عظة البابا بمناسبة اختتام السينودس الخاص بالشبيبة

متفرقات

عظة البابا بمناسبة اختتام السينودس الخاص بالشبيبة

 

 

 

 

 

إن الفقرة التي يرويها الإنجيلي مرقس عن رسالة يسوع في تنقّله، قبل أن يدخل بعدها بقليل إلى أورشليم كي يموت ويقوم من الموت. وكان بالتالي بَرطيماوُس الأخير في اتّباع يسوع على طول الطريق: ويتحوّل من شَحَّاذ جالس على جانب طريق أريحا إلى تلميذ يسير برفقة التلاميذ الباقين إلى أورشليم. لقد سرنا نحن أيضًا معًا، لقد "عشنا السينودس" والآن يَختِم هذا الإنجيلُ ثلاثَ خطوات أساسيّة لمسيرة الإيمان.

 

 

 

 

 

لننظر أوّلًا إلى بَرطيماوُس: اسمه يعني "ابن طيماوُس". والنصّ يحدّده: "ابن طيماوُس، بَرطيماوُس" (مر 10، 46). ولكن هناك تناقض ما: الوالد غير موجود فيما أن الإنجيل يؤكّده. بَرطيماوُس يجلس وحده على جانب الطريق، خارج البيت ودون أب: ليس محبوبًا، بل إنه متروك. هو أعمى وليس له من يصغي إليه؛ وحين كان يريد التكلّم كانوا يسكتونه. يسوع يسمع صراخه. وعندما يلتقي به يدعه يتكلّم. لم يكن من الصعب تخمين ما سيطلبه بَرطيماوُس: من الواضح أن الأعمى يريد أن يستعيد النظر. لكن يسوع لا يتسرّع، بل يعطي الوقت للإصغاء. هذه هي الخطوة الأولى لمسيرة الإيمان: الاصغاء. إنه العمل الرسوليّ الخاص بالأذن: الاصغاء، قبل التكلّم.

 

 

 

 

 

 

ولكن على العكس، فالكثير ممّن كانوا مع يسوع كانوا ينتهرونه كي يسكت (را. آية 48). فالحاجة بالنسبة لهؤلاء التلاميذ كانت ازعاجًا لهم في طريقهم، أمرًا غير متوقّع في برنامجهم المُعد. كانوا يفضّلون أوقاتهم على أوقات المعلّم، وأقوالهم على الاصغاء للآخرين: كانوا يتبعون يسوع، ولكن كان لديهم مشاريعهم. وهذا خطر علينا التنبّه منه على الدوام.

 

 

 

أما بالنسبة ليسوع، فصرخة الذي يطلب العون ليس بإزعاج يعوق المسيرة، إنما طلب حيويّ. كم هو مهمّ بالنسبة لنا أن نصغي إلى الحياة! أبناء الآب الحيّ يصغون إلى الإخوة: لا إلى الثرثرة غير المفيدة، إنما إلى حاجات القريب. الاصغاء بمحبّة وصبر، كما يصغي الله إلينا، في صلواتنا التي غالبًا ما تتكرّر. الله لا يتعب أبدًا، يفرح دائما عندما نبحث عنه. لنطلب نحن أيضًا نعمة اقتناء قلب طيّع للإصغاء. أودّ أن أقول للشبيبة باسمنا جميعًا نحن البالغين: اغفروا لنا إن كنّا غالبًا ما لم نصغِ إليكم؛ إن كنّا، بدل أن نفتح لكم قلبنا، قد ملأنا آذانكم. نريد، ككنيسة يسوع، أن نصغي إليكم بمحبّة، ونحن على يقين من أمرين: أن حياتكم هي ثمينة بنظر الله، لأن الله شابّ ويحبّ الشبيبة؛ وأن حياتكم هي ثمينة أيضًا بالنسبة إلينا، لا بل ضرورية للمضيّ قدما.

 

 

 

 

 

بعد الاصغاء، هناك خطوة ثانية لمرافقة مسيرة الإيمان: التقرّب من الآخرين. لننظر إلى يسوع الذي لم يوفد أحدًا من "الجمع الكثير" الذي كان يتبعه، إنما ذهب للقاء بَرطيماوُس بنفسه. قال له: "ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟" (آية 5). ماذا تريد: يسوع يساوي نفسه ببَرطيماوُس، لا يتخلّى عن تطلّعاته؛ أن صنع: أن أصنع، ليس فقط أن أقول؛ لك: لا بحسب أفكار محدّدة مسبقًا لأيّ شخص كان، إنما لك، في وضعك. هذا ما يصنع الله، متدخّلا شخصيّا وبدالّة كبيرة لكلّ منّا. رسالته تمرّ عبر طريقته بالتصرّف: هكذا ينمو الإيمان في الحياة. فالإيمان يمرّ في الحياة. عندما يركّز الإيمان على الصيغ العقائديّة فقط، قد يتحدّث إلى الفكر فقط، دون أن يلمس القلب. وعندما يركّز فقط على الأعمال، قد يصبح عملا أخلاقيًّا أو يقتصر على الأعمال الاجتماعية. لكن الإيمان على العكس هو حياة: هو عيش محبّة الله التي غيّرت حياتنا. لا يسعنا أن نكون علماء شريعة أو نشطاء؛ لقد دعينا لحَملِ عمل الله على التقدّم بحسب طريقة الله، في التقرّب: قريبين منه، وبشركة فيما بيننا، وقريبين من الإخوة. التقرّب: هذا هو السرّ لنقل قلب الإيمان، لا بعض الجوانب الثانوية.

 

 

 

 

 

التقرّب هو حمل جدّة الله في حياة الأخ، هو الترياق ضدّ تجربة الوصفات الجاهزة. لنسأل أنفسنا إذا كنّا مسيحيّين قادرين على أن نكون قريبين، وعلى الخروج من دوائرنا لمعانقة أولئك الذين "ليسوا منّا" والذين يبحث الله عنهم بتوق. هناك التجربة التي تعود عدّة مرات في الكتب المقدّسة: غسل الأيدي. هذا ما يصنعه الجمع في إنجيل اليوم، وهذا ما صنعه قاين مع هابيل، وهذا ما سوف يصنعه بيلاطس مع يسوع: غسل الأيدي. أمّا نحن فعلى العكس نريد أن نتشبّه بيسوع، وأن نوسّخ أيدينا مثله. هو الحياة (را. يو 14، 6)، وقد توقّف في الطريق من أجل بَرطيماوُس؛ هو نور العالم (را. يو 9، 5) وقد انحنى على أعمى. لنعترف أن الربّ قد أوسخ يديه من أجل كلّ واحد منّا، ولننطلق ونحن ننظر إلى الصليب، ننطلق ونحن نتذكّر أن الله قد صار قريبي في الخطيئة وفي الموت. لقد صار قريبي: كلّ شيء يبدأ من هنا. وعندما نتقرّب نحن أيضًا من الآخرين محبّةً به، نصبح حاملي حياة جديدة: لا معلّمي الجميع، ولا خبراء الأمور المقدّسة، إنما شهود للمحبّة الفادية.

 

 

 

 

 

الشهادة هي الخطوة الثالثة. لنتأمّل بالتلاميذ الذين دعوا بَرطيماوُس: لم يأتوه، هو الشحاذ، بعملة صغيرة تهدّئه ولم يقدّموا له النصائح؛ بل ذهبوا باسم يسوع. ووجّهوا إليه في الواقع كلمات ثلاث فقط، وكلّها ليسوع: "تَشَدَّدْ! قُم. يَدْعوك" (آية 49). وحده يسوع في باقي الإنجيل يقول تشدّد!، لأنه وحده يقيم القلب. وحده يسوع في الإنجيل يقول قُم، كي يشفي الروح والجسد. وحده يسوع يدعو، فيغيّر حياة الذي يتبعه، ويقيم من كان على الحضيض، ويحمل نور الله في ظلام الحياة. فالكثير من الأبناء، الكثير من الشبيبة، مثل بَرطيماوُس، يبحثون عن نور في الحياة. يبحثون عن حبّ حقيقي. وهم أيضًا، مثل بَرطيماوُس الذي، بالرغم من وجود جمع كثير، استغاث بيسوع فقط، يناشدون الحياة، ولكنّهم غالبًا ما يلقون وعودًا زائفة وقليلًا من الأشخاص الذين يهتمّون لأمرهم حقًّا.

 

 

 

 

 

 

ليس من المسيحيّ أن ننتظر أن يقرع بابنا الإخوة الذين يبحثون عن أجوبة؛ علينا ان نذهب إليهم، ونحمل معنا، لا أنفسنا، بل يسوع. فهو يرسلنا مثل هؤلاء التلاميذ، كي نشدّد الآخرين ونقيمهم باسمه. يرسلنا كي نقول لكلّ منهم: "يطلب منك الله أن تسمح له بأن يحبّك". كم من مرّة قد حملنا للآخرين، بدل رسالة الخلاص هذه المحرّرة، أنفسنا، و"وصفاتنا" الخاصّة، و"علاماتنا" في الكنيسة! وكم من مرّة، بدلا من أن نتبنّى كلام الربّ، قد "بعنا" أفكارنا على أنها كلامه! كم من مرّة يشعر الناس بثقل مؤسّساتنا أكثر من حضور يسوع الصديق! فنبدو وكأننا منظّمة غير حكوميّة، أو منظّمة شبه حكوميّة، لا على أننا جماعة المخلّصين الذي يعيشون فرح الربّ.   

 

 

 

 

 

الإصغاء التقرّب، الشهادة. إن مسيرة الإيمان في الإنجيل تنتهي بشكل جميل ومفاجئ، مع يسوع وهو يقول: "اِذهَبْ! إِيمانُكَ خلَّصَكَ" (آية 52). لم يعلن بَرطيماوُس إيمانه، ولم يقم بأيّ عمل؛ لقد التمس فقط الرحمة. فالشعور بالحاجة إلى الخلاص هو بداية الإيمان. هو الطريق المباشر للقاء يسوع. إيمان بَرطيماوُس لم يكمن في أفكاره الواضحة حول الله، إنما في بحثه عنه، في رغبته بأن يلتقيه. الإيمان هو مسألة لقاء، لا نظريّة. يسوع يمرّ باللقاء، وباللقاء ينبض قلب الكنيسة. وما هو فعّال حقا إنما هي شهادة حياتنا لا عظاتنا.

 

 

 

 

 

ولكم جميعًا أنتم الذين شاركتم بهذا "السير معًا"، أقول شكرًا على شهادتكم. لقد عملنا بشركة وبصراحة، راغبين بخدمة الله وشعبه. ليبارك الربّ خطواتنا، كي نستطيع أن نصغي إلى الشبيبة، وأن نتقرب منهم، ونشهد أمامهم لفرح حياتنا: يسوع.   

 

 

 

 

عظة قداسة البابا فرنسيس

خلال القدّاس الإلهي

بمناسبة اختتام السينودس الخاص بالشبيبة

الأحد 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018

موقع الكرسي الرسولي