عظة البطريرك الراعي – عيد الميلاد

متفرقات

عظة البطريرك الراعي – عيد الميلاد

 

 

 

 

عظة البطريرك  الراعي – عيد الميلاد

 

"أبشِّرُكم بفرحٍ عظيم" (لو2: 10)

 

فخامة الرئيس،

 

1. يسعدنا أن نحتفل كالعادة مع فخامتكم والسيّدة اللبنانيّة الأولى عقيلتكم، في كنيسة الكرسي البطريركي، بقداس عيد ميلاد مخلّصنا وفادينا، يسوع المسيح، ابن الله المتجسّد. ويشارك معكم هذا العدد المنتقى من المؤمنين، وفي مقدّمهم وزراء ونوّاب وسفراء ورؤساء بلديات ومخاتير، وشخصيّات عسكريّة وقضائيّة وإداريّة.

 

فيما نتقدّم منكم، فخامة الرئيس، باسمهم وباسم ابينا صاحب الغبطة والنيافة مار نصرالله بطرس والأسرة البطريركيّة، بأطيب التهاني والتمنيات بالميلاد المجيد والسنة الجديدة، ونبادلهم باسمكم هذه التهاني والتمنيات، نرفع معكم صلاة الشّكر لله على السنة الأولى من عهدكم، وعلى ما تحقّق خلالها، بفضل حكمتكم وسديد قراركم، من إنجازات أساسيّة كانت تؤجَّل في الماضي سنة بعد سنة، وفي الوقت عينه تترك آثارًا سلبيّة على الخير العامّ. وكان كلُّ إنجاز بمثابة خبرٍ مفرح، تبشّرون به اللبنانيِّين، وصدىً لخبر الفرح الأساسي الذي أعلنه الملاك، منذ ألفَي سنة، لرعاة بيت لحم: "إنّي أبشرُكم بفرح عظيم، يكونُ للعالم كلِّه: لقد وُلد لكم اليومَ المخلّص" (لو2: 10-11). فبات على كلّ واحد وواحدة منّا أن ينقل هذا الخبر المفرح، وأن يجعل من أعماله الحسنة ومبادراته ومواقفه خبرًا مفرحًا يبشّر به أهل بيته ومجتمعه ووطنه.

 

2. أمّا الفرحُ الأكبر الذي أعلنه الملاك للبشريّة جمعاء فهو ميلاد مخلّصها وفاديها المنتظَر الذي به، وهو ابن الله الذي صار إنسانًا، نستطيع أن نصير نحن أبناءً لله، وإخوةً بعضنا لبعض بالمسيح، ويكون لنا قلب واحد يجمع ولا يفرّق ويحب السلام، ونعمل معًا على توطيد أركانه على "المسيح سلامنا" (البابا القديس البابا لاون الكبير، الشحيمة المارونيّة، زمن الميلاد، ص619-620).

 

إنّ فرح الأخوّة والوحدة ينتظره اللبنانيّون بشوق، ويتطلّعون إليكم، فخامة الرئيس، وأنتم رمز وحدتهم بموجب الدستور (المادّة 49)، من أجل تحقيق هذه الوحدة الداخليّة بين جميع الأفرقاء والمكوِّنات السياسيّة. فالوحدة الوطنيّة ترتكز عندنا في لبنان على التنوّع. لذا، تحتاج البلاد، إلى تضافر جميع القوى وفقًا للنظام الديموقراطي، ولمفهوم المعارضة وممارستها، على أن يكون الهدفُ المشترك تعزيزَ المصلحة الوطنيّة العليا على أسس الميثاق والدستور.

 

إنّ لبنان، الذي يتميّز بالتنوّع الحزبي والديني والثقافي، لا يتحمّل التفرّد في السلطة وإشغال المناصب، ولا الإقصاء لمكوِّن من مكوِّناته، ولا الإلغاء، ولا التقييد للحريات العامّة التي يقرّها الدستور (المقدّمة ج)، ولكن ينبغي ضبط هذه الحريات وفقًا لأنظمتها والأخلاقيّة المهنيّة. إنّ التنوّع والحرية توأمان في لبنان يشكّلان فرح اللبنانيِّين.

 

3. والفرح بميلاد المخلّص هو "أنّ الإله صار ابنَ البشر، حتى نستطيع أن نصير نحن أبناءَ الله" (القدّيس البابا لاون الكبير). بتجسّده أخذ الإنسان على عاتقه حتى يحرّره من خطيئته ويغنيه بنعم ألوهيّته. لقد أخذ جسدنا ليخلّص فينا صورة الله البهيّة، بعد أن تشوّهت بشرورنا (القدّيس غريغوريوس النزينزي). وبتجسّده ألقى الأضواء الحقّة على سرّ الإنسان، وكشف له عن كرامته وقدسيّته وسموّ دعوته.

 

الإنسان اليوم، الذي تُنتهك كرامتُه، ويُعتدى على جسده وحياته وصحّته، ويُمنع من حقوقه الأساسيّة، ويصبح سلعةً للبيع والشراء، وهدفًا للقتل والتهجير والقهر، إنّما يحتاج إلى بشرى الفرح التي أُعلنت ليلة الميلاد.

 

إنّ اللبنانيّين ينتظرون من فخامتكم ومن الدولة هذه البشرى. وقد أصبح ثلثهم تحت مستوى الفقر، وباتوا في معظمهم عاجزين عن تأمين حاجاتهم الأساسية من سكن لائق وطعام وكساء ودواء وتعليم وماء وكهرباء. إنّ بشرى الفرح المنتظَرة تأتيهم من الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي، وتأمين فرص العمل والإنتاج لشبابنا الطالع والمتخصّص، ودعم المزارعين والصناعيّين وتسويق إنتاجهم، وحماية حقّ الوالدين باختيار المدرسة التي يريدونها لأولادهم، ما يقتضي أن تدعم الدولة رواتب المعلّمين فيها، والسّهر بالتالي على ضبط أقساطها، وإلّا خسرنا شيئًا فشيئًا ركنًا أساسيًّا في لبنان هو المدرسة الخاصة المعروفة بانضباطها ومستواها العلمي.

 

فخامة الرئيس،

أيّها الإخوة والأخوات والأحبّاء،

 

4. يتّجه فكرُنا معكم إلى كلّ المحرومين من أفراح العيد، لسبب أو لآخر، ونحيّي كلّ الذين، وأنتم في طليعتهم فخامة الرئيس، قاموا بمبادرات متنوّعة تجاههم شهدت لمحبّة المسيح وزرعت الفرح والرجاء في قلوبهم. ونتطلّع بأملٍ، مع الإخوة النازحين من سوريا والعراق، إلى اليوم الذي يعودون فيه إلى بيوتهم وأراضيهم ووطنهم، حيث ينعمون بكرامتهم ويحافظون على ثقافاتهم، فيخفّفوا العبء عن لبنان واللبنانيّين المرهقين أصلًا اقتصاديًّا ومعيشيًّا وإنمائيًّا. ويتّجه فكرُنا إلى الشعب الفلسطيني المتألّم من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترانب، الرامي إلى تهويد مدينة القدس المقدّسة ونزع الصفة المسيحيّة والإسلاميّة عنها، متحدِّيًا رغبة العالم كلّه وبخاصّة محبِّي السلام، وكأنّه يريد أن يقضي على القضيّة الفلسطينيّة وحلّها بإنشاء الدولتَين.

 

نسأل المسيح الإله، الذي أشعّ بنوره في قلب اللّيل، ساعة وُلد في بيت لحم، أن يسطع بنوره على الظلمات التي نعيش فيها ويبدّدها، راجين أن تتحقّق في عالمنا كلمة أشعيا النبي: "الشعبُ السالكُ في الظلمة، أبصر نورًا عظيمًا. والسالكون في أرض الموت وظلاله أشرق عليهم النور" (أش9: 1).

 

وإذ نجدّد تهانينا القلبيّة وتمنيّاتنا لكم، يا فخامة الرئيس ويا أيّها الحاضرون والمشاهدون، نهتف قائلين:

وُلد المسيح، هللويا!

 

 

 

 

بكركي.