في سبيل روحانية للمحامي المؤمن

متفرقات

في سبيل روحانية للمحامي المؤمن

 

 

 

 

 

في سبيل روحانية للمحامي المؤمن

 

 

 

"لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلُّ مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16). يؤمن المسيحيّ بالله الخالق، وبيسوع المسيح، من خلال العقيدة، المُعبَّر عنها بممارسة الطقوس، والتقيّد بنظام أخلاقيّ، والسعيّ للعيش، في روحانيّة عميقة، وواعيّة وثابتة، من أجل الحصول على الخلاص.

 

تركّز الحياة المسيحيّة، على عيش روحانيّة، تطاول الأمور الروحيّة والعالم الروحيّ، بدلاً من الأمور الزمنيّة والماديّة وتقوم على العلاقة الصحيحة والوثيقة بالله، وقبول يسوع المسيح المخلّص بالنعمة، عن طريق الإيمان، والممارسة الصادقة والظاهرة، لأعمال المحبّة.

 

يحاول المسيحيّ المؤمن والممارس لإيمانه، أن يدخل في جوهر الحياة المسيحيّة وعمقها، من خلال تقواه وروحانيّته. تستمدّ الروحانيّة قوّتها من ثمر الروح القدس الذي يحصل عليه الإنسان: إيمان وسلام، وفرح ومحبّة، وصبر ولطف، (غلا 5: 22-23). الروحانيّة المسيحيّة هي امتلاك روح الله القدّوس كنتيجة لقبول المؤمن الخلاص بيسوع المسيح.

 

هي التشبّه بالله الخالق، الذي هو روح "إنّ الله روح فعلى العبّاد أن يعبدوه بالروح والحقّ" (يو 4: 24) (الله ينبوع المواهب الروحيّة التي تسمو على طبيعة الأشياء المخلوقة). من هنا على المؤمن أن يعمل على تغيير شخصيّته لتشبه وتشاكل صورة الله. "ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلاّ إذا وُلد من الماء والروح. ]…[ فكلّ مَن يعمل السيّئات يبغض النور فلا يُقبل إلى النور لئلاّ تُفضح أعماله. وأمّا الذي يعمل للحقّ فيُقبل إلى النور لتظهر أعماله وقد صنعت في الله" (يو 3: 5 و20-21).

 

ويذكّرنا القدّيس بولس بالعبادة الروحيّة أي الحياة الجديدة "إنّي أُناشدكم إذًا، أيّها الإخوة بحنان الله أن تقرّبوا أشخاصكم ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله. فهذه هي عبادتكم الروحيّة ولا تتشبّهوا بهذه الدنيا، بل تحوّلوا بتجدّد عقولكم لتتبيّنوا ما هي مشيئة الله، أي ما هو صالح، ما هو مرضيٌّ وما هو كامل ]…[ ولنا مواهب تختلف باختلاف ما أُعطينا من النعمة ]…[ إعملوا للربّ بهمّة لا تفتر وروح متّقد ]…[ وعلى الصلاة مواظبين…" (رو 12: 1-2 و6 و12).

 

نستنتج أنّ العالم الماديّ ليس هو كلّ شيء. بالرغم أنّ الإنسان يميل نحو عبادة الجسد والمادّة، يبقى توّاقًا للدخول في عالم الروحانيّة، لأنّه يمتلك نفسًا وروحًا.

 

تحمل الروحانيّة الإنسان، إلى اكتشاف عالم الله، وبناء علاقة معه، من خلال التواصل المستمرّ، المعبَّر عنه بالصلاة والتأمّل، أي الحياة الروحيّة. تُظهر الروحانيّة أنّ شخص يسوع المسيح هو مصدر وغاية الحياة الروحيّة ونبعها، التي تثبّت العلاقة معه من خلال الإيمان والاتّكال عليه وتتميم إرادته وتعاليمه، بكلّ وعيّ وأمانة.

 

 

ولادة الروح

 

الروحانيّة المسيحيّة هي الولادة الثانية، من خلال قبول الروح القدس وعمله في الإنسان المسيحيّ المؤمن والممارس لإيمانه. يعمل الروح القدس عمله ويقود المؤمن لكي يتعلّم من الله أشياء كثيرة يطبّقها في حياته. "فمتى جاء هو، أي روح الحقّ، أرشدكم إلى الحقّ كلّه لأنّه لن يتكلّم من عنده بل يتكلّم بما يسمع ويُخبركم بما سيحدث" (يو 6: 13).

 

عندما يدخل المؤمن في حالة الحياة الروحيّة، يكون قد سمح للروح القدس أن يقوده ويوجّهه ويعلّمه ويسلّمه حياته. يهب الامتلاء من الروح القدس المؤمن، القدرة على التجاوب على العمل بالحقّ والحقيقة، كما يسير في خطى المخلّص فيرضى عنه لأنّ قراراته مبنيّة على كلمة الله وحبّه.

 

 

حياة روحيّة

 

يقودنا الإيمان بيسوع المسيح إلى السعيّ نحو الكمال، أي القداسة، التي هي الدعوة الموجّهة من قِبَل الربّ، إلى كلّ مؤمن. نعلم من خلال تاريخ الكنيسة، أنّ السير نحو طريق القداسة، يتطلّب حياة روحيّة. فهي حياة في الروح القدس، حيث المؤمن يقتني الروح القدس "لأنّ كلّ الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله"(رو 8: 14).

 

تشكّل الحياة بالروح القدس هدف الإيمان والحياة المسيحيّة. وتؤكّد الحياة الروحيّة، أنّ المؤمن يعيش حياة الله بداخله، كما تأتي أعماله مطابقة تمامًا لمشيئة وإرادة الله، أي عيشه كإنسانٍ مستقيم وصالح ومُعطاء. "أنتم جسد المسيح وأعضاؤه".

 

بالمطلق، تبدأ الحياة الروحيّة، عند قبول سرّ العماد؛ وعيش سائر الأسرار المقدّسة، أي الدخول بالحياة المسيحيّة. من هنا، نتأكّد، بأنّ هناك تطابق كامل، بين الحياة الروحيّة والحياة المسيحيّة؛ لأنّ كلّ حياة بعيدة عن المسيح هي موت، لأنّها لا تقدّم الخلاص للإنسان. نستنتج أنّ هدف الحياة المسيحيّة في اقتناء الروح القدس التي تتطابق مع ظهور نعمة الله في حياة المؤمن.

 

نعمة فوق نعمة

 

يحتاج الدخول في الحياة الروحيّة، إلى نعمة الله كما إلى إرادة المؤمن وخياره وقراره وتفاعله. إنّها حالة من النقاوة والطهارة وذلك بفضل تنقية عمل الروح القدس للمؤمن ليصبح قلبه مرآة تعكس أشعة نور الله "طوبى لأنقياء القلوب فإنّهم يعاينون الله" (متّى 5: 8). ومن نقاوة القلب وطهارته تأتي الاستنارة والقداسة. تساعد تلك الحالة، المؤمن على أن يبدأ بإظهار حياة المسيح، أي كشاهد على وجود المسيح في حياته من خلال "هيامه" بالله وأعماله الطاهرة والمقدّسة. "فنصل أجمعنا ]…[ ونصير الإنسان الراشد ونبلغ القامة التي توافق كمال المسيح" (أفسس 4: 13).

 

يتعرّض المؤمن الهائم بحياة الربّ يسوع، للتجارب والأفكار السيّئة المضادة للحياة الروحيّة. من هنا، تأتي المواجهة الشرسة ضدّ جيل الشيطان والشرّ والإغراءات والضعف البشريّ، من خلال الفكر والصلاة والتأمّل والاتّكال على عمل الروح القدس والنعمة الإلهيّة، التي تهبُ القوّة والصبر والمعرفة للتصدّي لأعمال الشيطان ومحاربة الشرّ.

 

تعطي الحياة الروحيّة القدرة للمؤمن أن يميّز بين فكر الله وفكر الشيطان. فالفكر الشيطانيّ يجلب معه الاضطراب والخوف والشكّ والضعف والإرادة الضعيفة والسيّئة. أمّا فكر الله، فيعطي القدرة والتوجيه نحو عيش السلام وممارسة المحبّة الصادقة وتقوية الإرادة الصالحة لفعل الخير والقدرة على التسامح والغفران والندامة. "اجعلوا الشجرة طيّبة يأتِ ثمرها طيّبًا. واجعلوا الشجرة خبيثة يأتِ ثمرها خبيثًا. فمن الثمر تُعرف الشجرة" (متّى 2: 33).

 

تقود الحياة الروحيّة المؤمن نحو الله. أي هي سير دائم نحوه وتقدّم مستمر نحو اللانهاية. فهي سعيّ متصّل نحو الكمال والكمال مع الله لا حدود له. فالسعيّ هي الحالة المطلوبة من المؤمن، لكي يحقّق مشروع الله ويجاوب على دعوته، التي تقوده نحو الكمال، أي القداسة.

 

الحياة الروحيّة هي انتقال من كمال إلى كمال أفضل، أي نموّ متواصل. تساهم الحياة الروحيّة في تحقيق حياة فاضلة للمؤمن، كما تسعى إلى حياة أفضل فأفضل إلى غير حدّ. يعطي هذا التدرّج الروحيّ والنموّ الإنسانيّ، أيّ الأخلاقيّ، القدرة على التغلّب قدر المستطاع، على الضعف والخطيئة، ليدخل المؤمن في حياة البرّ والكمال. يجاهد الشخص الروحيّ بكل قوّته، ويستعمل مواهبه وعطاياه وإمكانيّاته ومقدّراته، ليصل إلى مبتغاه.

 

 

صلاة الروح

 

تُبنى الحياة الروحيّة على الصلاة، وتنطلق منها، كما توصل المؤمن إلى عيش حياة روحيّة مُفعمة بالنقاوة واللقاء المباشر مع الله. لا يمكننا أن ننسى بأنّ يسوع المسيح، كان يصلّي، لأنّ الصلاة كانت محور حياته. كان يصلّي لأبيه في الإصغاء والعزلة. كان يحيي الليل كلّه في الصلاة. اتّسمت صلاته بطابع الحمد والشكر والثقة، وتسليم الذات. "ذهب إلى الجبل ليصلّي، فأحيا الليل كلّه في الصلاة لله" (لو 6: 12).

 

كان المسيح يعمل إرادة أبيه "إنّني أعمل أعمال مَن أرسلني" (يو 9: 4). كانت صلاة يسوع، مشاهدة للآب وجهًا لوجه. من هنا، دعا يسوع إلى ضرورة ممارسة الصلاة، بإيمانٍ وتواضعٍ، وببساطة، وربطها بالعمل، وتتميم إرادة أبيه وتعاليمه "ليس مَن يقول لي “يا ربّ، يا ربّ” يدخل ملكوت السموات. بل مَن يعمل بمشيئة أبي الذي في السموات" أكّد يسوع على أهميّة الصلاة المشتركة، وعمق فعاليتها. "إنّ الصلاة علاقة محبّة بين الإنسان والله. إنّها حوار محبّة. إنّها تلبية محبّة لنداء الله المحبّ ]…[ هي أن نكون مع الله ".

 

يحتاج المؤمن في حياته اليوميّة والمسيحيّة، إلى اللقاء بالربّ يسوع، من خلال الصلاة. فهي التواصل المستمرّ، مع الخالق والدخول في حياة السيّد المسيح، من خلال الحوار المباشر معه، المُعبَّر عنها بالتأمّل، والصمت والتراتيل، والمناجاة والعبارات، والألحان والسجود، والطلب والشكر والتمجيد.

 

فالصلاة تعبير عن الإيمان والمحبّة والرجاء، أي أن نقبل عطيّة الله. تساعد الصلاة المؤمن، على التعبير عن حياته، برغباتها وصعوباتها وأفراحها، كما على شكره لحضور الله في داخله. "ليست الصلاة في الأساس تمرينًا، بل هي روح، وديناميّة حياة أساسيّة، ومناخ معيّن للنفس". "ففي التأمّل، وفي كلّ صلاة أخرى، نحن مدعوّون إلى أن ندع الله يحبّنا، وإلى أن نختبر محبّته ونتذوّقها، كما أنّنا مدعوّون إلى أن نعبّر له عن محبّتنا.

 

الحياة الروحيّة هي انسجام بين الصلاة والحياة اليوميّة. فهي ترفض الازدواجيّة بين ما يصلّيه الإنسان وما يعيشه. هل هذه الازدواجيّة متأتيّة بسبب عدم الوضوح والضعف البشريّ؟ أم بسبب قلّة الإيمان والشكّ والقناعة؟ "أيّها الربّ يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ". تدفع الحياة الروحيّة المؤمن، إلى أن تُصبح حياته صلاة عميقة وثابتة، وصلاته حياة مقدّسة وطاهرة. "نحن نحتاج وقتًا لنكون وحدنا مع الله ]…[ إنّ الصلاة يجب أن تكون نوعيّة حياة، تتيح لنا أن نجد الله في كلّ شيء".

 

تجعل الحياة الروحيّة، المؤمنين، على مثال الربّ يسوع، من خلال الروح القدس، وبواسطة الصلاة، كما في شهادة الحياة، أبناء لله بالتبنيّ فينادي المؤمن:" أبّا، يا أبتِ والدليل على كونكم أبناء أنّ الله أرسل روح ابنه إلى قلوبنا، الروح الذي ينادي “أبّا”، “يا أبتِ” (غلا 4: 4-6). (إنّ الروح، وهو مرسل كالآب، يثبّت للمؤمن وضعه، في صميم كيانه، فيثبّت إذًا حياته الجديدة).

 

 

 

مهنة أم رسالة؟

 

تناولنا الروحانيّة المسيحيّة كما أهميّة الحياة الروحيّة وتأثيرها في حياة المؤمن. نعالج موضوعنا هذا "في سبيل روحانيّة للمحامي المؤمن". ونتساءل هل المحامي المؤمن يمارس مهنته أم يعيش "رسالة" و"قضيّة"؟ نُدرك أنّ المحاماة تأتي من الحماية وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتشريع والقانون.

 

فهي من أحد الدعائم الأساسيّة لتحقيق العدل. تشكّل مع القضاء سلطة العدل، التي تهدف إلى تحقيق العدل والسلام والوئام، كما التأكيد على سيادة القانون. إنّها مهنة حرّة، ولكنّها "رسالة" في ذات الوقت. وعندما يمارس المحامي المؤمن بالحياة المسيحيّة، أي بيسوع المسيح ويتوق إلى حياة روحيّة، فبالتأكيد تأتي مهنته أكثر من "رسالة" و"قضيّة". أي الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه وحتّى وجوده، أي على حياته، التي وُهبت له من الخالق. تحتاج الحياة في بعض الحالات إلى حماية وذلك من خلال تعاون وتعاضد وحماية المحاماة.

 

يتعارف عالمنا على أنّ مهنة المحاماة هي رسالة الحقّ والعدل؛ فهي مستقلّة يتكلّلها الكفاح والنبل والكرامة والشرف. إنّها خدمة عامّة، تقوم على تنظيم دقيق ومرن، ممّا يسهّل عليها القيام بخدمتها ودورها ورسالتها بشكل مميّز كأداة للدفاع عن المحتاج والمهمّش والمجروح والمظلوم والضعيف، ممّا يحفظ مكانتها بأن تكون رسالة نصرة الحقّ وتحقيق العدالة، ونشر السلام والمحبّة.

 

تؤكّد المبادئ الصحيحة والمفاهيم النيّرة، أنّ المحاماة دعامة العدل باعتبار أنّ العدل أساس المُلك، ولا عدل بغير قضاء، ولا قضاء بغير محاماة. يتطلّب من المحامي مشاركة القاضي في تحقيق العدل، من خلال أحكام القانون وذلك باستقلاليّة تامّة وضمير نقيّ، ممارسًا إيّاه ضمن إطار القواعد الأخلاقيّة، والأحوال والأنظمة، التي تنظّم تلك المهنة أو بالأحرى تلك الرسالة السامية المبنيّة على القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة والروحيّة.

 

كيف يجب أن يتصرّف المحامي المؤمن بالسيّد المسيح؟ ألا تنطبق عليه تلك المبادئ والمتطلّبات؟ بالتأكيد، يُطلب منه الكثير والكثير "فمَن أُعطي كثيرًا يُطلب منه الكثير" لا سيّما المحامي الممارس لإيمانه بتقوى وورع وصلاة ومحبّة. إنّه المحامي الروحانيّ الذي يعيش حياة روحيّة. "فالإنسان الأرضيّ لا يتقبّل ما هو من روح الله، لأنّ ذلك عنده حماقة، ولا يستطيع أن يعرف ما هو من روح الله، لأنّ الحُكم في ذلك لا يكون إلاّ بالروح. أمّا الإنسان الروحانيّ فيحكم على كلّ شيء ولا أحد يحكم عليه. فمَن عرف فكر الرب ليُعلّمَه؟ أمّا نحن فلنا فكر المسيح" (1 قور 2: 11-16) من هنا لا بدّ من انفتاح المحامي المؤمن على علم الروح القدس لكي يعلّمه فنّ الإصغاء والخدمة والتفاني وأعمال البرّ والمحبّة.

 

تتطلّب مهنة المحامي المنضوية تحت عنوان "الرسالة"، النزاهة الكاملة والاستقامة والحياديّة والأمانة والاستقلاليّة والإخلاص كما القدرة العلميّة. إنّها مهنة رسوليّة تتطلّب الجهد لا الكسل والحريّة لا التبعيّة والكرامة لا الوصاية. نعم إنّها رسالة بكلّ معنى الكلمة، لأنّها تتطلّب التضحية. فكيف إذا كان محامٍ مؤمنٍ بيسوع المسيح؟ ألا يعيش على خطى معلّمه؟ المدافع الأوّل عن حقوق الإنسان؟ لقد مات من أجل خلاص الشعب كلّه، الشعب المظلوم والسجين.

 

لقد حمل مشعل التحرّر والحريّة من أجل عودة الإنسان إلى الفردوس. لقد حمل رسالة الحقّ في وجه الظالم والمستبدّ وحرّر الإنسان من خطيئته. هل المحامي المؤمن يحافظ على الرسالة؟ أم أنّه دخل في منظومة المهنة فقط؟ هل يعي أهميّة رسالته ودوره؟ أم أنّه دخل في عالم المادّة ووسّخ وسخّر ضميره لا للعدالة؟ هل يعمل بحسب تعاليم الكتاب المقدّس والكنيسة؟ أم أنّه يغرّد خارج السرب؟ هل يعي انتماءه لكنيسة السيّد المسيح؟ أم أصبح مثال شكّ وعثرة للآخرين؟

 

إنّ المحامي المؤمن هو الرسول الذي يجب أن يتحلّى بصفات إنسانيّة وأخلاقيّة وروحيّة وإيمانيّة. وألاّ تأتي مهنته ورسالته بعيدة كلّ البُعد عن ما يؤمن به وما عليه أن يكون لأنّه يحمل في طيّاته العقيدة الإيمانيّة والروحانيّة المسيحيّة. بالمطلق ترَوْحِن الروحانيّة المسيحيّة كلّ عمل نبيل يخدم الإنسانيّة، فكيف إذا كان العمل يحمل رسالة وقضيّة مثل المحاماة؟ كما ذكرنا آنفًا، إنّ مهنة المحاماة التي يمارسها المحامي المؤمن، تتطلّب الحبّ والإيمان والشجاعة والتضحية والضمير والفضيلة والعلم وفضائل وصفات متعدّدة. يُقال بأنّ مهنة المحاماة هي فنّ رفيع، فمَن مارسها بحسب المبادئ والقيم (رسالة وقضيّة) نجح، ومَن اتّخذها صناعة أو مهنة فقط ولو أصاب فيها مالاً وصيتًا لامعًا ومجدًا فقد فشل.

 

نعم، إنّها رسالة. فهي طريق لتحقيق إرادة الخالق وإسعاد الخلق، وإلى رفع مستوى الحياة الاجتماعيّة والعلائقيّة، بهدف بناء مجتمع يسوده العدل والسلام والرحمة.

 

نعم، إنّها مهنة. فهي تحمل لواء الرسالة المقدّسة، بنشر التعاليم السماويّة وتحقيقها عبر الدفاع عن المظلوم واثبات العدل والحقّ والحقيقة.

 

إنّ مهنة المحاماة، مثل غيرها، مليئة بالمغريات والعروضات التي يدفع ضريبتها المحامي عادةً من سمعته أو قناعاته، وخصوصًا عندما يترافع عن أشخاص هو غير مقتنع ببراءتهم أو أنّهم اعترفوا بأخطاء جسيمة. إنّ المحامي الملتزم دينيًّا ويمارس حياته الروحيّة، لا بدّ أن تأتي أعمال مهنته مقدّسة، لأنّه يعمل من أجل الخير العام، وبطريقة شفّافة وبوحيّ من الروح القدس، المُرسَل له، لكي يمارس مهنته من أجل الدفاع عن "إخوته الصغار"، التي طلبها الربّ يسوع من المؤمن المسيحيّ "كلُّ ما فعلتموه مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار، فمعي فعلتموه..."

 

إنّ المحامي المؤمن بكلام الربّ يسوع وفاعليته في حياته وحياة المؤمنين، تقوده إلى ممارسة مهنته بكلّ سخاء وعطاء ومجّانيّة، كما فعل السيّد المسيح مع المؤمنين وعبر المؤمنين. فإيمان المحامي وعيشه تقوده إلى حياة روحيّة عميقة ومستمرّة، لأنّها تعطيه القدرة والفرصة للإتّحاد بالله وامتلاك خبرة التنوير والاستنارة. تهبُ الحياة الروحيّة السلام الباطنيّ، المُلهَم من روح يسوع المسيح.

 

 

 

 

الأب نجيب بعقليني.