عظة البطريرك الراعي - عيد رأس السنة

متفرقات

عظة البطريرك الراعي - عيد رأس السنة

 

 

 

 

عظة البطريرك الراعي - عيد رأس السنة

 

"سُمّي يسوع، كما سمّاه الملاك قبل أن يُحبل به"(لو2: 12)

          

1. عندما أبان الملاك ليوسف في الحلم أنّ "المولود من مريم إنما هو من الروح القدس"، قال له: "سمِّه يسوع، لأنّه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى1: 20-21). وسبق وقال الملاك لمريم في البشارة: "ستحملين وتلدين ابنًا، وتسمّينه يسوع، لأنّه يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى" (لو1: 31-33). إنّ اسم يسوع يعني "الله الذي يخلّصنا من خطايانا، ويشركنا في مُلكه الذي يدوم إلى الأبد. هذه هي أبعاد كلمة لوقا الإنجيلي: "سُمّي يسوع، كما سمّاه الملاك قبل أن يُحبل به" (لو2: 12).

 

2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيّا الإلهيّة، ونحن نفتتح السنة الجديدة 2018 في يومها الأوّل، المعروف بعيد رأس السنة. فيطيب لي أن اقدّم التهاني القلبية باسم اخواني السادة المطارنة والتمنيات لكم ولكلّ اللبنانيين، ولجميع أبناء كنيستنا حيثما وُجدوا، أكانوا في النطاق البطريركي، المعروف ببطريركية انطاكية وسائر المشرق، أم كانوا في بلدان القارات الخمس. نلتمس من الربّ يسوع، الإله المخلّص، أن يفيض على الجميع نعم خلاصه: الروحية والمادية والمعنوية، الاقتصادية والسياسية والامنية.

 

3. في هذا اليوم الأوّل من السنة، اختاره الطوباوي البابا بولس السادس سنة 1967، ليكون يوم السلام العالمي. مذ تلك السنة، راح هو والبابوات خلفاؤه يوجّهون رسالة خاصّة بهذا اليوم. وجريًا على العادة، وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة ليوم السلام العالمي أوّل كانون الثاني 2018 بعنوان: "مهجَّرون ولاجئون: رجال ونساء يبحثون عن السلام". لقد دعت اللّجنة الأسقفية "عدالة وسلام" التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان"، للاحتفال بهذا اليوم الاحد المقبل 7 كانون الثاني في كنيسة الكرسي البطريركي في بكركي.

 

4. "سُمّي يسوع". كلمة "يسوع" مشتقّة من اللفظة الآرامية-السريانية "يشوع" وتعني "الله هو الخلاص" أو "الله يخلّص". هذا الاسم يتضمّن هوية يسوع ورسالته. وبما أن "الله وحده قادر على مغفرة الخطايا"، كما اعترض علماء الشريعة على يسوع الذي قال للمخلّع مغفورة لك خطاياك" (مر2: 5-6). فها هو الله، بشخص يسوع ابنه الازلي الذي صار إنسانًا، "يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى1: 21).

 

اسم يسوع يعني أنّ اسم الله نفسه حاضر في شخص ابنه الذي صار إنسانًا من أجل الفداء الشامل والنهائي. إنه الاسم الإلهي الذي وحده يحقّق الخلاص. أجل، على ما يقول بطرس الرسول: "لا يوجد تحت السماء اسم آخر أُعطي للناس، نقدر أن نخلص به" (أعمال 4: 12) (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 430 و432).

 

5. أصدر مجمع عقيدة الإيمان، في حاضرة الفاتيكان، إعلانًا بعنوان: "الربّ يسوع، حول وحدانية الخلاص وشموليته في يسوع المسيح والكنيسة". يرتكز هذا الإعلان على الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد، وعلى تعليم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني وسواه، ويؤكّد إيمان الكنيسة الثابت:

 

إنّها تؤمن بأنّ يسوع المسيح، الذي مات وقام من أجل الجميع (1كور5: 15) يقدّم للإنسان، بواسطة روحه القدوس، الخلاص والنور والقوة ليستطيع أن يجاوب على دعوته السامية.

 

الكنيسة تؤمن بأن "ما من اسم غير اسم يسوع تحت السماء أُعطي للناس كي يخلصوا به"، على ما أعلن بطرس الرسول (أعمال4: 12).

 

والكنيسة تؤمن بأن إرادة الله، الواحد والثالوث، الخلاصية الشاملة قد ظهرت وتمّت مرّة واحدة في سرّ تجسّد ابن الله وموته وقيامته.

 

والكنيسة تؤمن بأنّ بدايةَ تاريخ كلّ إنسان، ونقطةَ ارتكازه، وغايتَه هي بيد المسيح سيّدها ومعلّمها (إعلان الرب يسوع، 13-14).

 

6. انطلاقًا من هذا الإيمان، لا يعلو أحد على يسوع المسيح من الآلهة والأرباب والمتألّهين البشريّين. أما عندنا نحن، يكتب بولس الرسول، فليس إلا واحد وهو الآب، منه كلّ شيء وإليه نحن أيضًا نصير، وربٌّ واحد وهو يسوع المسيح، كلّ شيء به، وبه نحن أيضًا" (1كور8: 5-6). وكتب: "الله يريد أن يخلّص جميع البشر، ويبلغوا إلى معرفة الحق، لأن الله واحد، والوسيط بين الله والناس واحد، هو الإنسان يسوع المسيح الذي جاد بنفسه فدىً عن جميع الناس" (1طيم2: 4-6).

 

7. بالارتكاز على هذا الإيمان، جميعنا مدعوّون للسعي إلى الخلاص بيسوع المسيح، بواسطة الكنيسة التي جعلها الرّب أداة الخلاص الشامل، إذ ائتمنها على كلامه وتعليمه، وعلى أسرار الخلاص السبعة، وعلى رباط المحبة بالروح القدس.

 

ولأنّنا مخلَّصون بالمسيح، من واجبنا أن نعمل لخلاص الجميع بكلّ أبعاده: الخلاص الروحي من حالة الخطيئة بتقديس الذات بنعمة الأسرار؛ والخلاص المعنوي من الحزن والكآبة واليأس والضياع بالتقرّب من الذين يعانون من هذه الحالات؛ والخلاص المادّي من الفقر والعوز والحرمان، بمبادرات إنمائيّة ومساعدات وإيجاد فرص عمل وإنتاج؛ والخلاص السياسي من التسلّط والظلم والاستئثار بالسلطة، بوجود سلطة سياسية تتحلّى بالمسؤولية والنزاهة والتجرّد، وتسهر على تعزيز الديموقراطية وحماية حقوق المواطنين وتفعيل أجهزة الرقابة، وتعمل على استئصال الفساد والرشوة والسرقة وهدر المال العام.

 

المسيح بفعل الخلاص يجمعنا في واحد، لكي نبني الوحدة بين الناس، في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. فالنزاعات والخلافات، مهما كان نوعها وأسبابها، إنما تناقض الهوية المسيحية ورسالتها، إذا ما استمرّت، هذه الخلافات من دون أية محاولة لحلّها، أو إذا أُجّجتْ نارها.

 

8. إنّنا نبدأ هذا اليوم الأوّل من العام الجديد 2018، باسم يسوع، بحيث نسعى دائمًا إلى خلاصنا وخلاص سوانا بنعمة المسيح، وإلى توطيد السلام على أسسه الأربعة: العدالة والحقيقة والحرية والمحبة، لمجد الله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس، وتسبيحه وشكره الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي - عيد رأس السنة - بكركي