عظة البطريرك الرّاعي - الأحد السادس من زمن القيامة

متفرقات

عظة البطريرك الرّاعي - الأحد السادس من زمن القيامة

 

 

 

 

 "هكذا مكتوب أنّ المسيح يتألّم ويقوم من بين الأموات" (لو46:24)

 

 

 

 

      أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

 

 

 

 

      1. ترائي يسوع لتلاميذه في أحد قيامته، وهم كهنة العهد الجديد ونواة الكنيسة النّاشئة، يتّصف بالطّابع القربانيّ. ففيه عناصر القدّاس الخمسة الذي تحتفل به الجماعة المؤمنة مع كاهنها في يوم الأحد. هذه العناصر هي ليتورجيّا الكلمة، وليتورجيّا القرابين، وذبيحة جسد الرّبّ ودمه، والمناولة، والإرسال للشّهادة. أمّا الحاضر الأساس والفاعل فهو الرّبّ يسوع، الكاهن الأسمى "وراعي الرّعاة العظيم" (1بط4:5). وهو الذي تشهد له الكنيسة أنّه مات لفدائنا وقام من بين الأموات لتقديسنا.

 

 

 

      2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الذّبيحة الإلهيّة التي نستعيد مفاهيمها من ترائي الرّبّ يسوع في إنجيل اليوم. ويطيب لي أن أحيّيكم جميعًا وبخاصّة الوفد من آل صفير الكرام لتجديد الصّلاة لراحة نفس سليل العائلة أبينا المثلّث الرّحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس، والوفد من ثلاث رعايا بلجيكيّة مع الأب روفايل عون الأنطوني، ووفد عيلة مار شربل من بولندا، وهيئة الحقّ للجميع. كما أحيّي عائلة المرحوم أديب الحايك الذي ودّعناه منذ شهر.

 

 

 

 

 فنجدّد التّعازي لزوجته وأولاده وسائر أنسبائه، ونصلّي لراحة نفسه. وقد تعاونّا معه في إدارة وقف مار زخيا وبناء الكنيسة الجديدة في عمشيت، أثناء خدمتي الرّاعويّة في أبرشيّة جبيل العزيزة.

 

 

 

 

      3. في ترائي يسوع القربانيّ يتّضح سرّ القربان في ذبيحة القدّاس المؤلّفة من خمسة عناصر متكاملة وغير متجزّئة.

 

 

 

      أ- ليتورجيّة الكلمة: يسوع يلقي على التّلاميذ كلمته التي جاءت في "توراة موسى والأنبياء والمزامير، وقيلت كلّها عنه" (الآية 44). ثمّ "فتح أذهانهم ليفهموا الكتب" (الآية 45). في القدّاس نسمع كلمة الله في القراءات والعظة والأناشيد والمزامير والصّلوات. في كلّ ذلك هو المسيح يكلّمنا ويفتح أذهاننا بأنوار الرّوح القدس لنفهم كلامه.

 

 

 

 

      ب- ليتورجيّة القرابين: في النصّ الإنجيليّ قدّم التّلاميذ ليسوع سمكًا مشويًّا وشهد عسل، ونحن في القدّاس نقدّم من ثمار الأرض الخبز والخمر اللّذين يحوّلهما الرّبّ إلى جسده ودمه، ونقدّم معها ذواتنا وأعمالنا الصّالحة وأتعابنا وأفراحنا وآلامنا من أجل تقديسها.

 

 

 

      ج- الذّبيحة القربانيّة: في القدّاس تتحقّق الآن وهنا ذبيحة الصّليب لفدائنا وفداء العالم، وهي ذبيحة سرّيّة حقيقيّة، غير دمويّة، تحت شكلَي الخبز والخمر المحوَّلَين إلى جوهر جسد المسيح ودمه. أمّا في ترائي يسوع للتّلاميذ، فكان هو هذه الذّبيحة الدّائمة، إذ "أراهم يديه ورجليه" الحاملة أثر الصّلب والفداء.

 

 

 

      د- الوليمة السّرّية: في القدّاس الإلهيّ نتناول جسد الرّبّ ودمه للحياة الجديدة والاتّحاد الكامل بالمسيح. أمّا في التّرائي فقد أعطى يسوع ذاته لتلاميذه بحضوره معهم ولهم، وبقوله: "السّلام لكم". لأنّ هذا السّلام هو المسيح إيّاه، على ما يقول بولس الرّسول (أفسس 14:2).

 

 

 

 

      ه- الإرسال: في ختام ترائي الرّبّ يسوع للتّلاميذ، أرسلهم "ليكرزوا باسمه بالتّوبة لمغفرة الخطايا، في جميع الأمم، ابتداءً من أورشليم، وجعلهم شهودًا لموته وقيامته" (الآية 48). هكذا نحن عندما نعود إلى بيوتنا ومكان عملنا وممارسة مسؤوليّتنا بعد القدّاس الإلهيّ، إنّما "يبدأ قدّاسنا" كما كان يقول للمؤمنين القدّيس فيليب نيري في ختام قدّاسه: "إذهبوا! إنتهى قدّاس يسوع والكنيسة، وبدأ قدّاسكم".

 

 

 

 

      4. إنّ عناصر القدّاس الإلهيّ الخمسة تشكّل وحدةً متكاملةً. فالكلمة يسوع ابن الله هو نور العالم، ونور العقول والضّمائر والقلوب. وهو إيّاه الكلمة الذي أعطى ذاته للعالم إذ "صار بشرًا" (يو14:1)، "شبيهًا بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة" (الدّستور العقائديّ فرح ورجاء، 22). والكلمة الذي قدّم نفسه ذبيحة فداء على الصّليب لفداء الجنس البشريّ ومغفرة الخطايا. وهو الكلمة الذي أعطانا جسده مأكلاً ودمه مشربًا للحياة الجديدة. وهو الكلمة الذي أرسل الكنيسة بسلطانه لتعلن إنجيله للخلق أجمعين من أجل خلاص كلّ إنسان، والذي يعضدها بحضوره فيها ويؤيّدها بالآيات (متى 28: 19-20؛ مر16: 15-18).

 

 

 

 

5. إنّنا مدعوّون ومرسلون لنعيش حضارة القربان التي يحتاجها عالمنا في العائلة والكنيسة والمجتمع والدّولة. وهي حضارة العيش والعمل في نور كلمة الله، وحضارة البذل والتّفاني في سبيل الخير، وحضارة هبة الذّات المجّانيّة مع الوقت والإمكانيّات والمواهب والعلم.

 

 

 

 

هذه الحضارة القربانيّة، إذا تحلّى بها رجال السّياسة عندنا وعاشوها، إستطاعوا عندئذٍ جعل الخير العام ودولة القانون والمؤسّسات فوق كلّ اعتبار؛ وتمكّنوا من حلّ خلافاتهم السّياسيّة، وإقرار موازنة تكون أساسًا للنّهوض الاقتصاديّ والاستقرار الماليّ؛ وعملوا جدّيًّا على محاربة الفساد ولو كان على حساب بعضهم؛ وأخلصوا الولاء للوطن اللّبنانيّ أرضًا وشعبًا ومؤسّسات.

 

 

 

إنّنا نصلّي كي يعضدنا المسيح فادينا في عيش حضارة القربان هذه، فلا تكون المشاركة في قداس الأحد مجرّد مشاركة خارجيّة. وليكن كلّ ذلك لمجد الله الواحد والثّالوث الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

 

 

 

موقع بكركي.