"ها هو حملُ الله الذي يحمل خطيئة العالم" (يو1: 29)صاحب المعالي ممثّل فخامة رئيس الجمهورية،
صاحب السعادة ممثّل كلّ من دولة رئيس مجلس النوّاب ورئيس الحكومة،
إخواني السّادة المطارنة والآباء،
العميد الركن ممثّل العماد قائد الجيش،
أيها الإخوة والأخوات الأحبّاء.
1. شاءت اللّجنة الأسقفيّة "عدالة وسلام" أن نحتفل في هذا الأحد الأوّل من شهر كانون الثاني بيوم السلام العالمي، على مستوى لبنان. ويأتي متطابقًا مع إنجيل هذا الأحد الذي يلي عيد الدنح أو الغطاس. وفيه يشهد يوحنا المعمدان أنّ يسوع هو "حملُ الله الذي يحمل خطيئة العالم" (يو1: 29)، ليزيلها بموته وقيامته. فكلّ إنسان يغتسل من خطاياه بالتّوبة ونعمة المسيح، ينعم بالسّلام، وينشره في محيطه، وفي إطار مسؤوليّاته.
2. إن انعدام السّلام هو ثمرة خطايا البشر، ويتسبّب بالحروب والنزاعات وممارسة الإرهاب والظّلم والإستبداد والإستكبار والأنانيّة والبغض والجشع، وسواها فيقع ضحيّتها الملايين من الأشخاص كبارًا وصغارًا، أصّحاء ومرضى. ومن بين هؤلاء، المهجّرون والمهاجرون واللّاجئون والمخطوفون والنّازحون، المتعطّشون كلّهم إلى السلام كثمرة للعدالة وحقوق الإنسان وإنماء الشّخص البشري والمجتمع. فلا سلام من دون توبة، ولا غفران من دون عدالة. من المسيح الإله "رئيس السلام" (اشعيا 9: 5) نلتمس سلام القلوب والضمائر لكي ينتشر سلام المحبة والعدالة.
3. تناولت رسالة قداسة البابا فرنسيس ليوم السّلام العالمي، موضوع: "المهاجرون واللّاجئون: رجال ونساء يبحثون عن السّلام". فاستهلّ رسالته بدعاء سلام، وتطرّق إلى أسباب الهجرة واللّجوء مع نظرة إيمان لمقاربة مسألة المهاجرين واللّاجئين، ثمّ يقدّم أربع ركائز للعمل، ويقترح سنّ ميثاقَين دوليَّين. إنّنا نعرض هذه المواضيع بإيجاز، ونصلّي من أجل الإلتزام بما يعلّمنا قداسته.
4. أودّ أوّلًا أن أحيِّي سيادة أخينا المطران شكرالله نبيل الحاج، رئيس اللّجنة الأسقفيّة "عدالة وسلام"، المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وسائر أعضاء اللّجنة، الذين ينظّمون هذا الإحتفال. فباسمهم ومعهم نوجّه الشكر لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإيفاد معالي الوزير سيزار ابي خليل لتمثيله في هذا الاحتفال الوطني، ولدولة الرئيس نبيه برّي ودولة الرئيس سعد الحريري لتكليفهما سعادة النائب عاطف مجدلاني لتمثيلهما. كما نشكر قائد الجيش العماد جوزف عون الذي أوفد العميد الركن داني خوند. ونحيّي معكم أهالي شهداء الجيش اللبناني الذين اختُطفوا وأُعدموا أثناء أحداث عرسال سنة 2014، وأهل الشهيدة ريّا فرنسوا الشدياق التي قُتلت بوحشية في منزل والدَيها في مزياره في 22 ايلول 2017. وقد شاءت اللّجنة الأسقفيّة "عدالة وسلام" تكريمهم بدروع في ختام هذا القداس الإلهي، بمناسبة سنة الشهادة والشهداء. وأحيّي جميع الحاضرين معنا، وبخاصّة سعادة النائب إيلي عون ومعه رئيس المجلس البلدي والأعضاء ومخاتير الدامور العزيزة.
فإليكم جميعًا ولجميع الناس ننقل تمنّيات البابا فرنسيس بإحلال السلام الذي أنشده الملائكة ليلة ميلاد المخلّص، وقربه الرّوحي وتضامنه الإنساني مع كلّ الذين يتألّمون من فقدان السلام، ذاكرًا المئتين وخمسين مليون مهاجر، وبينهم إثنان وعشرون مليون لاجئ في العالم. هؤلاء يتوقون إلى السلام، فيخاطرون بحياتهم باحثين عنه على دروب العالم، وهم عرضة لكلّ أنواع التمييز العنصري والديني والثقافي والاضطهاد والفقر وتدنّي شروط البيئة السليمة. ما يقتضي من حكّام الدول اتّخاذ التدابير اللّازمة لاستقبالهم وتعزيز أوضاعهم وحمايتهم واندماجهم، وفقًا لما يتلاءم مع خير شعوبهم (الفقرة الأولى).
5. ثلاثة أسباب يطرحها البابا فرنسيس لتزايد أعداد المهاجرين اللاجئين، وهي:
أ- مواصلة الحروب والنزاعات المسلّحة والإبادات "والتطهيرات" العرقية.
ب- اليأس والبحث خارج الوطن عن إمكانية العمل والتعلّم، ما يجلب معه هجرة العائلة بجملتها.
ج- انعدام الاستقرار في الوطن، وفقدان فرص التوظيف والإنتاج.
إن الهجرة أو اللّجوء إلى بلدان أخرى لا يخلوان من مخاطر التمييز العنصري والعنف وكره الأجانب والنظرة إلى المهاجرين واللاجئين كعبء على البلاد المستضيفة (الفقرة 2).
6. يدعو البابا فرنسيس إلى مقاربة هؤلاء بنظرة تأمّلية أعمق.
فالإيمان يعلّمنا أنّنا "عائلة بشريّة واحدة"، وللجميع حقّ الانتفاع من خيرات الأرض، المعدَّة من الله لجميع الناس. على هذا الأساس يقوم التضامن في تثمير هذه الخيرات وتقاسمها.
ويعلمنا أنّ الله يسكن في المدينة التي نعيش فيها. يسكن في بيوتها وفي شوارعها وساحاتها، داعيًا إلى الأخوّة والتعاون والتوق إلى تحقيق الخير والحقّ والعدل. وبذلك يحقّق الله وعده بالسلام.
ولا نغفلنّ انّ المهاجرين اللّاجئين يحملون معهم شجاعتهم وطاقاتهم وآمالهم، فضلًا عن ثقافاتهم الوطنية. فيُنتظر منهم أن يُغنوا الأوطان التي تستقبلهم.
إن هذه النظرة المتنوّعة للمهاجرين واللاجئين توجّه التمييز لدى المسؤولين في ما يختصّ بسبل الخير العامّ، كي يحسنوا سياسات الاستقبال، مع تعزيز خير شعوبهم.
إنّ الذين تحييهم هذه النظرة لقادرون على زرع بذور السلام، وعلى خلق ورشات سلام في المدن التي تتخوّف من وجود لاجئين ومهاجرين (الفقرة 3).
7. يقترح البابا فرنسيس أربع ركائز للعمل يقتضيها السلام المنشود من طالبي لجوء ومهاجرين ولاجئين وضحايا الاتجار بالبشر. وهي:
أ- استقبالهم بتسهيل دخولهم الشرعي، وعدم زجّهم في أماكن يلقون فيها الاضطهادات وأعمال عنف. وذلك بالتوازن مع الهمّ في تأمين الاستقرار الوطني.
ب – حمايتهم من انتهاك كرامتهم واستغلالهم، وبخاصّة النساء والاطفال المعرّضين لأخطار التحرّش والاستعباد والاستغلال.
ج – تعزيز نموّهم الإنساني الشامل، انطلاقًا من توفير التعليم للأولاد.
د- اندماجهم في حياة المجتمع المستضيف، عبر ديناميّة الإغناء المتبادل والتعاون المثمر (الفقرة 4).
8. يقترح البابا فرنسيس على منظّمة الأمم المتّحدة أن تسنّ ميثاقَين عالميّين، واحدًا للهجرة السليمة والمنظمة والمنتظمة، وواحدًا خاصًّا باللاجئين. يشكّل هذان الميثاقان إطارًا مرجعيًّا للتدابير السياسيّة ولتنفيذها العملي. ولكن ينبغي أن تستلهم الرحمة والشجاعة، وانتهاز كلّ مناسبة للتقدّم في بناء السلام. وهذا شرط لكي لا تصبح السياسة الدولية في حالة الخضوع للازدراء بالمبادئ الخلقية ولعولمة عدم الاكتراث. ويبقى الحوار والتعاون ضرورة وواجبًا خاصًّا بالأسرة الدولية (الفقرة 5).
9. يختم البابا فرنسيس رسالته هذه ليوم السلام العالمي في الأوّل من كانون الثاني 2018 بكلمة للقديس البابا يوحنا بولس الثاني: "إذا تقاسم أشخاص عديدون "الحلم" بعالم يعيش في سلام، وإذا قيّمنا مساهمة المهاجرين واللاجئين، يمكن أن تصبح البشريةُ أكثر فأكثر عائلةَ الجميع، وأرضُنا "بيتَنا المشترك الحقيقي". نجد في التاريخ أشخاصًا كثيرين آمنوا بهذا الحلم، فشهدوا أنّ الأمر ليس خياليًّا. وهذا ما نأمله من الحكّام المدنيّين عندنا، لكي يتفانوا في بناء السلام الداخلي القائم على التعاون بثقة، وبروح الوفاق، وبالمحافظة على الوحدة الوطنية؛ السلام القائم على التنمية الشاملة، وممارسة العدالة التوزيعية، وتأمين حقوق كلّ إنسان.
نسأل المسيح الربّ أن يجعلنا صانعي سلام، كي نستحقّ أن نُدعى أبناءه وبناته، على ما قال في دستور الحياة المسيحية: "طوبى لفاعلي السلام، فإنّهم أبناء الله يُدعون" (متى5: 9). فنرفع من قلوبنا الملأى بسلام المسيح نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.