"لا نفقدنَّ القدرة على الشّعور بأنّنا محبوبون: يمكننا أن نستعيد قدرتنا على الحبّ ولكن إن فقدنا القدرة على الشّعور بأنّنا محبوبون فسنفقد كلَّ شيء" هذه هي الدّعوة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح يوم الثلاثاء في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من إنجيل القدّيس لوقا والذي يخبر فيه يسوع مثلاً مجيبًا على ما قاله له أحد جلسائه على الطعام: "طوبى لِمَن يَتَناوَلُ الطَّعامَ في مَلَكوتِ الله"؛
ينصحنا الرَّبّ عندما نريد أن ندعو أحدًا إلى بيتنا أن ندعو من لا يمكنه أن يبادلنا الدّعوة.
صَنَعَ رَجُلٌ عَشاءً فاخِرًا، وَدعا إِلَيهِ كَثيرًا مِنَ النّاس، لكنَّ هؤلاء المدعوّون رفضوا الذهاب لم يكن يهمّهم العشاء أو المدعوين الآخرين أو دعوة الرَّبّ، لقد كانوا منهمكين بمصالحهم الشّخصيّة التي كانت أكبر من الدّعوة بالنسبة لهم: واحد اشترى حقلاً وآخر خمسة فدادين وآخر قد تزوّج، وبالتالي لم تكن هذه الدّعوة تحمل لهم أي ربح. لقد كانوا متعلّقين بمصالحهم لدرجة أنّها كانت قد حملتهم إلى نوع من "عبوديّة الرّوح" أي ليصبحوا غير قادرين على فهم مجانيّة الدّعوة.
إن كنا لا نفهم مجانيّة دعوة الله فنحن لا نفهم شيئًا. إنَّ مبادرة الله هي مجانيّة على الدّوام. قد يسألني أحدكم: "ولكن لكي نذهب إلى تلك الوليمة ماذا يجب علينا أن ندفع؟" بطاقة الدخول هي أن تكون مريضًا أو فقيرًا أو خاطئًا... هكذا فقط يمكنك أن تدخل، هذه هي بطاقة الدّخول: أن نكون معوزين نفسًا وجسدًا، أن نكون بحاجة للعناية والشفاء، بحاجة للحبّ... هناك موقفان إذًا: موقف الله، من جهة، والذي لا يجعلنا ندفع شيئًا بل يقول للخادم: "أُخرُج عَلى عَجَلٍ إِلى ساحاتِ ٱلمَديَنةِ وَشَوارِعِها، وَأَتِ إِلى هُنا بِالفُقَراءِ وَالكُسحانِ وَالعُميانِ وَالعُرجان"، وبالتالي نرى هذه المجانيّة التي لا تعرف حدود لأنَّ الله يستقبل الجميع؛ أمّا من جهة أخرى فنرى أسلوب المدعوّين في التصرُّف إذ لم يفهموا معنى هذه المجانيّة.
هؤلاء هم كالابن الأكبر في مثل الابن الضّال، الذي لم يُرِد أن يشارك في الوليمة التي أعدّها الأب لابنه الذي كان ضائعًا، لم يفهم، وبالتالي كان موقفه: لكن هذا قد بذّر جميع الأموال، بذّر الإرث في الرذائل والخطايا وأنت تقيم له احتفالاً؟ وهذا ما يكون أيضًا موقفنا أحيانًا: وأنا الملتزم الذي أقوم بواجباتي الدينيّة وأشارك في القدّاس كلّ يوم أحد، وأقوم بجميع هذه الأمور ألا يحقُّ لي بشيء؟ هذا لا يفهم مجانيّة الخلاص، ويعتقد أنَّ الخلاص هو ثمرة المنطق "أنا أدفع وأنت تخلّصني". أدفع بهذا وهذا... لا! الخلاص هو مجانيّ بالكامل، وإن لم تدخل في ديناميكيّة المجانيّة هذه فأنت لم تفهم شيئًا. الخلاص هو عطيّة من الله نُجيب عليها بعطيّة أخرى، بعطيّة قلبنا.
تابع الأب الأقدس متحدّثًا حول الذين يهتمّون بمصالحهم الشخصيّة وحسب، مشيرًا إلى أنّهم عندما يسمعون بكلمة هبة يفكّرون فورًا بما يجب أن يبادلوا به، لكنَّ الرب لا يطلب منّا شيئًا بالمقابل، فقط محبّة وأمانة تمامًا كما هو محبّة وأمانة، فالخلاص لا يمكن شراؤه، يكفي أن ندخل إلى الوليمة، "طوبى لِمَن يَتَناوَلُ الطَّعامَ في مَلَكوتِ الله": هذا هو الخلاص.
لكنَّ الذين لا يشعرون بأنَّهم مستعدّون للدخول إلى الوليمة، يشعرون بالثقة وبأنّهم يُخلَّصون على طريقتهم بدون الدخول إلى الوليمة: لقد فقدوا معنى المجانيّة ومعنى الحبّ. لقد فقدوا أمرًا كبيرًا وجميلاً جدًّا: لقد فقدوا القدرة على الشّعور بأنّهم محبوبون!
عندما تَفقِد – ولا أقصد القدرة على الحبّ لأنّ هذا الأمر يمكنك استعادته – بل القدرة على الشّعور بأنّك محبوب، تكون قد فقدت الرّجاء وفقدتَ كلَّ شيء؛ لنطلب من الرّبّ إذًا أن ينقذنا من فقدان القدرة على الشّعور بأنّنا محبوبون.
إذاعة الفاتيكان.