عظة البطريرك الراعي في ختام السينودس المقدس

متفرقات

عظة البطريرك الراعي في ختام السينودس المقدس

 

 

 

عظة البطريرك الراعي في ختام السينودس المقدس

 

"كلّمتكم بهذا لئلّا تعثُروا"(يو 16: 1)

 

إخواني السادة المطارنة والإكسرخوسيّين الأجلّاء،

 

1. هو الربّ يسوع في ختام أعمال مجمعنا المقدّس، الذي دام أسبوعًا كاملًا، يؤكّد لنا أنّ كلمته، وهو نفسه الكلمة، تعضدنا فلا نتعثُر في حياتنا ورسالتنا. منذ أسبوعَين ونحن هنا، في الكرسي البطريركي في خلوة مع الله ومع ذواتنا، حاملين حاجات أبرشياتنا وتطلّعاتها وتحدّياتها. لقد سمعنا الربّ يكلّمنا، واختبرنا فرح كلمته، ومن خلالها قرأنا واقع حياتنا ورسالتنا، واتّخذنا المقاصد الروحيّة، والتوصيات والقرارات الكنسيّة والراعوية. وها هو الربّ يسوع في إنجيل اليوم يدعونا لنبني كلّ شيء على كلامه، "كلام الحياة"، لكي نثبت ونصمد ونُثمر: "كلّمتُكم بهذا لئلا تعثروا" (يو16: 1).

 

2إنّ كلام الله يُقبل في العقول حقيقةً، وفي الإرادات رجاءً، وفي القلوب محبّة. فلا نعثر مهما عصفت فينا الرياح المعاكسة والصعبة، على ما يؤكِّد الربّ يسوع في مَثَل البيت المبني على الصخر، فعندما هطلت الأمطار، وعصفت الرياح، وضربته فلم يسقط، لأنّه مبني على الصخر" (متى 7: 25). هذا ما نحن نحمله لأبناء أبرشياتنا وأوطاننا، في ظروفهم الصعبة والسهلة، المُتعبة والمُريحة، وبخاصّة للّذين يعيشون ويلات الحروب وتداعياتها المُرّة عليهم في بلدان الشّرق الأوسط.

 

وكأنّنا نقول لهم بلسان يوحنا الرسول: "إنّ الذي سمعناه، ورأيناه، وتأمّلناه، ولمسته أيدينا... به نبشّركم". أجل، سمعناه من خلال كلامه؛ ورأيناه في أعماله التي تمّت في كنيستنا وأبرشياتنا ورعايانا، في رهبانياتنا ومؤسّساتنا؛ وتأمّلناه في سرّ حضوره الفاعل في حياتنا ورسالتنا؛ ولمسناه في نعم أسراره الشافية. نرجو في كلّ ذلك أن نكون علامةَ رجاء أمام أبناء أبرشيّاتنا وبناتها.

 

3. في قداس الشكر هذا، نحمد الله على أنّه أنار طريقنا في كلّ ما تدارسنا من شؤون كنسية وراعوية واجتماعية وعامّة. فاستوفينا جميع المواضيع التي طرحناها معًا، بروح مجمعيّة رفيعة وتجرّد ونزاهة وأخوّة. ولهذا نخرج من مجمعنا المقدّس، وقلوبُنا ممتلئة من الفرح والعزيمة والمقاصد الصالحة، شاعرين  باندفاع  رسولي ورسالي هو من عطايا الروح.

 

4. إنّ الروح المجمعيّة، التي تشكّل النهج الكنسي في مقاربة القضايا من أيّ نوع كانت، هي ميزة الكنيسة. ولذلك ينبغي أن تُمارَس في أبرشياتنا ورعايانا، عبر مجالس ولجان وهيئات. وتوازيها مدنيًّا الديموقراطية. إنّنا ندعو الجماعة السياسية عندنا لتحافظ على هذه الديموقراطية، بمفهومها الأصيل، التي تميّز لبنان عن محيطه، ولتمارسها في داخل المجلس النيابي والحكومة والوزارات والإدارات كافّة، عبر سماع صوت الآخر المختلف، وكلّ صوت ورأي ونظرة، من أجل الاغتناء والتكامل وصوابية القرارات. وندعو السلطة السياسية لتمارس الديموقراطية بنوع خاصّ، في تعاطيها مع الشعب. وإذ نهنّئها على إنجاز قانون الانتخاب الجديد الذي جنّب البلاد خطر أزمة سياسية كانت ستكون لها تداعيات وخيمة على كلّ قطاعات الشّأن الوطني. غير انّه، وقد أُنجز بعد اثنتَي عشرة سنة ووُصف بأنّه "قانون التسوية" و"قانون أفضل الممكن". فلو تمّ ذلك بالممارسة الديموقراطية السليمة، لجاء أكثر تجاوبًا مع تطلّعات الشعب اللبناني ورغبته في الحصول على قانون يضمن تجدّدًا فعليًّا في النخب النيابيّة والسياسيّة وفي تداول السلطة. لقد آلمنا جدًّا مشهد الضرب والرفس والتنكيل الذي حصل بالأمس بحقّ المعتصمين في ساحة رياض الصلح، بشأن هذا القانون.

 

إنّ سماع الشعب في مطالبه، وفي أنين حقوقه ومتوجّبات عيشه في وطنه، واجب أساسي وأوّلي على السلطة السياسيّة. "فالشعب هو مصدر السلطات"، كما ينصّ الدستور.

 

5. "كلّمتكم بهذا لئلّا تعثُروا" (لو16: 1). إنّ كلمة الله قوّة فاعلة في داخل الإنسان، لأنّها تمسّ عقله وقلبه وإرادته وضميره. فهي تتأصّل وتثمر، مثل "حبّة القمح المزروعة في الأرض الطيّبة" (متى13: 23). وهي حاجة ماسّة لكلّ إنسان، تقتضي الكرازة بها، لكونها تعلن تصميم الله  الخلاصي "الذي يريد أن يخلُصَ جميعُ الناس، ويبلغوا إلى معرفة الحقيقة (1طيم 2: 44).

 

لقد ائتمننا المسيح، الكاهن الأسمى وراعي الرعاة، نحن الأساقفة على كلمة الحياة، بحيث ننقلها بمَثَل حياتنا، ونحملها إلى إخوتنا. فهي تنير وتنقّي وتهدي وتقوّي وتشدّد. وما نحن سوى خدّام، تدوّي في أعماقنا كلمة الربّ المرسِلة: "كما أرسلني أبي، أرسلكم أنا أيضًا" (يو20: 21).

 

6. وكلمة الله نور. بها يستنير كلّ الوجود البشري، استنارتَه بنور الشمس. فهي تدعو كلّ إنسان ليرى على ضوئها عمق كيانه الداخلي، لكي يتحرّر من ظلماته. فتاريخ البشرية كلّه يخضع لحكم الله، وبالتالي كلّ لحظة تمرّ في حياة الإنسان هي ذات أهميّة بالنسبة إلى حاضره ومستقبله (راجع الإرشاد الرسولي للبابا بندكتوس السادس عشر: كلمة الربّ، 99).

 

إنّ الكلمة الإلهيّة تفتح قلب الإنسان على حاجات أخيه المادّية والروحيّة والمعنويّة، وعلى مقتضيات واجب حالته ومسؤوليّاته في العائلة والمجتمع، وبخاصّة في الكنيسة والدولة. فتدفع به إلى أعمال المحبّة والرحمة، وإلى ممارسة العدالة والإنصاف، وإلى إداء الواجب وممارسة السلطة بروح الخدمة المتفانية والتجرّد والنزاهة.

 

7. ومن هذا القبيل، كلمة الله تندّد بالظلم والاستكبار والاستقواء، وبكلّ اعتداء على حياة الإنسان وقدسيّتها وكرامتها، وعلى حقوقه وممتلكاته ومستقبله؛ وتدعو إلى ترقّي الشخص البشري والمجتمع. وهي كلمة الله نفسها توصي بشدّة: "لا تقتل". فإنّا باسمها نطالب الأسرة الدولية والدول المعنيّة إقليميًّا ودوليًّا إيقاف الحروب الدائرة في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وسواها، وإيقاف مساندة المنظّمات الإرهابيّة وعمليّاتها في مختلف البلدان. ونطالب منظّمة الأمم المتّحدة إيجاد حلول سياسيّة للنزاعات، والعمل الجدّي على إحلال سلام عادل وشامل ودائم، وعلى عودة النازحين والمهجّرين واللاجئين إلى أوطانهم. فمن حقّهم الطبيعي المحافظة على ممتلكاتهم وثقافاتهم وحضاراتهم.

 

8. وإنّا، في ختام مجمعنا المقدّس، نشكر الله على جميع النعم التي أفاضها علينا فيه، راجين أن يفيضها على أبناء أبرشياتنا وبناتها ومؤسّساتها، ونرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد.

 

 

موقع بكركي.