عظة البطريرك في عيد العنصرة

متفرقات

عظة البطريرك في عيد العنصرة

 

 

 

عظة البطريرك في عيد العنصرة

"وامتلأوا كلّهم من الرّوح القدس" (أعمال 2: 4)

 

1. يروي كتاب أعمال الرسل أنّ "في اليوم الخمسين، بعد قيامة الربّ يسوع من بين الأموات، وجماعة الكنيسة النّاشئة مجتمعين في البيت، حدث فجأةً دويٌّ كريحٍ عاصفة، ملأت البيت، وظهرت ألسنة كأنّها من نار، فانقسمت ووقف على كل واحد منهم لسان. فامتلأوا كلّهم من الروح القدس. وأخذوا يتكلّمون بلغّات ولغّات غير لغّتهم، على قدر ما منحهم الروح القدس أن ينطقوا" (أعمال 2: 1-4).

 

إنّها العنصرة عيد معموديّة الكنيسة الناشئة، على ما قال الربّ يسوع لرسله قبيل صعوده إلى السماء (راجع أعمال 1: 5). فالروح الذي سيحلّ عليهم، يهبهم القوّة ليكونوا شهودًا له حتى أقاصي الأرض (راجع أعمال 1:8).

 

2. هذا العيد اختارته محطّة تيلي لوميار ليكون عيدها التأسيسي، والتزامها بلغّة الروح: المحبّة والحقيقة. فيسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة، إحياءً لعيد حلول الروح القدس في اليوم الخمسين، وللعيد السابع والعشرين لتأسيس تيلي لوميار، والرابع عشر لتأسيس فضائيّتها نورسات، ولذكرى إطلاق مجموعة فضائيّاتها. وقد قاد الروح القدس هاتين المحطّتين ومجموعة الفضائيّات، فتمكّنت من الشهادة للمسيح، بنقل كلمته وتعليم الكنيسة ورسالتها إلى القارّات الخمس. فكان الروح يحيي بذار الكلمة في قلوب المشاهدين، مثلما يلقي الزارع زرعه في الأرض (راجع متّى 13: 3).

 

3. إنّنا نقيم هذا الاحتفال المقدّس بدعوة كريمة من مجلس الإدارة الذي نحيّيه برئيسه وكلّ أعضائه، والجمعيّة العموميّة بسائر أعضائها، وجميع الذين يسخون من مالهم الخاصّ للتمويل وكلّ المحسنين. وإنّنا نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة على نيّتهم كي يعوّض الله عليهم، ويكافئهم بفيض روحه القدّوس بمواهبه السّبع، وبنعم الخير والنجاح عليهم وعلى عائلاتهم. ونذكر بصلاتنا كلّ العاملين والموظّفين والمشاركين في إعداد مختلف البرامج. كما نذكر المحسنين الذين سبقونا إلى بيت الآب. ونرفعها ذبيحة شكر لله على حفظ محطّتَي تيلي لوميار ونورسات والفضائيّات الأحد عشر بعنايته القدّوسة، وعلى الخير الروحي الذي ينعم به المشاهدون. ونلتمس أنوار الرّوح القدس على هذه المسيرة الرساليّة، من أجل الإستمراريّة في نشر الكلمة الإنجيليّة بالسبل الملائمة للظروف الراهنة والتحديات والمتغيّرات.

 

4. وإنّي إذ أرحّب بكم جميعًا: أسرة تلي لوميار-نورسات، والوفد الآتي من رعيّة السيدة في التبّانه-طرابلس. ونحيّي بنوع خاص أشقّاء وشقيقات المرحوم الخورسقف بولس نصرالله، الذي تعاونت معه كنائب عام في أبرشيّة جبيل العزيزة طيلة إحدى وعشرين سنة، وبأولاد المرحومة أمل الحوّاط صقر وأنسبائها. إنّنا نذكرهما بصلاتنا راجين لهما الراحة الأبديّة في السماء، ولعائلتَيهما العزاء الإلهي.

 

5. "وامتلأوا من الرّوح القدس" (أعمال 2: 4). لقد ظهرت عناصر ثلاثة رافقت هذا الامتلاء، كعلامات خارجيّة لعمل الروح في داخل المؤمنين. وهي الرّيح العاصفة، والألسنة من نار، والنطق بلغّات.

 

الريح العاصفة التي دوَّت في البيت هي علامة قوّة الروح القدس التي تنعش وتحيي وتبدّل. الألسنة من نار التي استقرّت على رؤوسهم تدلّ على المواهب التي يوزّعها الروح القدس، وفقًا لقدرة كلّ شخص ولحاجات الجماعة، وعلى مواهبه السّبع: الحكمة الفهم والعلم لإنارة العقل والإيمان، والمشورة والقوّة لتثبيت الإرادة والرجاء، والتّقوى ومخافة الله لإذكاء المحبّة في القلوب. أمّا النّطق باللّغات فيعني أنّ الرّوح يضع على ألسنتنا النّطق بلغة المحبة والحقيقة. وهي لغّة يفهمها جميع الشعوب. فالروح القدس هو "روح الحقّ" الذي يهدي إلى الحقيقة كلّها (يو 16: 13). وهو محبّة الله المسكوبة في قلوبنا.

 

6. من ثمار حلول الروح القدس، الفرح في القلب، وهو فرح لا ينتزعه حزن، ولا مصاعب الدهر، لأنه ينبثق من الرجاء ومن محبّة الله. فالربّ يسوع يسمّي الروح القدس "بالمعزّي" و"المؤيّد"؛ باليونانية "برقليط"، لأنّه يقف إلى جانب المؤمن: في الشدّة يقوّيه، في التجربة ينصره، في الضياع يهديه. فعل الروح القدس هذا فينا يدعونا لقبوله والشهادة له بأعمالنا ومبادراتنا التي تولّد الفرح في القلوب.

 

إنّنا في مناسبة العيد، نعيش بوادر فرح هي من ثمار الروح، أعني اتّفاق الكتل السياسية والنيابية على قانون جديد للانتخابات. نرجو أن يقرّه المجلس النيابي في دورته الاستثنائية. وإننا نصلي كي يُتمّ الروحُ القدس هذا الفرح، فتنتقل السلطة السياسية، بفضل هذا التوازن الجديد، إلى معالجة الشؤون الاقتصادية والمعيشية والإنمائية العالقة، وإلى معالجة تداعيات وجود المليونَي نسمة من النازحين واللاجئين، فإلى استكمال الوحدة الوطنيّة اللّازمة لإعطاء لبنان المناعة الضرورية بوجه الاهتزازات الكيانيّة في المنطقة.

 

7. لكنّ الرّب يسوع يشترط، لقبول الرّوح القدس، أن "نحبّه حافظين وصاياه". لا لأنّه بحاجة إلى محبّتنا، بل لأنّنا نحن بحاجة لأن نحبّه، ونسير في طريق وصاياه، لكي ننال الخلاص. فالوصايا طريقنا إلى الله وإلى خلاصنا الأبدي.

 

أمّا وصيّة المحبّة للمسيح فتظهر في محبّتنا بعضنا لبعض، كما ينبّهنا يوحنّا الرّسول: "إن قال أحدٌ: أنا أحبّ الله، وهو يكره أخاه، فهو كاذب. لأنّ الّذي لا يحبّ أخاه وهو يراه، لا يقدر أن يحبّ الله وهو لا يراه" (1 يو 4: 2). وأضاف: "لا تكن محبّتنا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق" (1 يو 3: 18).

 

8. ويكشف لنا الرّب يسوع في إنجيل اليوم مفاعيل الرّوح القدس عندما يحلّ على المؤمنين: إنّه يجعلهم أبناءً وبنات لله، فلن يكونوا يتامى (الآية 18)؛ ويحييهم بالحياة الجديدة، حياة المسيح القائم من الموت (الآية 19)؛ ويدخلهم في شركة الإتّحاد بالله الواحد والثالوث، والوحدةِ فيما بينهم: "أنا في أبي، وأنتم فيّ، وأنا فيكم" (الآية 20).

 

9. وإنّنا، إذ نسجد للآب والإبن والروح القدس، نرفع نشيد المجد والتسبيح لمحبّة الآب التي تظلّلنا، ولنعمة الإبن التي تخلّصنا، ولشركة وحلول الروح القدس الذي يحيينا ويوحّدنا، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

موقع بكركي.