إفتتح رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر السنة الطقسيّة الجديدة، في القدّاس الإلهيّ الذي احتفل به في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في وسط بيروت، يحيط به المونسنيور أنطوان عسّاف والأباء دومينيك لبكي وشربل بشعلاني وأيوب شهوان بمشاركة كهنة الأبرشيّة وممثليّ مؤسّساتها الآكاديميّة والتربويّة والمجالس واللجان الراعويّة والجمعيّات الخيريّة ولجان الأوقاف والأخويات والحركات الرّسوليّة والكشفيّة.
وبعد الإنجيل المقدّس ألقى المطران مطر عظة تحدّث فيها عن أزمنة الكنيسة، وقال:
أشكر الله معكم يا أبناء أبرشيّة بيروت وبناتها ومؤسَّساتها ورعاياها، على إنّه يُعطينا في كلّ عام روحيٍّ جديد، أن نلتقي في هذه الكنيسة الكاتدرائيّة، لنقدّم الذبيحة الإلهيّة على نيّة كلّ أبرشيّتنا في مطلع السنة الطقسيّة الجديدة. في الأول من كانون الثاني، نحيي رأس السنة الشمسيّة الطبيعيّة، وفي الأحد الأول من تشرين الثاني نُحيي بدء السنة الكنسيّة والرّوحيّة، سنة أعيادنا، ولهذا فهو إنطلاق جديد نشكر الله عليه، كما علينا واجب الشكر لسنة مضت بخير ونعمة على كلّ واحد منّا. نشكره للسنة الآتيّة التي يمنحنا إيّاها من فيض محبّته وكرمه، لنملأها محبّة وعمل صلاح وسيرًا في طريق القداسة المدعوُّون إليها جميعًا.
نسمّي الأحد الأول من السنة الطقسيّة الجديدة، أحد تقديس البيعة وتقديس الكنيسة. نعم، أيّها الأحبّاء، الكنيسة مقدّسة برأسها الذي هو يسوع المسيح والكنيسة ضعيفة بجسدها الذي هو نحن. ولكنّنا بمقدار ما نرتبط بالرأس بذلك المقدار يعطينا من قداسته ويملأنا برًا وصلاحًا. ألم يقل الربّ يسوع أنا الكرمة وأنتم الأغصان.
الغصن لا ماويّة منه ولا ماويّة فيه، إلّا من الكرمة ذاتها. هكذا نحن إذا إرتبطنا بيسوع المسيح، أخذنا ماويته وعاشت فينا القداسة. لذلك في كلّ عام نعود إليه تعالى، إلى الربّ يسوع المسيح ونقول له: قدّسنا يا ربّ، زدنا قداسة، أكرم علينا بنعمتك لنكبر أمامك ونعطي الثمار التي ترجوها منّا، لأنّك تكلّفنا عملًا ورسالة في هذه الحياة، نحبّ أن نقوم بها بحسب إرادتك أنت يا ألله، ساعدنا بنعمتك، وها هي الكنيسة تعطينا في كلّ عام أن نحيي سرّ خلاصنا من بدايته إلى نهايته، فنستفيد من إحياء هذا السرّ فندخل فيه ونتقدّس، إذا نبدأ من الأحد ألأول لشهر تشرين الثاني الإستعداد لعيد الميلاد المجيد.
الميلاد أوّل سرٍّ من أسرار خلاصنا. سرّ تجسّد الربّ، سرّ لبسه جسدًا، سرّ ضمّ الطبيعة البشريّة كلّها إليه. وبعد الميلاد نُحيي زمن الظهور، ظهور الربّ. لم يظهر الربّ يوم ميلاده، إلّا للرّعاة ظهورًا خفيًّا ولمريم ويوسف. ولكن عند عماده، أعلن نفسه للعالم أنّه المخلّص. فنحيا هذا الظهور ونقول: شمسك فلتظهر علينا يا الله ولتنر قلوبنا وحياتنا.
ثمّ تعطينا الكنيسة أن نحيي زمن الصوم والتوبة وسماع كلام الله، فنخلق من جديد لهذه الكلمة التي تُصبح نورًا لخُطانا وطريقًا لسبيلنا. ثمّ يأتي إحياء ذكر موت ربّنا وقيامته عربونًا لقيامتنا جميعًا بالمجد والكرامة.
ثم تُحيي الكنيسة زمن الرّوح القدس، بدءًا من العنصرة. وبعد ذلك ونهاية للسنة الطقسيّة نُحيي زمن الصّليب، أي زمن انتصار الصّليب في آخر الدّهر ومجيء الربّ ليدين الأحياء والأموات.
هكذا في كلّ عام نمرّ بهذه المحطات كلّها حتى نتقدّس، وحتى يزيد إيماننا رسوخًا وحتى تكبر محبّتنا وحتى لا يفقد الرّجاء طريقه إلينا ابدًا.
لهذا نأتي اليوم فنجدّد إيماننا بالربّ يسوع المسيح. تعالوا أيّها الإحبّاء، في بدء سنة طقسيّة جديدة، نقول مع بطرس: أنت هو المسيح ابن الله الحيّ. ربّي وإلهي أنت. مرشدي وطريقي، مقدّسي ومعلّمي إلى الأبد. رفيق الدرب ورفيق الخلاص، يا مَن دفعت دمك فداءً لأجلي. أنا من أجلك أعيش ومن أجلك أموت، ولك أقدّم حياتي كلّها، أيّها الربّ يسوع المسيح.
هذا معنى أن تتقدّس الكنيسة، أن تزيد قداسة، ولهذا جئنا من الأبرشيّة كلّها ممثلين عن الكهنة الأحبّاء خادمي رعاياكم، عن الشمامسة والشدايقة والإكليركيّين، عن الشّعب المؤمن في كلّ منطقة من مناطق الأبرشيّة، من الشّوف إلى عاليه إلى بعبدا والمتن الشمالي وإلى العاصمة العزيزة بيروت.
نحييكم ونصلّي معكم ومن أجلكم. كما أتيتم من مدارس الأبرشيّة وجامعاتها ومن مؤسّساتها المتعدِّدة التي هي في خدمة الجماعة كلّها. اللّجان العاملة في الأبرشيّة، لجان الدّعوات والعائلة والمرأة والشبيبة واالجان التي تعمل في الأمور الإجتماعيّة وأعضاء المجلس العامّ المارونيّ. كلّ هذه الهيئات ممثلة في هذا القدّاس، لتكون باسم الأبرشيّة مصليّة ضارعة من أجلها جميعًا، فتتحقق فينا كنيسة المسيح.
وفي المناسبة نصلّي، كلّنا، على نيّة أبرشيّتنا وعلى نيّة كنيستنا في العالم كلّه لتكون خميرة الدنيا، مقدّسة وبلا عيب، تطلب القداسة من جديد لأنّنا نعيش في الزمن الذي يحلحل الأمور. الزمن بحدّ ذاته يذهب بنا إلى الموت، لولا دخول المسيح في الزمن، فصار الزمن منفتحًا إلى الحياة والحياة الأبديّة. الزمن فيه غبار يجب أن ينفض عنّا، حتى تلمع صورتنا صورة المسيح فينا. لهذا نقول وبكلِّ تواضع: يا ربّ خلّصنا من أوهاننا كلّها، أوهان الجسد والرّوح، لنكون جددًا أمامك، آتٍ أنا إلى مذبح الربّ الذي يجدّد شبابي.
ونصلّي معكم على نيّة الوطن العزيز لبنان، الذي يمرّ بمحنٍ صعبة، وقد تعودنا عليها ولكنّه محروس بعين العناية الإلهيّة. ونحن بصلاتنا نحمي وطننا، لأنّ الصّلاة هي طلب من الله أن يكون هو الحامي وأن يكون هو الإله القدّوس بعين رعايته يرعانا.
ولذلك نقول: الربّ نوري وخلاصي فممَّن أخاف، الربّ حصن حياتي فممن أفزع. نصلّي على نيّة السّلام في المنطقة ولا سيّما في سوريا والعراق واليمن وفي الشرق العربي كلّه، حتى يهتدي إلى المسيح، إلى الحقّ، إلى كرامة الإنسان، إلى قبول الآخر، إلى التواضع والإنسانيّة الكريمة الحقّة في كلّ إنسان منّا.
هذه صلاة نرفعها كلّ يوم، لكنّنا في مطلع هذه السنة الطقسيّة نقول يا ربّ تلّم أمانينا كلّها لهذا العام وأحلّ سلامك فينا وباركنا، ولتكن بركة المسيح علينا جميعًا، على أبناء الأبرشيّة الحاضرين والغائبين أحياءً وأمواتًا، فنكون كلّنا كنيسة واحدة مقدّسة بالربّ يسوع المسيح، له المجد وعلينا الرَّحمة من الآن وإلى أبد الآبدين، أمين.
maronitesbeirut.org