وصلّى يسوع: "أحمدك يا أبتِ، يا سيّد السّماء والأرض" (متى 11: 25).
1. في ختام أعمال سينودس أساقفة كنيستنا البطريركيّة المقدّس، يأتي كلام الرّب يسوع في إنجيل اليوم، ليدخلنا في جوهر هذه الأعمال ضمن الخطّ المثلّث الّذي يرسمه لنا ربّنا يسوع، وهو الصّلاة، وكشف الحقيقة، والدّعوة.
2. صلّى الرّب يسوع صلاة الشّكر للآب: "أحمدك يا أبتي، لأنّك كشفت هذه الأمور". ها نحن نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية، صلاة شكر لله على ما كشف لنا في هذا الأسبوع من شؤون تختصّ بخدمتنا الرّوحيّة والرّاعويّة والاجتماعيّة والوطنيّة. لقد تلقينا بانفتاح العقل والقلب وروح البنوّة، وبتجرّد من الذّات والادّعاء ما علّمنا الرّب. فكان لنا زادًا نعود به إلى أبرشيّاتنا، لنتقاسمه مع أبنائها وبناتها، من إكليروس وعلمانيّين. وقد ضمّناه في البيان الختامي. إنّ قدّاسنا اليومي هو تواصل لصلاة الشّكر إلى الله على ما يوحي لنا ويعلّمنا كلّ يوم، وعلى نعمته الّتي تقدّسنا وتقوّينا.
3. وكشف الرّب يسوع لتلاميذه إنّه هو وحده يُظهر وجه الآب للعالم، وإنّه هو والآب في جوهر واحد. فمن عرف الابن عرف الآب، كما قال الرّب يومًا لفيليبّس الرّسول: "من رآني رأى الآب" (يو 14: 9). إنّ حياتنا سعي دائم إلى معرفة المسيح معرفة حقيقيّة معمّقة، لكي نعيش في نور الحقيقة الّتي كشفها للعالم. فعندما نعرف المسيح، نعرف الله، ونعرف معنى الإنسان، المخلوق على صورة الله، بل يعرف كل واحد وواحدة منّا معنى حياته. من هذه المعرفة ننطلق لنقوم برسالتنا الجوهريّة الّتي أوكلها إلينا المسيح الرّب بحكم دعوتنا الأسقفيّة. وهي أن نعلّم النّاس سرّ المسيح عبر الكرازة بإنجيله وتعليم الكنيسة، لكي يبلغوا جميعهم إلى معرفة الله والحقيقة وينالوا الخلاص.
4. ووجّه الرّب يسوع الدّعوة إلى تلاميذه، ومن خلالهم إلى كلّ إنسان وإلى جميع الّذين يعانون روحيًا أو ماديًا أو معنويًا، وسمّاهم "بالتّعبين والثّقيلي الأحمال"، للمجيء إليه، فيجدوا راحتهم في مدرسته، مدرسة الوداعة والتّواضع. وقد استعمل صورة النّير المستعملة في الكتاب المقدّس للدلالة على العلاقة بين الخادم وسيّده، وبين التلميذ ومعلّمه. وهي تعبير عن الخضوع والطّاعة لإرادة الله الّذي لا يبتغي سوى خير الإنسان وسعادته وخلاصه. إن أساس علاقتنا بالله إنّما هو "الوداعة وتواضع القلب". وهما بالتّالي أساس علاقاتنا الاجتماعيّة في العائلة والكنيسة والدّولة.
5. الصّلاة وكشف الحقيقة والدعوة، هذه الثّلاث تشكّل أسلوب الحياة. نحن كرعاة في أبرشيّاتنا والكنيسة نرفع كلّ يوم باسم شعبنا صلاة الحمد لله على جميع نعمه، ونعمل جاهدين على تعليمهم حقيقة الله والإنسان والتّاريخ، وندعوهم إلى ينابيع الرّاحة من تعبهم وقلقهم في شخص المسيح وكلامه، وفي ما توفّر لهم الكنيسة، بتنوّع مؤسّساتها، من أساليب خدمة وراحة، باسم المسيح.
6. هذا الأسلوب المثلّث مطلوب على مستوى الدّولة، من الحكّام والمسؤولين السّياسيّين. فهم بحاجة إلى وقفة صلاة يوميّة وجيزة للإقرار بجودة الله، والتماس أنوار حكمته، ونعمته الّتي تقوّي وتقدّس، لكي يعملوا من أجل الخير العام والعدالة ونموّ الإنسان والمجتمع. إذا مارسوا مسؤوليّاتهم ظلمًا واستبدادًا وقهرًا وإهمالاً وسعيًا إلى مصالحهم الشّخصيّة والعائليّة والفئويّة، خانوا وظيفتهم والأمانة الّتي أوكلها الشّعب إليهم.
أمّا الآن، وقد انتُخب مجلس نيابي جديد، وفيما الكلّ ينتظر تأليف حكومة جديدة تكون على مستوى التحدّيات؛ وفي مقدّمتها النّهوض الاقتصادي، والقضاء على الفساد بكلّ أنواعه، والإصلاحات في الهيكليّات والقطاعات وتأمين فرص العمل، وتحديث القوانين وتحفيز النموّ من كلّ جوانبه، إذا بنا نفاجأ ببعض المسؤولين السّياسيّين يتراشقون الإساءات الحادّة الّتي لا تبشّر بالخير، بل تخلق المزيد من خيبات الأمل في الإصلاحات الّتي تنتظرها الدّول الصّديقة الدّاعمة، وأوّل إصلاح هو الإداء السّياسي الّذي يشكّل الأساس لكل إصلاح. فعندما تصلح الذّات الشّخصيّة، تصلح المؤسّسات، وتصلح الأقوال والأفعال. وفي آخر المطاف يتمّ تأليف الحكومة الموعودة. وفي كلّ حال يبقى رجاؤنا الوحيد في عناية الله.
7. وفيما نحمد الله على كلّ شيء، نرفع نشيد الشّكر الدّائم والتّسبيح للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.