عظة البطريرك الرّاعي - كاتدرائيّة مار جرجس بيروت

متفرقات

عظة البطريرك الرّاعي - كاتدرائيّة مار جرجس بيروت

 

 

 

"وقف يسوع في الوسط وقال لهم: السّلام لكم" (لو36:24)

 

 

 

          فخامة الرّئيس،

 

 

 

 

      1. إنّه لفرحٌ كبير أن تكونوا على رأس المحتفلين بيوبيل المئة وخمس وعشرين سنة لتأسيس كاتدرائيّة مار جرجس، هنا في وسط العاصمة بيروت، بدعوةٍ من سيادة أخينا المطران بولس مطر، راعي الأبرشيّة. إنّ قيامها في الوسط هو قيام المسيح نفسِه في وسط المدينة بكلامه الحيّ، وبذبيحة جسده ودمه ووليمتها السّريّة، وبالجماعة المصلّية مع الأسقف والكهنة.

 

 

 

 

 

      إنّ وجودكم، فخامة الرّئيس، مع هذه الكوكبة من الرّؤساء الرّوحيّين واللبنانيتين الأوليين السابقتين وأصحاب الدّولة والمعالي والسّعادة، والمؤمنين والمؤمنات، يضفي على العيد رونقًا جميلًا، ومعاني رفيعةً. فأنتم، كرئيس للبلاد، إنّما تقفون "في الوسط" بحيث تتّجه إليكم أنظار اللّبنانيّين وآمالهم، ولاسيّما في هذه الظّروف السّياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة الصّعبة. وهي أوضاع نعيشها، إذ بعضها متأتٍّ من الدّاخل بنتيجة الحرب اللّبنانيّة المشؤومة ونتائجها، والبعض الآخر من نتائج الحروب والأزمات الدّائرة في بلدانٍ من المنطقة، ومن سياسة دوليّة لا تتلاءم وموجبات السّلام والاستقرار والنّموّ.

 

 

 

 

 

      إنّنا نذكركم مع المسؤولين السّياسيّين ومعاونيكم في المؤسّسات الدّستوريّة، بالصّلاة إلى الله كي يؤيّد مساعيكم الخيّرة ونواياكم الطّيّبة في قيادة سفينة الوطن إلى ميناء الاستقرار والنّموّ والازدهار.

 

 

 

      2. يسوع القائم من الموت، تراءى لتلاميذه في مساء أحد قيامته، فوقف في وسطهم، فيما الأبواب موصدة. أعطاهم سلامه وكشف لهم هويّته: صلبه لفداء العالم، وقيامته لبثّ الحياة الجديدة في الإنسان. هويّته هذه أصبحت هويّة الكنيسة والمسيحيّين، وهي المشاركة في آلام الفداء، وإنعاش المجتمع البشريّ بالرّوح الجديد.

 

 

 

 

 

 

      3. "لقد وقف يسوع في الوسط وقال لهم: السّلام لكم" (لو36:24). "وقوفه" يعني حضوره الدّائم في الكنيسة، جماعة المؤمنين، وهو رأسها. معها يصلّي كرأس، ومن أجلها ككاهن، ويستجيب لها كإله، على ما يقول القدّيس أغسطينوس. إنّه "في وسط الكنيسة" يقودها بسلطانه الذي يمارسه بإسمه وبشخصه رعاة الكنيسة البشريّون. وهي ممارسة تقتضي منهم أن يعكسوا وجهه وتعليمه ومحبّته.

 

 

 

 

      أمّا تحيّة "السّلام لكم" (لو36:24) فتعني انتصار المسيح الفادي على الموت بقيامته. ليست مجرّد تحيّة اجتماعيّة، بل تعني هبة السّلام التي يعطيها هو، والتي ليست كالسّلام الذي يعطيه العالم (يو27:14)، لأنّه سلام القلب والضّمير. المسيح يعطيه، لأنّه "هو سلامنا" (أفسس 14:2)، بحسب تعليم القدّيس بولس الرّسول.

 

 

 

 

      4. هذا السّلام المعطى لجماعة التّلاميذ إنّما معطى للكنيسة ولكلّ واحدٍ وواحدةٍ منّا لننشره في العائلة والمجتمع والدّولة. إنّه سلامٌ روحيّ مع الله بالأمانة لوصاياه وإنجيله وتعليم الكنيسة؛ وسلامٌ اجتماعيّ بالعيش معًا باحترام وتعاون وتضامن؛ وسلامٌ سياسيّ بتحقيق الخير العام، وتأمين الحقوق الأساسيّة لجميع المواطنين: من تعليم وصحّة وعمل وسكن وإنشاء عائلة مكتفية.

 

 

 

 

 

      السّلام هو رسالتنا وجوهر ثقافتنا ورباط اتّحادنا بالله: "طوبى لفاعلي السّلام، فإنّهم أبناء الله يدعون" (متى9:5).

 

 

 

 

      5. في هذا المفهوم اللّاهوتيّ يندرج بناء كاتدرائيّة مار جرجس في وسط العاصمة، مثل سواها من الكنائس، كعلامة رجاء بالمسيح فادي الإنسان، وعلامة حضوره الفعليّ والفاعل وسط الجماعة البشريّة، وعلامة انتصار القيامة على الموت، والنّور على الظّلمة، والمحبّة على البغض، والعدالة على الظّلم، والنّعمة على الخطيئة.

 

 

 

 

      6. هذه كانت نيّة المطران يوسف الدّبس الذي بناها مستوحيًا هندسة بازيليك مريم الكبرى في روما، ودشّنها في عيد الشّعانين سنة 1894. وها نحن اليوم في ذكراها السنوية المئة وخمس وعشرين. وكان سيادة راعي الأبرشيّة المطران بولس مطر قد أعاد ترميمها بعد استشهادها في الحرب اللّبنانيّة المشؤومة، وأعاد إليها جمالها بالتّعاون مع عدد من المحسنين، ودشّنها بقدّاس احتفاليّ أقامه المثلّث الرّحمة سلفنا البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير في 24 نيسان 2000. وهذه كانت نيّة المطران طوبيّا عون الذي اشترى العقار المبنيّة عليه، وبنى أقبيتها، وباشر بوضع أساساتها، وتوفي قبل تحقيق البناء. بل تعود النيّة الأساسيّة إلى الخوري مخايل فاضل، الذي أصبح فيما بعد مطرانًا لأبرشيّة بيروت، وبطريركًا على الكنيسة المارونيّة. فهو أسّس كنيسة مار جرجس القديمة سنة 1753 بإرادة البطريرك سمعان عوّاد. ولم تكن بعيدة عن مكان الكاتدرائيّة الجديدة. فاستمرّت حتّى بناء هذه الأخيرة. أمّا اليوم فغابت معالمها مع ما هدمته الشّركة العقاريّة مؤخّرًا.

 

 

 

 

 

         فخامة الرّئيس،

 

 

      7. هذه الكاتدرائيّة الجميلة التي قامت من ركام الموت وعادت إلى زمنها الجميل، مثل مثيلاتها من الكاتدرائيّات والكنائس في وسط العاصمة، إنما تبقى دعوة الرّجاء لنهوض لبنان من "ركام" أزماته: الخلافات السّياسيّة، الموازنة كعامل أساس للاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، تماسك الأمن ودعم مؤسّساته وأجهزته عناصر وعتادًا، حماية القانون والعدل كأساس للاستقرار واجتذاب المستثمرين ورؤوس الأموال وتحريك الدّورة الاقتصاديّة المتكاملة. أجل، فخامة الرئيس، العودة بلبنان إلى زمانه الجميل ممكنة بفضل قدرة أبنائه وطاقاتهم، وبقيادتكم الحكيمة مع سائر المسؤولين في البلاد.

 

 

 

      نسأل الله بشفاعة القدّيس جورجيوس، صاحب المقام، وقاتل "تنّين" أصنام زمانه، أن يعضدكم في قتل "تنّين" أصنام الفساد والمال ونفوذ الأشخاص لغير صالح الدّولة والشّعب، لمجد الله والواحد والثّالوث الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

 

 

 

 

 

موقع بكركي.