عظة البطريرك الراعي في افتتاح أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين

متفرقات

عظة البطريرك الراعي في افتتاح أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين

 

 

 

عظة البطريرك  الراعي في افتتاح أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين

 

 

 

"يمينُك يا ربّ قديرةٌ وقادرة" (خروج 15: 6)

 

1. إنّنا، في لقاء الصلاة من أجل وحدة المسيحيِّين، نشكّل صدى لصلاة المسيح ربّنا الكهنوتيّة: "يا أبتِ القدّوس، ليكونوا واحدًا، كما نحنُ واحد، أنت فيَّ وأنا فيك... فيؤمن العالم أنّك أنتَ أرسلتَني، وأنّك أحببتَهم كما أحببتَني" (يو17: 21-23). وفيما ندرك أنّنا بحاجة إلى نعمة المسيح تحرّرنا من ضعفنا وتشدّدنا في سعينا إلى شدّ أواصر الوحدة، وإزالة أسبابها، نرفع صلاتنا إلى الله مع موسى والشعب الذين، عندما حرّرهم الله وأخرجهم من حالة الاستعباد والظلم، رفعوا صلاة الشكر والالتماس الدائمين هاتفين: "يمينُك يا ربّ قديرةٌ وقادرة" (خروج15: 6).

 

2. نفتتح أسبوع الصلاة مع أصحاب الغبطة البطاركة: يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، وكريكور بدروس العشرين كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك الحاضرَين معنا، ويوحنا العاشر بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس الممثَّل بسيادة المطران انطونيوس الصوري، واغناطيوس افرام بطريرك انطاكية وسائر المشرق للسريان الارثوذكس الممثَّل بسيادة المطران تيوفيلوس جورج صليبا، والكاثوليكوس آرام الأول كشيشيان بطريرك كيليكيا للأرمن الأرثوذكس الممثّل بسيادة المطران مغريك باريكيان، ويوسف العبسي بطريرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الملكيّين الكاثوليك، الممثَّل بسيادة المطران إدوار جاورجيوس ضاهر، والقس الدكتور سليم صهيوني رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان.

 

ومع القائم باعمال السفارة البابوية المونسينيور ايفان سانتوس وممثّلي الكنائس الأخرى والسادة المطارنة والكهنة والرهبان والراهبات ومع هذا الجمهور من المؤمنين والمؤمنات، نفتتح أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيِّين بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة للعلاقات المسكونيّة، فنحيّي رئيسها سيادة أخينا المطران جوزف معوّض، راعي أبرشيّة زحله المارونيّة، وأمين سرّها الخوري طانيوس خليل وسائر أعضائها. ونحيّي مجلس كنائس الشَّرق الأوسط بشخص امينه العام ونثمّن تعاونه مع اللّجنة الأسقفيّة لإحياء هذا الأسبوع، ولتعريب النص العالمي الذي اختاره المجلس الحبري الفاتيكاني لتعزيز الوحدة بالتعاون مع "لجنة إيمان ونظام" في مجلس الكنائس العالمي، ولتوليف هذا النصّ بما يتناسب مع الظروف الدينيّة والاجتماعيّة والثقافيّة في منطقتنا.

 

3. في الواقع، إنّ الظروف السياسيّة والاقتصاديّة، وممارسات العنف والتعدّي والإرهاب، تأسر شعبنا وشعوب المنطقة داخل حالات الفقر والحرمان والخوف على المصير والتعرّض لأوبئة النفايات ناشرة السموم، وانتهاك الحقوق وكرامة الشخص البشري، فيما المسؤولون السياسيّون الموكَّلون على تأمين الخير العام، إما منشغلون في تأمين مصالحهم الخاصّة والمذهبيّة والحزبيّة، وإمّا ساعون إلى استغلال مقدّرات الدولة ومالها العام بالفساد المتفشّي والمحمي، وإمّا متقاعسون عن واجبات مسؤوليّاتهم التشريعيّة والإجرائيّة والإداريّة، وإما يتعاطون شؤون الدولة بردّات الفعل السلبيّة فيعطّلونها لأغراض سياسيّة وحسابات شخصيّة، من دون أي وخز ضمير.

 

4. أجل، أمام هذا الواقع الاستعبادي الحديث، بالإضافة إلى الاتجار بالبشر وكراماتهم والعنف المنزلي، وتدهور الروابط الزوجيّة والعائليّة، وفقدان الثقة بين الشعب والحكّام، والتفلّت من المبادئ والقيم الروحيّة والأخلاقيّة، نصلّي معًا اليوم هاتفين: "يمينُك يا ربّ قديرةٌ قادرة" (خروج15: 6). فخلاصنا وتحريرنا يتمّان بالقدرة الإلهيّة التي انتصرت بالمسيح يسوع، بموته وقيامته، على الخطيئة والشّر. وبما أنّ الخطيئة المرتكبة، التي لا يتوب عنها مرتكبوها، وقد أصبحت "هيكليّة خطيئة"، هي التي تتسبّب بجميع أنواع الشرور في العالم، فإنّ نعمة المسيح التي تقود إلى التوبة كفيلة بتبديد الخطيئة وإزالة نتائجها، وإنتاج ثمار روحيّة واجتماعيّة وسياسيّة أدّت إلى تبدلات بنّاءة كبيرة، في المجتمعات والكنيسة والأوطان. ولنا عنها شواهد كثيرة في التاريخ!

 

5. هكذا يشرح القدّيس اغسطينوس صلاة موسى والشعب، من بعد أن حرّرتهم يمين الله القديرة، وعبرت بهم من أرض الاستعباد إلى أرض الحرية عبر البحر الأحمر. فقال:

 

الخطيئة هي العدو الذي أغرقه الله في البحر، والمرموز إليه بالمصريِّين الفرعونيِّين. هي خطايانا، التي كانت تُثقل كاهلنا، غرقت وزالت بالمعمودية والتوبة.

 

والأفكار الشريرة، التي تسيطر على الظلمة في داخلنا، وكأنّها خيول وفرسان تدفع بنا حيث تشاء، قد أعتقنا الله منها بالعماد المقدّس، ويعتق منها المعمَّدين بسرّ التوبة، كما لو أنّنا نعبر البحر الأحمر المصطبغ بدم الربّ المخلّص والمصلوب.

 

ويستنتج القدّيس أغسطينوس من هذه الرواية التشجيع للمؤمن المسيحي على التمسّك بالرجاء، وعلى المثابرة بدل الاستسلام لليأس (راجع كتاب أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس 2018، صفحة 15).

6. في ضوء كلّ هذا، يجب الإقرار أنّ الخطيئة هي أساس الانقسامات بين المسيحيِّين في كنيسة المسيح الواحدة، وهي تمزّق جسده السّرّي. يؤكّد آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني "أنّه لا توجد حركة مسكونية من دون توبة داخلية. فالرغبة في الوحدة تولد وتنضج من تجدّد العقل والقلب، ومن التجرّد الذاتي، ومن ممارسة المحبّة. لذا ينبغي أن نلتمس من الروح القدس نعمة التجرّد الصادق والتواضع واللّطف في الخدمة وسخاء النفس نحو الآخرين" (القرار حول الحركة المسكونيّة، 7).

 

7. انطلاقًا من هذا الإقرار، واعتبارًا لكون الربّ يسوع قد ربط بوحدة المؤمنين به مصداقيّةَ الإيمان بسرّه كرأس للجسد الذي يجمع كلّ أعضائه في سرّ الكنيسة الواحدة الجامعة، ومصداقيّةَ وصيّة المحبّة التي تعلو كلّ اعتبار، إذ صلّى: "ليكونوا واحدًا، فيؤمن العالم أنّك أنتَ أرسلتَني، وأنّك أحببتَهم كما أحببتَني" (يو17: 21-23)، لا يمكننا أن نجعل من أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين مجرّد صلاة موسميّة، ولا موضوعًا أكاديميًّا، من دون خطوات عمليّة جدّيّة نحو الوحدة، بدءًا من توبة القلب وقداسة الحياة، وشدّ روابط الشركة الروحيّة بالصلاة المشتركة، متذكِّرين وعد المسيح الربّ: "حيث يجتمعُ اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون هناك بينهم" (متى18: 20)، وصولًا إلى مزيد من التعارف المتبادل على تراث كلّ كنيسة الروحي واللّاهوتي واللّيتورجي، فإلى التنشئة المسكونيّة في إكليريكيّاتنا ومعاهدنا وكلّياتنا (القرار حول الحركة المسكونيّة، 8-10).

 

فلنرفع صلاتنا صامدين بالإيمان والرجاء، هاتفين: "يمينُك يا ربّ قديرةٌ وقادرة أن تجمعنا في محبّة الآب ونعمة الابن وشركة الروح القدس، وتجعل منّا كنيسةً واحدة جامعة ترفع نشيد المجد والتسبيح بصوت واحد متّفق للثالوث القدّوس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

 

عظة الكردينال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي في افتتاح أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين - بكركي