استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم السبت في قاعة بولس السادس بالفاتيكان جمعيات الحياة الرسوليّة والرهبانيات النسائيّة والرجاليّة التي تستلهم روحانيّتها من روحانيّة دم يسوع وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال
منذ بداية المسيحيّة سحر سرُّ محبّة دم المسيح العديد من الأشخاص. حتى مؤسسوكم القديسون قد عززوا هذه العبادة إذ وضعوها في أساس قوانينكم لأنّهم فهموا في ضوء الإيمان أنَّ دم المسيح هو ينبوع خلاص للعالم. لقد اختار الله علامة الدم لأنّه ما من علامة أكثر بلاغة للتعبير عن الحب الأسمى للحياة التي تُبذل في سبيل الآخرين. إن بذل الذات هذا يتكرّر في كل ذبيحة إفخارستيّة يحضر فيها معًا جسد المسيح ودمه الثمين، دم العهد الجديد الذي يهرق من أجل الجميع لمغفرة الخطايا.
يقودنا التأمّل بذبيحة المسيح للقيام بأعمال رحمة ولبذل الحياة في سبيل الله والإخوة. يدفعنا التأمُّل بسرّ دم المسيح المسفوك على الصليب من أجل فدائنا نحو الذين يمكننا أن نعتني بهم في آلامهم النفسيّة والجسديّة ولكنّهم يُتركون على هامش مجتمع الاستهلاك واللامبالاة. وبهذا المنظار يتمُّ تسليط الضوء على أهميّة خدمتكم للكنيسة والمجتمع. من جهتي أنا أقترح عليكم ثلاثة جوانب يمكنها أن تساعدكم في نشاطكم وشهادتكم: شجاعة الحقيقة، التنبُّه للجميع ولاسيما للبعيدين والقدرة على الجذب والتواصل.
شجاعة الحقيقة من الأهميّة بمكان أن تكونوا أشخاصًا شجعانًا وأن تبنوا جماعات شجاعة لا تخاف من أن تقف لتأكِّد قيم الإنجيل والحقيقة في العالم والإنسان. أي أن تتكلّموا بوضوح ولا تديروا وجوهكم إزاء الهجوم على قيم الحياة البشريّة منذ الحبل بها وحتى موتها الطبيعي وإزاء الكرامة البشريّة والشرور الإجتماعيّة ومختلف أنواع الفقر. إن شهادة تلاميذ يسوع مدعوّة لتلمس الحياة الراعويّة فلا تتركنا غير مبالين بل تطبعنا وتحوّل قلوب وحياة الأشخاص.
أما الجانب الثاني فهو التنبُّه للجميع ولاسيما للبعيدين. أنتم مدعوون في رسالتكم لكي تبلغوا الجميع وليفهمكم الجميع؛ لتكونوا "شعبيّين" من خلال استعمالكم للغة يمكن للجميع من خلالها أن يفهموا رسالة الإنجيل. الجميع هم موضوع محبة يسوع وصلاحه: القريبون ولاسيما البعيدون أيضًا. لذلك ينبغي علينا أن نحدد الأشكال الأكثر ملائمة لكي نتمكّن من الاقتراب من العديد من الأشخاص في البيوت والبيئات الاجتماعيّة والطرقات. ولكي تقوموا بذلك أمامكم مثال يسوع والتلاميذ الذين يسيرون على دروب فلسطين معلنين ملكوت الله من خلال العديد من علامات الشفاء التي تثبّت الكلمة. اجتهدوا لكي تكونوا صورة لكنيسة تسير على الطريق بين الناس وتخاطر لكي تقاسم أفراح وأتعاب الذين تلتقي بهم.
الجانب الثالث الذي أقترحه لشهادتكم هو القدرة على الجذب والتواصل، وهي موجّهة للوعظ والتعليم ولمسيرات تعميق كلمة الله. وبالتالي عليكم أن تولِّدوا التزامًا أكبر لكي تقدّموا محتويات الإيمان المسيحي وتحثوا الأشخاص على حياة جديدة في المسيح. إن الإنجيل والروح القدس يولِّدان كلمات وتصرّفات تشعل القلوب وتساعدها على الانفتاح على الله والقريب. ولخدمة الكلمة هذه يمكنكم أن تستلهموا من موقف يسوع الذي كان من خلاله يحاور الأشخاص ليكشف سرّه للجميع لكي يجذب الأشخاص العاديين بتعاليم سامية ومتطلِّبة. إن قوّة هذا الموقف تختبئ في نظرة يسوع للشعب التي تتخطى الضعف والسقطات: "لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير، فقد حَسُنَ لدى أَبيكم أَن يُنعِمَ عَليكُم بِالمَلَكوت". إنَّ التشبه بأسلوب يسوع في التبشير يساعدنا على التقرُّب من الآخرين لنجعلهم يفهمون حنان الله.
إنها ميزات ثلاثة يمكنها أن تكون مفيدة لمسيرة إيمانكم ولرسالتكم. ولا ننسينَّ أن قوّة الشهادة المسيحيّة الحقيقية تأتي من الإنجيل. وهنا تظهر محوريّة دمُّ المسيح ونسبيّة الروحانيّة. أي الاتكال على فائض المحبّة التي يُعبّر عنها في دمِّ الرب والتي سلِّط عليها الضوء آباء الكنيسة والقديسون الكبار في التاريخ المسيحي، من القديس بونافنتورا إلى القديسة كاترينا السيانيّة وصولاً إلى قديس عزيز عليكم القديس غاسباريه ديل بوفالو. هذا الكاهن مؤسس مرسلي الدم الثمين قد اجتهد لكي يحافظ على شعلة الإيمان حيّة في الشعب المسيحي وبمثال محبّته لله وتواضعه ومحبّته عرف كيف يحمل إلى كلِّ مكان المصالحة والسلام إذ ذهب للقاء الحاجات الروحيّة والماديّة للأشخاص الأشدّ ضعفًا والذين يعيشون على هامش المجتمع.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في المسيح نجد المبدأ الأكيد لحياتنا: إنّه رجاؤنا الأساسي والثابت. لتكن الأفضليّة في مسيرة جماعاتكم للصلاة وللإصغاء لكلمة الله والتأمُّل والطاعة لصوت الروح القدس. ولتنمو فيما بينكم الشركة والتعاون الشروط الضروريّة لكي تحمل وصيّة الرب الرسوليّة ثماراً روحيّة وافرة لصالح شعب الله بأسره.
إذاعة الفاتيكان.