طويل طريق الصليب، طويل طريق الإيمان. تلميذا عمّاوس عرفا يسوع عند كسر الخبز. وعندما رويا مغامرتهما مع القائم من بين الأموات للرسل، أخبرهم هؤلاء بأنه تراءى لسمعان بطرس، وبالمناسبة، هذا الظهور لسمعان غائب من روايات القيامة. وفجأة يسوع يتواجد في وسطهم.(لو 24 /13-35)
مبدأيًا على هذا الحضور أن لا يفاجئهما بما أنهما في صدد التحدث عن لقائهم السابق معه. ومع ذلك لم يصدقوا أعينهم واعتبروه روح، كما لو أنه من الممكن أن نرى الروح. كلمة الروح هنا تعني غير واقعي. الإنجيلي يريد أن يفهمنا أمرين.
الإيمان لا ينضج فجأة وبطريقة سحرية؛ لا يأخذ شكله الكامل إلاَّ في نهاية الطريق، وعلينا أن نشكر الله بأن هذا الإيمان في البداية لا يتجاوز حبة الخردل. كما أنه لا يمكننا الحصول على الإيمان كخير لا يمكن أن يُنتزع: قد نكون مؤمنين في الساعة الثامنة صباحًا وغير مؤمنين بعد خمس دقائق.
في الواقع نحن لا نملك الإيمان، نستقبله باستمرار. الإيمان يتطلب منّا إذا انفتاح مستمر، أي الوعي لحضور الله؛ وهذا الحضور هو الذي يوجدنا. لقد اعتقدنا بأننا قتلنا الله، وكثير من معاصرينا يعتقدون بأنهم انتهوا من هذا الأمر.
لكنه هنا، قائم من بين الأموات. بالنسبة إلى المؤمنين الموت النهائي للمسيح، يعني عودتنا إلى العدم؛ وقيامته هي ضمان لحياتنا الأبدية. كلمة الجسد غامضة في الكتاب المقدس.
أحيانًا تشير إلى الجسد الإنساني، وأحيانًا أُخرى الكائن الإنساني بمجمله «كل جسد سيرى خلاص الله» أو «الروح القدس يحل على كل جسد». كما يمكن أن تعني كل ما يعارض فينا الروح القدس. الإنجيلي لوقا يشدد أكثر من الإنجيلين الآخرين على الطابع الجسدي للقيامة.
في إنجيل اليوم لا يكتفي يسوع، كما في إنجيل يوحنا 20، بأن يبين جروحاته، بل يطلب طعامًا ويأكل السمك المشوي أمام التلاميذ. هذه الناحية الجسدية للقيامة تلقى لدينا العديد من الصعوبات. والمسيحيون الأوائل كانوا يتساءلون «كيف يقوم الأموات؟ وبأي جسد يعودون؟» (1 قور 15، 35).
وبولس يجيب بأن الفارق بين الجسد المائت وجسد القيامة كالفارق بين البذرة التي تُزرع في الأرض والنبتة الناضجة. لا شك بأنها استعارة، لكنها مهمة لكونها تبين لنا ارتباط الاستمرارية بالانقطاع. الشيء نفسه يصبح آخرًا. يسوع يأكل، يحتفظ بجروحه، لكنه لم يعد خاضعًا لقوانين الزمان والمكان.
فنحن لسنا مدعوين فقط لنؤمن دون أن نرى، إنما أيضًا أن نؤمن دون أن نتصور حتى. لأنه لا يمكننا لا، أن نصف ولا أن نفكر الجسد القائم من الموت. ومع ذلك هناك جسد. والطبيعة مملؤة من صور القيامة: تناوب الفصول، النوم والاستيقاظ الخ. عبور المتعاكسات الواحد في الآخر.
على طريق عمّاوس يفتح يسوع ذهن التلميذين ليفهموا الكتب المقدسة. في كل ظهور للقائم من الموت، ولكي يساعد التلاميذ على معرفته يشرح الكتب المقدسة: كيف أعلنت الكتب ما عاشه ويعيشه الآن وبالتالي يصبح يسوع من يفسر الحياة.
مجمل الكتاب المقدس، تحت شكل قصص متتابعة خاصة ومؤرخة ومحددة في المكان، أحيانًا رمزية، تكشف لنا معنى المغامر الإنسانية. كما يقول سفر الرؤيا، إنه كتاب مقفل مختوم بسبعة أختام، وحده المسيح قادر على فض الأختام. إنه يحقق ذلك بموته وقيامته، الحدث المفتاح وآخر كلمة للتاريخ.
هنا يأخذ معناه كل ما سبق، ويعطي معنى لما عاشته وتعيشه وستعيشه البشرية. يقول لنا بأن كل المتناقضات، كل الصراعات، كل الخير وكل الشر مأخوذ على عاتق المسيح الذي يجمعنا في جسد واحد. هذا الجسد هو جسده وعلينا أن نبذل ما بوسعنا لكي لا نفكر أن المسيح قام بجسده، إنما بالجسد الجديد الذي هو الكنيسة.
والواحد لا يوجد دون الآخر. وإن لم يقم المسيح شخصيًا فكلامنا باطل، و إيماننا باطل كما يقول بولس في رسالته إلى أهل قورنتس. حياتنا باطلة، وكل تاريخ الخلاص أيضًا. والله الخالق ليس سوى حبّ. فالقيامة هي نهاية الكتاب المقدس، وجوهر إيماننا وحياتنا. الكون بمجمله مجبول بالقيامة المخفية التي تأخذ أشكالاً متنوعة. وعلينا أن نكون شهود على ذلك.
أن نكون شهودًا، هذا لا يعني شهودًا لأمور عجائبية قد ترضينا، إنما شهود على أن يسوع الذي تألم ومات، يسوع القائم من بين الأموات يلتحق بالبشر في حياتهم ويغذيهم من هذه الكلمة لكونه يعطيها معناها.
واليوم علينا أن نتساءل: المسيح التحق بي من خلال مجهول، هذا المجهول قد يكون قريب مني لكنني لا أعرفه تمامًا. والسؤال: كيف استقبلت، كيف استقبل كلمته في حياتي، الكلمة التي تعطي المعنى لحياتي؟
الأب رامي الياس اليسوعي