استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الجمعة في القصر الرسوليّ بالفاتيكان جماعة معهد الـ "Pio Romeno" الحبريّ بمناسبة الذكرى الثمانين على تأسيسه وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال:
إنّ المسيرة التي تقومون بها تندرج في تاريخ يسبقكم وهي مليئة بالانتظارات لمستقبل الكنيسة البيزنطيّة في رومانيا. لذلك أريد أن أتمنّى لكم أمرين: أن تحافظوا على الذّكرى وتعزّزوا الرّجاء.
الحفاظ على الذّكرى. لقد ولد معهدكم في مرحلة نمو للجماعات الكاثوليكيّة الشرقيّة؛ ولكنّه عاش بعدها الأحداث المأساويّة المرتبطة بالاضطهادات الملحدة، ليشهد بعدها على ولادة جديدة وانفتاح على تحديات جديدة. إنّ هذا التاريخ القائم على شهود إيمان كبار وأوقات محن وتجارب ينتمي إليكم. من الجيّد أن تحافظوا عليه لا كي تبقوا راسيين في الماضي وإنّما كي تعيشوا أحداث كلّ مرحلة تعضدكم ذكرى إنجيليّة حيّة تعانق تاريخًا أكبر منّا ويبقى دائمًا منفتحًا على عمل الرّوح القدس.
إنّ الاغتناء بما صنعه الرَّبّ في شعبه، من خلال الصَّلاة والدراسة، هو فرصة جميلة خلال السنوات التي تمضونها في روما حيث يمكنكم أن تتنفسوا شموليّة الكنيسة.
وإذ تعزّزون ذاكرتكم الكنسيّة ستنالون المساعدة للإنتصار على تجربة خطيرة يمكنكم أن تواجهوها وهي تجربة الاكتفاء بحياة طبيعيّة حيث كلّ شيء يسير قدمًا بدون دفع أو حماس، وحيث تصبحون عاجلاً أم آجلاً حرّاسًا غيورين لوقتكم الشخصيّ وضماناتكم ورفاهيّتكم. لكن وإذ يحثّكم مثال شهودكم الكبار في الإيمان اجتهدوا كي تتّقد خدمتكم بالإنجيل ويكون لها طعم العطيّة القويّ والأصيل. إنَّ الرّاعي، كتلميذ يتشبّه بالمسيح الذي بذل حياته إلى أقصى الحدود، لا يمكنه أن يقبل بمساومات حياة دون المستوى أو أن يتكيّف في الأوضاع بدون أي مخاطرة. ليكن معهدكم على الدوام "النادي" الذي تتمرّنون فيه كي تبذلوا حياتكم بجهوزيّة، ولتكن دروسكم أدوات خدمة للكنيسة تُغني التقليد الثقافي الغني لبلدكم العزيز. وبالتالي فالحفاظ على الذكرى ليس مجرّد تذكُّر للماضي وإنّما هو وضع أساسات للمستقبل، مستقبل رجاء.
أمنيتي الثانية هي أن تعززوا الرّجاء. هناك حاجة كبيرة لتغذية الرّجاء المسيحيّ، ذاك الرَّجاء الذي يمنح نظرة جديدة قادرة على اكتشاف الخير ورؤيته حتى عندما يُظلمه الشرّ. يكتب القدّيس أفرام السُّرياني: "عندما يُنعش الرّجاء أعيننا سنرى حتى ما هو خفيّ" وكتاب أعمال الرّسل الذي تقدّمه لنا الليتورجيّة في زمن الفصح هذا يُظهر كيف يمكن للكنيسة، التي تعيش بالثقة بالقائم من الموت وتثابر في الصّلاة والشركة والمحبّة، ألا تفقد أبدًا نظرة الرَّجاء هذه وتعطيها للعالم حتى عندما تكون بدون وسائل وإمكانيّات أو غير مفهومة ومُقاوَمة. أتمنى أن يكون بيتكم علّيّة يحوّلكم فيها الرّوح القدس إلى رسل رجاء وحملة معديين لحضور القائم من الموت، شجعان في الإبداع ولا يستسلمون أبدًا أمام المشاكل ونقص الوسائل والإمكانيّات. ليولِّد الرّوح القدس فيكم الرَّغبة في البحث عن مسيرة للوفاق والوحدة بين جميع المسيحيِّين وتعزيزها.
فيما تصل تحيّتي من خلالكم إلى رئيس أساقفتكم وأساقفة سينودسكم أتوجّه أيضًا إلى تلاميذ معهد القدّيس أفرام الحبريّ الحاضرين معنا والذين تستقبلونهم في جماعتكم. من خلال لقائكم أفكّر بالأوضاع التي يعيش فيها العديد من المؤمنين في أراضيكم والعديد من العائلات التي تُجبر على ترك منازلها إزاء موجات العنف والألم التي تنهال عليها. أرغب بمعانقة إخوتنا وأخواتنا هؤلاء مع بطاركتهم وأساقفهم، وأستدعي معهم عطيّة السّلام الفصحيّ: ليُلهم يسوع، الملجأ المُشجّع والمُعزّي، رجاء من لا رجاء له، القلوب والأذهان لكي تنفتح أخيرًا دروب المصالحة والخير.
إذاعة الفاتيكان.