"في الأوقات الصعبة، وعندما يتملّك اليأس قلوبنا لنحدّق النظر إلى المصلوب" هذه هي الدعوة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح يوم الثلاثاء في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
استهلَّ الأب الأقدس عظته انطلاقًا من سفر العدد (21/ 4 -9) والتي تخبرنا عن الياس الذي عاشه شعب إسرائيل في الصحراء وحدث الأفاعي التي كانت تلدغ الشعب. جاعوا فأجاب الله بالمنِّ وبعدها عطشوا فأعطاهم الماء.
ومع اقترابهم من أرض الميعاد أظهر بعضهم شكًّا لأن الأشخاص الذين أرسلهم موسى قالوا أن الأرض غنيّة بالثمار والحيوانات ولكنَّ شعبًا قويًّا ومسلّحًا يقيم فيها وخافوا من أن يقتلوهم، وبالتالي عبّروا عن الخطر الذي ينتظرهم إن ذهبوا إلى هناك. لقد كانوا يعتمدون على قواهم الشخصيّة ونسوا قوّة الرب الذي حرّرهم من العبوديّة.
لم يتحمّل الشعب عناء السفر، تمامًا كما عندما يبدأ بعض الأشخاص مسيرتهم لإتباع الرّبّ ليكونوا بقربه ولكن يبدو بعد فترة أنَّ المحن والتجارب قد تغلّبت عليهم؛ إنها تلك المرحلة من الحياة عندما يقول المرء "يكفي، أتوقّف هنا وأعود إلى الوراء" ويبدأ بالتفكير والتحسُّر على الماضي تمامًا كالشعب في الصحراء عندما راحوا يتحسّرون على ما كانوا يأكلونه خلال عبوديّة مصر.
ونبّه الأب الأقدس في هذا السياق من هذه الذاكرة المريضة والحنين المنحرف وقال هذه هي الأوهام التي يحملها الشيطان: يجعلك ترى جمال شيء تركته وتبتَ عنه عندما يتملّكك اليأس في المسيرة وعندما تكون لا تزال في طريقك نحو الأرض التي وعدك الرب بها.
يشبه هذا الأمر مسيرة الصوم نوعًا ما، لأن الحياة هي كمسيرة الصوم نجد فيها التجارب وتعزيات الرب، نجد المنَّ والماء... والتحسُّر على خيرات العبوديّة. هذه الخبرة نعيشها جميعنا نحن الذين نريد إتباع الرب ولكننا نتعب، لكنَّ الأسوأ هو أن الشعب قد تكلّم على الرب، والكلام على الرب يُسمّم النفس والقلب، وهذه الأفاعي التي كانت تلدغ الشعب هي العلامة لهذا التسمُّم وغياب الثبات في إتباع مسيرة الرب.
جوابًا على دعوة الرب له، صَنَعَ موسى حيَةً مِن نُحاس وجَعَلَها على سارِيَة. فكانَ أَيُّ إِنسانٍ لَدَغَته حَيَّةٌ ونَظَرَ إِلى الحّيَّةِ النّحاسِيَّةِ يَحيا. إنها صورة نبويّة للمسيح المرفوع على الصليب. هنا نجد مفتاح خلاصنا ومفتاح صبرنا في مسيرة الحياة، نجد المفتاح لتخطّي صحارينا: بالنظر إلى المصلوب، بالنظر إلى المسيح المصلوب. قد يسألني أحدكم: "ماذا علي أن أفعل يا أبتي؟" أنظر إليه، وانظر إلى جراحه وادخل فيها، إنها الجراح التي بها شُفينا. تشعر أنّك مُسمّم وحزين، تشعر أن حياتك لا تسير على ما يرام ومليئة بالصعوبات، أنظر إلى المصلوب!
ودعا البابا فرنسيس في هذا السياق المؤمنين لينظروا في هذه اللحظات الصعبة إلى المصلوب المشوّه أي الحقيقي لأنَّ الفنانين قد رسموا ونحتوا المسيح المصلوب بشكل فنيٍّ وجميل وهذا ليس أمرًا سيئًا لأنها إشارة لمجد الصليب: مجد القيامة؛ ولكن عندما تشعر بالحزن واليأس أنظر إلى المصلوب قبل المجد.
علِّموا أطفالكم أن ينظروا إلى المصلوب وإلى مجد المسيح. ولكن علينا نحن أيضًا في الأوقات الصعبة وعندما يتملّك اليأس قلوبنا أن ننظر إلى المصلوب وإلى جراحه، إلى المسيح المرفوع كتلك الحيّة في الصحراء والذي أخلى ذاته ليتغلّب على كلِّ شيء. لتعلِّمنا كلمة الله اليوم هذه المسيرة، أي النظر إلى المصلوب لاسيما عند الصعوبات وعندما نتعب من مسيرة الحياة.
إذاعة الفاتيكان.