن". لكي نكون على موجة الله، علينا أن نحبّ السلام، أن نعتنق المصالحة، أن نشتاق إلى الشركة والتضامن بين البشر، أن نمتهن الصلح بين المتخاصمين. وهذا يتطلّب أن تنشغل قلوبنا بالعدل والحقّ، أي بكلمة الله الّتي تعلّمنا العدل والحقّ. ما من سوء في أنّ الناس يأكلون ويشربون، يتزوّجون ويزوّجون بناتهم، ولكن إن تصر كلمة الله غريبة في آذاننا نمرّ إلى جانب خلاصنا ولا ندركه.
في أسيزي أيضًا كان الناس يأكلون ويشربون، ولكن حين سمع فرنسيس صوت الله في قلبه، انتهى القديم وبدأ الجديد، زال عالم وظهر آخر. وفي الجليل كان الناس يتزوّجون ويزوّجون بناتهم، ولكن منذ قالت الصبيّة مريم: "هاءنذا أمة الربّ" تغيّر وجه تاريخنا بلا رجعة.
وفي بلادنا اليوم نأكل ونشرب، نفرح ونحزن، نضحك ونبكي، نتقاتل ونتظاهر بالسلم، ولكن إن أصغينا إلى الكلمة الّتي تأتي إلينا، إن صدّقنا بشارة الرجاء الصالح، سيزول القديم ويظهر الجديد. ولكي نصغي ونصدّق، علينا أن نستعدّ. ونستعدّ بأن ننزع عنّا عادات الموت ونتّشح بعادات الحياة. قد حانت ساعة استيقاظنا من النوم، فلنلبس يسوع المسيح!!
الأب داني يونس اليسوعيّ