"هوشعنا! مبارك الآتي باسم الربّ ملكنا" (يو12: 13)
1. عيد الشّعانين هو خاتمة أسابيع الصّوم الكبير السّتة، التي هيّأتنا، بالأصوام والإماتات والصّلوات والتّوبة وأعمال المحبّة والرحمة، لملاقاة الربّ يسوع واستقباله كملك على نفوسنا والقلوب، وللإنتماء الملتزم إلى مملكته المتمثّلة في الكنيسة السّرّ والشّركة والرسالة. وهي "أورشليم الجديدة". وإليه نهتف، بكبارنا وصغارنا: "هوشعنا! مباركٌ الآتي باسم الرّبّ" (يو12: 13).
2. يُسعدنا أن نحتفل معًا بعيد ملوكيّة المسيح، وبذكرى انتمائنا إلى ملوكيّته بالمعموديّة والميرون. وهو بنوع خاصّ عيد الأطفال والشّبيبة. فأمثالهم استقبلوه بعفويّة وعاطفة حبّ. يوم دخل لآخر مرّة أورشليم، وهتفوا بملوكيّته، فتحقّقت بهم نبوءة المزمور (8: 3) "على ألسنة الأطفال والرّضّع أعددتَ لنفسك تسبيحًا" (راجع متى 21: 16).
فيطيبُ لي أن أهنّئكم وأهنّئ أطفالكم وشبيبتكم، ونصلّي من أجل نموّهم، على مثال الصّبي يسوع، "بالقامة والحكمة والنّعمة" (لو2: 52). ونسأل الله أن يحميَهم من كلّ ضرر في أجسادهم ونفوسهم وأخلاقهم، فإنّهم الأكثر عطبًا في الظّروف الحاضرة المقلقة، وفي حالة التّلوّث الذي يُصيب البيئة الطبيعيّة والإجتماعيّة والسياسيّة.
3. حدّد الربّ يسوع طبيعة ملوكيّته بطريقة دخوله إلى أورشليم: إنّه ملك التواضع الدّاخل على جحش لا على حصان، مثلما يدخل العظماء والمتسلّطون الذين يتآكلهم الغرور والروح الدنيويّة. تواضعُ يسوع ظاهرٌ في إخلاء ذاته، وصيرورته إنسانًا، وهو الله، ليكون بالقرب من كلّ واحد وواحدة منا، ليسير معنا في طرقات الحياة، ويُنير دربنا في العالم، ويفتدينا من خطايانا بموته، ويقيمنا بقيامته إلى حياة جديدة. وتواضعه ظاهر في صورة الخادم التي اتّخذها (راجع فيل2: 7).
4. والمسيح هو ملك السّلام الذي ينتزع كلّ خوف وقلق من قلب الإنسان: "لا تخافي يا ابنة صهيون". لا تخفْ يا شعبي! هذا النداء المطمئن إنّما يأتينا من المسيح المنتصر على الشرّ والشّرير، وعلى الخطيئة والموت، بموته وقيامته. سلام المسيح هو سلام القلب والضمير، سلام الحقيقة والعدالة، سلام الحريّة والمحبّة.
5. نحن مدعوّون في هذا العيد إلى الإلتزام في السَّير على طريق المسيح وهو طريق التّواضع الذي ينفي الكبرياء المعروفة بأمّ الرّذائل؛ وطريق الخدمة التي تعني سخاء القلب واليد، وتنفي الإنغلاق على الذات، والسّعي إلى المصالح الخاصّة على حساب الصالح العام، كما تنفي الأنانيّة وعدم الإكتراث بحاجة الغير؛ وطريق السّلام الذي يرفض النزاع والخلاف، ويعمل من أجل العدالة والتفاهم والمصالحة.
6. هذا الطريق ليس طريق المسيحيّين وحدهم، بل هو طريق كلّ إنسان، ولا سيّما طريق السياسيّين والمسؤولين المدنيّين ونوّاب الأمّة ووزراء الحكومة.
إنّنا ندعوهم، في الأسبوع المقدّس الطالع المفضي إلى المصالحة بين الله والجنس البشري بموت المسيح وقيامته، ليتصالحوا مع الله بالتوبة إليه؛ وليتصالحوا مع واجبهم الذي تُمليه عليهم نوعيّة مسؤوليّتهم؛ وليتصالحوا مع السّياسة التي هي التزام خدمة الخير العام بتجرّد وتفانٍ بممارسة التشريع العادل والمتطوّر، والقرارات الإجرائيّة المسؤولة وتعزيز الإدارة الكفوءة؛ وليتصالحوا مع الدّولة بتعزيز مؤسّساتها، والفصل بين سلطاتها، والعمل الدؤوب على إنمائها وازدهارها، وحماية مالها العام. وليتصالحوا مع الشّعب، الذي هو مصدر سلطاتهم ويمارسها عبر المؤسّسات المؤتمنون هم عليها (مقدّمة الدستور، د).
مصالحتهم مع الشّعب تقتضي منهم أساسًا احترامه وإخراجه من حالة الفقر الذي بات يتآكل ثلث أبنائه، لا بمنيّة من أحد بل بالقيام بواجب العمل على النّهوض الإقتصادي في كلّ قطاعاته، وبتمكين قواه الحيّة من تحفيز قدراتها على أرضه، إحترامه وتعزيز كرامته بإعطاء قيمة لصوته في الإنتخابات وفي حقّ المساءلة والمحاسبة بسنّ قانون جديد للإنتخابات النيابيّة يكون على قياس الشّعب والوطن، لا على قياس الإقطاع السياسي ومصالح النافذين الممعنين في نهج الإقصاء وفرض الذات وخنق الصوت الحرّ وطعن الديموقراطية التي ميّزت نظامنا والتي من أجل حمايتها أراق شهداء الوطن دماءهم؛ احترامه وحماية مال الخزينة، الذي هو ماله، من السرقة والهدر والرشوة وتهرّب النافذين من دفع الضرائب. نداؤنا هذا نجعله نيّة صلاتنا، مع التماس توبة أمراء دوّامة الحرب وويلاتها في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، وفي أي بلد آخر، وإيقافها. وليشرق على هذه البلدان نور القيامة الّذي يبدّد ظلمات الحروب والحقد والبغض.
7. نحتفل هذا المساء، في جميع الكنائس، "برتبة الوصول إلى المينا". هو ميناء المسيح، ميناء المصالحة والسلام، بعد رحلة أسابيع الصوم الستّة التي يسمّيها بولس الرسول "الزمن المقبول"، وتسمّيها الليتورجيا "السماء المفتوحة بنعمها". فلندخل أرض الأسبوع المقدّس، ممجّدين الثالوث القدّوس: الآب الذي صالح العالم بموت ابنه الوحيد، وأفاض روحه المحيي لحياة كلّ ذي بشر، الآن وإلى الأبد، آمين.
موقع بكركي.