"تعظّم نفسي الرب" (لو 46:1).
1. في عيد انتقال أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء بالنّفس والجسد إلى مجد السّماء، "نعظّم الله معها" الذي اختارها ابنةً للآب مؤمنة ومخلصة، وأمًا للابن حنونة وشريكة، وعروسًا للرُّوح القدس وفيّة ونقيّة.
نرفع نشيد التّعظيم لله، الذي أنشدته في بيت أليصابات عندما زارتها بعد البشارة (لو1: 39-46)، هنا في كرسي البطاركة في قنوبين، عاشوا أربعماية سنة (1440-1830)، في عهد العثمانيِّين، في قعر الوادي المقدّس، بالتقشّف والصَّلاة، حفاظًا على الأغليَين: على الإيمان الكاثوليكيّ لكي يظلّوا جسر تواصل بين الكنيسة الكاثوليكيَّة برئاسة كرسي بطرس في روما والكنائس الشرقيّة الأرثوذكسيّة، وعلى الاستقلاليّة الذاتيّة التي قادتهم حتى إعلان دولة لبنان الكبير مع خادم الله البطريرك الياس الحويك في أوّل أيلول 1920. من هنا مع المطارنة والكهنة والنسّاك والمؤمنين رفعوا صلواتهم إلى الله مع أريج البخور.
2. هنا كان يلتقي المقدّمون وأعيان البلاد وقناصل الدول حول البطريرك وجمهوره، لإحياء عيد سيّدة الانتقال، سيّدة قنوبين، قبل انتقال المقرّ البطريركي إلى الديمان عبر مراحله الثلاث: البيت المستأجر، فكرسي مار يوحنا مارون، فكرسي سيّدة الانتقال الحالي في عهد خادم الله البطريرك الياس الحويك، والمثلّث لرحمة البطريرك أنطون عريضة.
3. اليوم، جريًا على العادة، نحتفل مع المؤمنين الوافدين بعيد سيّدة الانتقال، مستذكرين البطاركة الذين عاشوا هنا، وقادوا كنيستنا بالتقشّف والصّلاة وبتحمّل الاضطهاد والاعتداءات، وبتفقّد رعاياهم على كامل الاراضي اللبنانيّة.
أمّا احتفال هذه السنة، فيزيده رونقًا الاحتفال بافتتاح سنة اليوبيل الفضّي لرسالة الرَّاهبات الأنطونيّات هنا في دير سيّدة قنوبين، وقد مرّ عليها خمس وعشرون سنة (1993-2018). فإنّا نحيّي هذه الرهبانيَّة العزيزة، بشخص رئيستها العامّة الأمّ جوديت هارون والمدبّرات العامّات، كما نحيّي رئيسة الجماعة في هذا الدير وجمهوره، وبخاصّة اللّواتي تعاقبن على الرِّسالة فيه.
4. وإذ نعود الى بداية الرِّسالة، لا يسعنا إلاّ أن نذكر بالصّلاة والذكر الطيّب المرحوم الخوري يواكيم مبارك الذي قصد دير قنوبين سنة 1989، وباشر ورشة الترميم بعزم وإصرار، ببركة سلفنا البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس. وأقام فيه لكي يرمّم روحانيّة قنوبين، منكبًا على الكتابة والصّلاة والأعمال النسكيّة، كما في صومعة. ووجد في جمعيّة الرَّاهبات الأنطونيّات خير معين لإطلاق رسالة روحانيّة قنوبين. فلبّت الرَّغبة بإرسال ثماني راهبات بدأن المسيرة في سنة 1993، ببركة صاحب الغبطة، وواصلن الرِّسالة حتى بات حضورهنّ في دير قنّوبين على مدى أشهر السّنة على الرغم من صعوبات المعيشة والطقس والوصول والتواصل.
فإنّا اليوم باسم البطريركيّة وكنيستنا المارونيّة وجميع الزوّار، نقول كلمة الشّكر والتقدير لجمعيّة الرَّاهبات الأنطونيّات، ونهنّئهنّ باليوبيل الفضّي، مع الدُّعاء بنجاح استكمال مسيرة الرِّسالة نحو يوبيلها الذهبي. كما نلتمس من الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة قنوبين، أن ينمي الجمعيّة بدعوات مقدّسة غيورة، ويبارك مؤسّسات الجمعيّة على أنواعها ورسالاتها في بلدان الانتشار.
"تعظّم نفسي الربّ"
5. نشيد مريم العذراء بات نشيد الكنيسة برعاتها ومؤمنيها ومؤسّساتها. لأنّه نشيد تعظيم لله على عظائمه في تاريخنا البشريّ والكنسيّ، وعلى نعمه التي يوزّعها على جميع الكائنات البشريّة من جيل إلى جيل. وهو نشيد كلّ واحد وواحدة منّا. وهو على الأخصّ نشيد الرَّاهبات الأنطونيّات، وراهبات الرِّسالة في قنوبين. فلنجعله نشيدنا كلَّ يوم.
إنّنا نعظّم الله مع مريم
6. أعلن المكرّم البابا بيوس الثاني عشر عقيدة انتقال السيّدة العذراء بنفسها وجسدها الى السّماء في أوّل تشرين الثاني 1950. وكان آباء الكنيسة القدّيسون قد اعتقدوا اعتقادًا ثابتًا، منذ البدايات، أنّ مريم عند وفاتها انتقلت بنفسها وجسدها الى السّماء. فأجمعوا على أنّ جسدها البتولي الذي صار مسكنًا للربّ سيبقى بشريًا حيًا ممجّدًا في الحياة غير الفاسدة. وقالوا: ينبغي لمن حملت الخالق جنينًا في بطنها، أن تُحمل إلى الهياكل الإلهيّة؛ ولمن كانت عروس الرُّوح أن تقيم في الأخدار السماويّة؛ ولمن شاركت ابنها في آلام الصّلب للفداء أن تتأمّله جالسًا عن يمين الآب؛ ولأمّ الإله أن تملُك كلّ ما هو لابنها، وأن تكرّمها جميع الخلائق كأمّ الإله وخادمته.
7. كلمتان يقولهما لنا هذا الوادي المقدّس، وكرسي البطاركة في قنوبين: الكلمة الأولى، أن نتجذّر مثلهم في هذه الأرض اللبنانيّة ونحافظ عليها بجمال بيئتها الطبيعيَّة وشعبها وثقافتها، لكي نواصل رسالتنا المزدوجة المسيحيّة واللبنانيّة في هذا المشرق؛ والكلمة الثانيّة، أن نرتفع مثلهم من مستنقعات الخطيئة والمصالح الذاتيّة والرُّوح الماديّة والاستهلاكيّة إلى قمم الرُّوح حيث القيم الروحيّة والأخلاقيّة والوطنيّة. بهاتين الكلمتين ينفتح أمام اللبنانيِّين، ولا سيّما المسؤولين السياسيِّين، الباب للخروج من مأزق تأليف الحكومة وسائر الأزمات السياسيّة والإقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة.
إنّنا إذ نطوّب أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء، نعظّم الله معها على عظائمه، راجين أن يواصلها في حياتنا وفي وطننا وبلدان هذا المشرق. فنرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في عيد سيدة الإنتقال – قنّوبين
موقع بكركي.