عيد العائلة المقدّسة

متفرقات

عيد العائلة المقدّسة

 

 

 

 

 

عيد العائلة المقدّسة

 

 

 

"كان يسوع خاضعًا لهما، وينمو بالقامة والحكمة والنعمة" (لو2: 52)

 

1. تحيي الكنيسة في هذا الأحد عيد العائلة المقدّسة، عائلة الناصرة. فيها نما يسوع بالطاعة لأبيه وأمّه. وبفضل تربيتهما نمت شخصيّته بأبعادها الثلاثة: القامة من خلال عنايتهما المادية، والحكمة بتربيته على القيم الخلقية والثقافية والانسانية، والنعمة بالسهر على اتّحاده العميق بالآب والروح القدس، وبإزكاء حياة الايمان في قلبه. من خلال حياته العائليّة هذه، هيّأ يسوع رسالة الفداء، "فكان خاضعًا ليوسف أبيه الشرعي ولمريم أمّه، وراح ينمو بالقامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس" (لو2: 52).

 

نصلّي كي تتكوّن عائلاتنا المسيحيّة، على صورة العائلة المقدّسة، فتؤمّن لأولادها النموّ بالقامة والحكمة والنعمة، على مثال يسوع، من خلال التزام الوالدين وأولادهم بواجب الصلاة والممارسة الدينيّة، والسّهر الوالدي والعناية والتوجيه.

 

2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة، ونهنّئ جميع العائلات بعيدها. وإذ نرحّب بكم جميعًا، نحيّي مؤسّسة البطريرك نصرالله صفير الخيريّة: رئيسها الدكتور الياس صفير، وأمينة المال السيّدة ميلاني صفير بريدي وسائر أعضاء الهيئة الإداريّة. ونشكر المؤسّسة على المساعدات الماليّة التي تقدّمها للطلّاب الجامعيّين، ونتمنّى لها دوام الازدهار.

 

ونرحّب بالدّكتور بشارة الأسمر، رئيس الاتّحاد العمّالي العام ونقابات الاتّحاد، داعين لهم بالتّوفيق في تعزيز حقوق العمّال. ونحيّي عائلة المرحومة سهام بو خليل مسعود التي ودّعناها بكثير من الأسى منذ عشرين يومًا. فنجدّد التّعازي الحارة للعزيز ميلاد زوجها ولأبنائها وبناتها وأشقّائها وشقيقاتها وأهالي الضبيّه الأعزّاء. نذكرها في هذه الذبيحة الإلهيّة ملتمسين لها الراحة السعيدة في السماء.

 

وكم آلمتنا المجزرة الوحشيّة الّتي ارتُكبت في كنيسة مار مينا لإخواننا الأقباط الأورثوذكس في حلوان، جنوبي القاهرة أمس الأوّل، وأوقعت تسعة قتلى، فيما كانوا يستعدّون للإحتفال بعيد الميلاد بحسب التّقويم القبطي. إنّنا، إذ نعبّر عن إدانتنا الشّديدة لهذه الجريمة النّكراء ولمن وراءها، نلتمس الرّاحة الأبديّة لشهداء الإيمان هؤلاء، ونعزّي أهاليهم وعائلاتهم. ونُعرب عن تعازينا الحارّة لقداسة الأنبا تواضروس بطريرك الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وبابا الإسكندريّة والكرازة المرقسيّة، وعن تضامننا الرّوحي معه ومع جميع إخواننا الأقباط الأرثوذكس ومع كلّ محبّي السّلام والعيش المشترك في مصر العزيزة، وعلى رأسهم الرّئيس عبد الفتّاح السّيسي. وفي الوقت عينه نُصرّ على بقائنا في أرضنا لنشر إنجيل المحبّة والأخوّة والسّلام.

 

3. فيما نحن نختتم السنة 2017، نشكر الله على كلّ ما أفاض من خيرات ونعم، على كلّ واحد وواحدة منّا، وعلى جميع الناس، وعلى وطننا والعالم. ونستغفره عن كلّ الخطايا والشرور التي اقترفناها واقترفها غيرنا. ونلتمس النعمة وأنوار روحه القدوس كي نبدأ العام الجديد 2018 غدًا، فيكون لمجد الله وخير كلّ إنسان.

 

ونرجو أن يكون عام استقرار في وطننا وسلام في منطقتنا، بحيث تتوقّف الحروب، وتُحلّ النزاعات بالطرق السياسيّة والديبلوماسيّة؛ وتجد المدينة المقدسة، القدس، حلًّا سلاميًّا لصالح الديانات التوحيدية الثلاث وللقضيّة الفلسطينية؛ ويتوطّد السلام العادل والشامل والدائم، ويعود جميع النازحين واللاجئين والمخطوفين إلى أوطانهم وبيوتهم، فيحافظوا على ثقافاتهم وتاريخهم وحقوقهم.

 

4. في العائلة المقدّسة، استعادت العائلة المسيحيّة قدسيّتها وكرامتها، على أنّها "كنيسة بيتيّة" قائمة على سرّ الزواج. فالله حاضر فيها، بكلمته ونعمته، وهي جماعة إيمان ورجاء وحبّ. فيها تتحقّق الشركة بين الأشخاص على صورة الثالوث الإلهيّ، ويتمّ تقاسم الخيرات الروحيّة والمعنوية والمادية، ويعاش التفاني وبذل الذات والانسجام على مثال اتّحاد المسيح بالكنيسة.

 

إنّها المدرسة الأولى للحياة المسيحية: فيها يتعلّم الأوّلاد الصلاة كأبناء الله وبناته، وفرح العمل، وقيمة التعب والمحبة الأخوية، والمغفرة السخية والمتجددة، وهبة الذات (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1657).

 

وبوصفها "كنيسة بيتية"، تشارك العائلة كنيسة المسيح، فتقوم بالرسالة المثلّثة: الخدمة النبوية كجماعة مؤمنة ومبشّرة بالإنجيل، والخدمة الكهنوتيّة كجماعة مصلّية وفي حوار دائم مع الله، والخدمة الملوكيّة كجماعة المحبّة والعدالة والانتصار على الشّر (الارشاد الرسولي: في وظائف العائلة المسيحية 21،49- 64).

 

5. كلّ إنسان بحاجة إلى التربية والعناية منذ طفولته، مثلما نما الربّ يسوع طفلًا وصبيًّا وشابًّا، قبل أن يبدأ حياته العامّة ورسالته. تعلّم الكنيسة أن الوالدين هم المربّون الأوّلون لأولادهم، على القيم الدينيّة والخلقيّة والتقاليد الثقافية (البابا يوحنا بولس الثاني: رسالة الى العائلات، 16)، وعلى العيش في الحقيقة والمحبة. هذه التربية الوالدية هي واجب ذو أربعة وجوه: واجب جوهري لعلاقته بنقل الحياة البشرية الى أولادهم؛ وأساسي بالنسبة الى مهمّة الآخرين التربوية؛ وأوّلي بداعي رباط الحبّ الفريد بين الوالدين وأولادهم؛ ولا بديل أو غنى عنه فلا يفوّض الى غيرهم بشكل مطلق ولا ينتزعه منهم أحد (في وظائف العائلة المسيحية، 36).

 

6. ما أحوجنا اليوم إلى عائلات متماسكة، وإلى والدين مدركين خطورة مسؤوليّتهم عن تربية أولادهم روحيًّا وأخلاقيًّا واجتماعيًّا، وعن إيجاد جوٍّ سليم في البيت تسوده حرارة الحبّ والفرح والاحترام المتبادل، وعن إعطائهم المَثَل الصالح في سيرتهم وتصرفاتهم.

 

7. ولا يخفى أنّ المسؤولية تقع بحدّ كبير أيضًا على المسؤولين المدنيّين، بحيث يؤمّنون الحاجات الأساسيّة للعائلات من عمل وسكن وتطبيب وضمان وتعليم، فتعيش العائلة في سلام اجتماعي، بعيدًا عن التوترات المعيشية التي تسمّم أجواءها. ومطلوب من المسؤولين المدنيّين أيضًا المحافظة على الأخلاق العامّة، واستئصال الفساد من مؤسسات الدولة وإداراتها، ووضع حدّ لسرقة المال العام وممارسة الرشوة. ومطلوب من الجماعة السياسيّة إعطاء المَثَل في أخلاقيّة التخاطب ومقاربة القضايا المتنازع عليها، وفي التفاني لتأمين الخير العام، والتصرّف بروح المسؤولية وانضباطها وجدّيتها.

 

8. العائلة المسيحية ضمانة لسلامة الكنيسة والمجتمع والوطن. نلتمس من الله، بشفاعة العائلة المقدّسة، وحدة العائلة واستقرارها ونموّ أولادها بالقامة والحكمة والنعمة، لمجد الله وتسبيحه الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي - بكركي