«كونوا دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن تَرُدُّوا على مَن يَطلُبُ مِنكم دَليلَ ما أَنتم علَيه مِنَ الرَّجاء». هذه هي الوصيّة التي يعلنها لنا الرَّسول بطرس (1بط3/ 15-18). وصيّة غريبة بقدر ما أنّها لا تأتي من بولس الرَّسول، اللاهوتيّ، المفكِّر، إنّما من بطرس، صيَّاد بحيرة الجليل.
بطرس، الإنسان المندفع، فهم جيِّدًا أنّه لا يمكننا أن نكون مسيحيِّين دون أن يكون لنا «دليل»، إن لم نشهد على الرَّجاء في حياتنا. أي بدون أي جهد ثقافي ليفهم ويمتلك إن صحَّ التّعبير، رسالة المسيح. هذه الوصيَّة تحذّرنا. فالإيمان ليس بصرخة في الفراغ.
وليس بمجرَّد مشاعر غامضة مُجرَّبة بشكلٍ حميمي وذاتيّ. كما أنّ الإيمان ليس بقفزة عبثيّة أو لاعقلانيّة وغير مبرَّرة. الإيمان لا يُقارن بالذوق الفنيّ الصَّعب مشاركته مع الآخرين.
علينا أن نكون قادرين على التحدُّث عن إيماننا بعبارات عقلانيّة وبطريقة يُمكن للآخرين أن يفهموا إلى أي درجة الرَّجاء المسيحيّ هو منظور خصب، مجزي ومقبول من قبل العقل المفكر. لا بدَّ من ذلك لأنَّ إيماننا هو جواب على كلمة موجَّهة لنا.
هذه الكلمة، ككلِّ كلمة ذات معنى، تعطينا رسالة يمكن للعقل أن يقبلها ويتبّناها. فالله يدعونا للدُّخول في عهدٍ معه بيسوع المسيح، وهذه الكلمة ككلِّ كلمة تتوجَّه لنا، تفترض أن نفهمها ونجيب عليها بكليتنا، بما فيه الفكر أو العقل.
على هذا المستوى الأساسيّ، كلام بطرس يبرر ذاته بشكلٍ كامل. الإيمان والرَّجاء معروضين علينا من خلال كلمة إلهيّة مليئة بالحكمة وتتطلّب جواب حرّ وعقلاني، في حال كانت هذه الكلمة تتكلّم لنا وتغذينا من حياتها.
يطلب بطرس الرَّسول أن «نكون دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن نرُدّ على مَن يَطلُبُ مِنا دَليلَ ما نحن علَيه مِنَ الرَّجاء». ولكن لكي نستطيع أن يكون لنا «دليل» على الرَّجاء الذي فينا أمام الآخرين، علينا أوّلاً أن نكون قادرين على ذلك أمام ذاتنا.
لذلك، علينا أن نكون قادرين على فهم ما نعلنه ونبشّر به. فالإيمان المسيحيّ يفترض إذن عمل شخصيّ جاد لتملك وهضم ما نؤمن به. علينا، بطريقة ما، أن نبشّر فكرنا وعقلنا، وإلاَّ لن نكون أمينين للخالق الذي وهبنا فكر وعقل. فمن حقّ وواجب المسيحيّ أن يفهم ما يؤمن به.
باختصار، الإيمان ينمِّي ذاته. عادة، ننمِّي ذاتنا في الفنّ أو في الرِّياضة أو، أو.... نتمرَّن لنمارس لغة أو أكثر أو لنمارس الرِّياضيَّات وغيرها. نبحث لكي نتقدَّم في عملنا. فلماذا يكون الأمر مختلف بخصوص الإيمان؟
كثير من المسيحيِّين يعتقدون أنَّهم مسيحيُّون لمرَّة واحدة، كما أنَّه لمرَّةٍ واحدة لنا أعين زرقاء أو سوداء. وكما أنّه بدون تمارين ننسى ممارسة هذا أو ذاك الأمر. كذلك الأمر، إن لم ننمّي الإيمان يموت! فهل نحن واعين لضرورة هذه المهمّة وهذا العمل على ذاتنا؟
كلّ واحد وواحدة يمكنه أن يتساءل: ماذا أعمل لكي أُنمي إيماني، أيّة قراءة للكتاب المقدّس، أو الكتب الرُّوحيَّة أو اللّاهوتيَّة، وفي أيَّة مجموعة فكريَّة وتأهيليَّة أشارك؟ لا شكّ أنَّ تثقيف إيماننا لا يتمّ بدون صعوبة.
كثير من المسيحيِّين يخشون هذا الأمر، أو يخافون منه، لأنَّ كلّ تأهيل فكريّ ينقل ويغيّر يقينياتنا أو يزعزع أحكامنا المسبقة التي لا نريد المساس بها. تثقيف إيماننا يجعلنا بالضرورة نتحرّك من مكاننا الفكريّ، ويحوّلنا، كما أنّه من المُمكن أن يكون هذا التحوّل مؤلم، ككلِّ نموّ.
إنّه ينتهي بنقلنا، لكن علينا بالمقابل أن نتوقع نمو يجعلنا نكبر في فهم أفضل ليسوع المسيح وفي حياة إنجيليّة أكثر حقيقيّة، فلا نتوقع الخسارة. وسائل هذا التثقيف أو التأهيل متوفرة اليوم في الكنيسة إلى حدٍّ ما.
فهل نستفيد منها من أجل حياة مسيحيّة حقيقيّة؟ أم نحن أسرى لخوف، خفيّ، من أن نرى أفكارنا تتلاشى، أفكار نعتقد أنّها الإيمان بالمسيح يسوع.
لكن هذا العمل هو الشّرط الأساسيّ لكي نستطيع أن نشهد لهذا الرَّجاء أمام الآخرين «لنكون دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن نرُدّ على مَن يَطلُبُ مِنّا دَليلَ ما نحن علَيه مِنَ الرَّجاء».. إن لم نكن واضحين ولو نسبيًا، بخصوص التزامنا في الإيمان، كيف يمكننا أن نقدم دليلاً للذين يجهلون جمال وعظمة إيماننا؟
فليعطينا روح الحكمة والمشورة التذّوق لهذا العمل الفكريّ الشَّخصيّ والدَّاخليّ لإيماننا. إذا وجدت كلمة الله الائتمان والقوّة لدينا، ستجد آنذاك كلمتنا وحياتنا الطرق السِّريَّة لدى غير المؤمنين لكي بدورهم يكتشفون عظمة رسالة المسيحيّ.
الأب رامي إلياس اليسوعيّ.