ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الاثنين الأول من كانون الثاني يناير 2018 القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس في عيد القديسة مريم أم الله واليوم العالمي الحادي والخمسين للسلام، وألقى عظة للمناسبة قال فيها:
تبدأ السنة باسم أم الله. أمّ الله هو اللقب الأهم للعذراء. أن نقول "أمّ الله" يذكّرنا بهذا الأمر: الله قريب من البشرية كطفل قريب من أمه التي تحمله في أحشائها.
لندع إنجيل اليوم يقودنا. تقال جملة واحدة عن أم الله "كانت تحفظ جميعَ هذه الأمور، وتتأمّلها في قلبها" (لوقا 2، 19). حفظت، ببساطة حفظت. مريم لا تتكلم. فالإنجيل لا ينقل أي كلمة لها في رواية الميلاد كلها. في هذا أيضًا كانت الأمّ متحدة مع الابن. كان يسوع طفلا، "بدون كلمة". هو الكلمة، كلمة الله، الذي تكلم قديمًا مرات كثيرة بوجوه كثيرة ( عبرانيين 1، 1) الآن ولمّا تمّ الزمان (غلاطية 4، 4) صار صامتًا. الله الذي نصمت أمامه هو طفل لا يتكلم. إن عظمته بلا كلام. سر محبته يتجلى في الصغر. هذا الصغر الصامت هو لغة ملوكيته. الأمّ تتحد مع الطفل وتحفظ بصمت.
الصمت يقول لنا إننا نحن ايضا، اذا ما أردنا أن نحفظ أنفسنا، نحتاج الى الصمت. نحتاج إلى التزام الصمت ناظرين إلى المغارة. لأنه أمام المغارة نكتشف مجددًا أننا محبوبون. نتذوق المعنى الحقيقي للحياة. وإذ ننظر بصمت نترك يسوع يتكّلم إلى قلبنا: ليَقض بصغره على غرورنا. ليُزعج فقره عظمتنا. ليحرّك حنانه قلبنا القاسي. إن ايجاد لحظة صمت يوميًا مع الله يعني الحفاظ على نفسنا، الحفاظ على تحررنا من سخافات الاستهلاك المدمرة ومن ضجيج الاعلانات ومن إنتشار كلمات فارغة وموجات عاتية للثرثرة والضوضاء.
إن مريم كانت تحفظ هذه الامور وتتأمل بها. ما هي هذه الأمور؟ كانت أفراحًا وأحزانًا: من جهة ميلاد يسوع ومحبة يوسف وزيارة الرعاة وليلة النور تلك. ومن جهة أخرى مستقبل غير أكيد وغياب المسكن، لأنه "لم يكن لهما موضعٌ في المضافة" (لوقا 2، 7). الأسى الناجم عن الرفض. وخيبة الأمل الناتجة عن اضطرارها لولادة يسوع في مذود. آمال ومخاوف، نور وظلام. كل هذه الأمور كانت تخالج قلب مريم. فماذا فعلت؟ لقد تأملت بها، عاينتها مع الله في قلبها. لم تحتفظ بشيء لنفسها، لم تحبس شيئًا في الوِحدة ولم تخنق شيئًا في المرارة، فقد حملتها كلها إلى الله. هكذا حفظت. فمن خلال الإيكال نحفظ: لا بترك الحياة فريسة للخوف، والقلق والخرافات. لا بالانغلاق على الذات أو محاولة النسيان، بل بجعْل كل شيء حوارًا مع الله. والله الذي يحبنا يأتي ليسكن في حياتنا.
هذه هي أسرار أمّ الله. حفظ الأمور بصمت وحملْها إلى الله. ويقول الإنجيل إن هذا كان يحصل في قلبها. القلب يدعونا للنظر الى جوهر الإنسان، العواطف والحياة. ونحن أيضا، كمسيحيين في مسيرة، في بداية هذا العام نشعر بالحاجة الى الانطلاق مجددًا من المحور، الى ترك أعباء الماضي خلفنا والبدء من جديد مما هو مهم. ها هي نقطة الانطلاق أمامنا اليوم: أمّ الله. لأن مريم هي كما يريدنا الله. كما يريد كنيسته: أمًا حنونة، متواضعة، فقيرة في الأشياء المادية لكن غنيّة بالمحبة، محرّرة من الخطيئة، متّحدة مع يسوع، تحفظ الله في قلبها، والقريب في حياتها. لننظر الى الأم كي ننطلق مجددًا. في قلبها ينبض قلب الكنيسة. وإذا أردنا التقدّم، يقول لنا هذا العيد، علينا أن نعود الى الوراء. أن نبدأ مجددًا من المغارة، من الأم التي تحمل الله بين ذراعيها.
لتحفظ الأم هذه السنة ولتحمل سلام إبنها إلى القلوب وإلى العالم.
إذاعة الفاتيكان.