صلاة مسكونية من أجل وحدة المسيحيين

متفرقات

صلاة مسكونية من أجل وحدة المسيحيين

 

 

 

 

 

إحتفل أساقفة من مختلف الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والشرقية القديمة والإنجيلية، بصلاة مسكونية في مناسبة أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، وذلك في كاتدرائية مار جرجس بالعاصمة اللبنانية بيروت.

 

 

 

وغصت الكاتدرائية بالمؤمنين التواقين إلى وحدة الكنيسة على صورة الأساقفة والكهنة الذين اجتمعوا ليصلوا من أجل وحدتهم، تقدمهم رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن على رأس وفد من الهيئة التنفيذية للمجلس وهيئات راعوية وأخويات.

 

 

وبعد الإنجيل، ألقى رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر عظة استهلها بالقول:

 

 

 

"سعادة السفير البابوي، نشكركم على مشاركتم معنا في هذه الصلاة، وللمرة الأولى في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في بيروت التي تحتفل هذه السنة بمرور 125 عامًا على وجودها، حاملين معكم بركة الأب الأقدس البابا فرنسيس، التي عليها نتكل ونشكر لكم كل ما ما تقومون به من أجلنا في لبنان ونشكر الأخوة التي تنظرونها ليست فقط في هذا اليوم، بل في كل مهمتكم في لبنان.

 

 

 

منذ أكثر من مئة عام، استفاق المسيحيون في العالم إلى دعوة الرّبّ لهم في الإنجيل المقدس، الى الصلاة من أجل وحدة المسيحيين وبخاصة بعد انقسامات حادة طرأت على حياتهم الكنسية في الألف الأول والثاني الميلاديين. وهذا أمر بديهي، فإن كان المسيح بذاته، قد صلى من أجل وحدة المؤمنين به، فكم بالأحرى علينا نحن أيضًا، أن نكمل صلاة المسيح ونعود إلى الوحدة المنشودة التي نريدها لكنائسنا جميعًا.

 

 

الصلاة أساس الوحدة، دعا إليها الربّ، فهي تلين القلوب وترجعنا إلى الله، هو الذي زرعنا في هذه الدنيا لنكون شهودًا له وقال: "سيعرف العالم أنكم تلاميذي إن كان فيكم حبّ بعضكم لبعض". إن الإنقسام في الكنيسة شهادة معاكسة لرسالتها وعلينا الواجب الضميري، أن نسعى بكل قلوبنا وطاقاتنا الى العودة إلى هذه الوحدة والشراكة الكاملة في ما بيننا. قال الرب: "يا أبتاه، ليكونوا واحدا كما أنا وأنت واحد". الآب والابن والروح جوهر واحد، إله واحد بثلاثة أقانيم. إيماننا بالآب والإبن والروح القدس لا يتزعزع.

 

 

إذا نحن مدعوون إلى أن نكون واحدًا ومتميزين ومتنوعين في آن معًا. أذكروا أن الكنيسة الأولى، منذ بدايات الرسل بدأت تتكلم لغات متعددة، الآرامية في الشرق واليونانية في آسيا الصغرى واليونان واللاتينية في روما، أي أنها انطلقت إلى تقاليد متميزة متنوعة، ويبقى جوهرها واحدا وإنجيلها واحدًا. لذلك نحن نسعى الى نكون بشركة واحدة بإيماننا ولو كنا مختلفين بتقاليدنا ولغاتنا. فالحضارات متعددة في الأرض والمسيحية تدخل إليها وتقدسها وتأخذ منها للتعبير عن كنه حياتها ورسالتها. لكن الإيمان يبقى واحدًا.

 

 

 

نصلي إذا من أجل وحدة المسيحيين، حتى تكون هذه الوحدة على صورة الوحدة بين الآب والإبن والروح ضمن التنوع والوحدة بالإيمان الحقيقي الواحد. منذ مئة عام صلينا ونصلي والرب يستجيب صلاتنا وطلباتنا، فالعمل المسكوني، عمل الوحدة يتقدم سنة بعد سنة في حياة الكنيسة، عبر الصلاة أولا ثم الحوار وهو المرتكز الثاني في العمل المسكوني. الحوارات كثيرة بين الكاثوليك والأرثوذكس، وبين الكنائس بمختلف مذاهبها، حوارات صارت وستبقى، لأفهم أخي الآخر كما هو يفهم ذاته، هدفها أن نتناقش ونتوافق وندرك معنى رسالتنا وإيماننا. هذه الحوارات يباركها الله ونريد أن تستمر في حياتنا وكنائسنا إلى أن نصل إلى الوحدة الحقيقية والشهادة الواحدة بيننا جميعًا.

 

 

صلاة وحوار ثم عمل مشترك. تدعونا الكنيسة الكاثوليكية وسائر الكنائس، إلى أن نلتقي بعضنا مع بعض في محاولات للصلاة معا وللعمل معا، في سبيل مجيء الملكوت. وفي هذه السنة دعوة خاصة للمسيحيين إلى أن يسهموا في العدالة في الأرض، فنقوم بعمل مسيحي حقيقي، كما سمعتم في الإنجيل المقدس الذي تلي عليكم.

 

 

الزمن المسيحاني زمن وجود المسيح على الأرض وفعله بذاته ثم بكنيسته، له علامة هي إطلاق المساكين والأسرى والعودة إلى العدل ونفي الظلم في العالم. تبشير المساكين علامة من علامات حضور الله وحضور المسيح في الكون. الإهتمام بالمسكين ورفع الظلامة عنه. نعم، أيها الإخوة، كلنا ننشد العدالة، وإذا عملنا من أجلها نكون عاملين بالمسيح ومعه من أجل زمن إفتداء الكون وإتمام ملكوت الله. ربما عند الشعوب وعند المؤمنين وغير المؤمنين، هناك موقف من العدالة في الأرض وهناك أعمال من أجل العدالة، نباركها ونقول يجب أن تتم، إنما علينا نحن بصفة خاصة، أن نضع فيها روح المسيح. العدالة فهمها الناس منذ القديم، عدالة أخذ وعطاء.

 

 

إنها عدالة أساسية عرفها العالم منذ قبل المسيح. وبعد المسيح وبصورة خاصة في الأيام الأخيرة، عرفنا عدالة جديدة على مستوى البشر، تدعى عدالة اجتماعية، تنطلق من أساس أن لكل إنسان كرامته. إنسان لديه إمكانات للعيش بكرامة، فيكون له بيت وعائلة وعمل، وإذا صار غير قادر على العمل، يعطى ما يجب أن يعطاه، حتى يبقى إنسان له كرامته. العدالة الإجتماعية، عدالة تهتم بالإنسان كإنسان، وهذا أمر جيد جدا وتقدم في حياة الشعوب. ونحن المسيحيين نرى العدالة مكتملة بصورة خاصة في الفداء والعطاء للآخر من دون مقابل، فنعزز بذلك روح الوحدة فينا.

 

 

المسيح أحبنا أولاً، كما يقول بولس الرسول واهتم بنا ونحن خطأة. من يهتم بالخطأة؟ لم يطلب منا أن نعتذر عن خطيئتنا، قبل أن يحبنا، بل قام بالمبادرة وأحبنا هو ونحن خطأة، ودفع دماءه فداء عنّا، حتى يبررنا ويعيد إلينا الإنسانية المفتداة بدمه الثمين. لذلك نحن المسيحيين نؤمن بالعدالة وما بعد العدالة وبما هو أسمى من العدالة البشرية. عدالة أن نعوض عن تقصير غيرنا، ليكون في الأرض سلام ولكل إنسان كرامته. الرب يسوع يدعونا إلى هذا السمو. فمطلوب مني أن أضحي وأن أعطي من ذاتي ومن دون مقابل حتى يكتمل ملكوت الله. الناس هم إخوتي. هكذا تتم العدالة، بالرحمة والمحبة التي لا حدود لها. وتصبح العدالة إنسانية وتعبيرا عن روح الله في هذه الأرض.

 

 

 

لذلك إن قمنا في هذا العمل اليوم وفي كل يوم ولنا اهتمام بالعدالة بين الناس جميعًا. إن كنا نريد أن نرضي ربنا يسوع المسيح، نقوم معا، بهذا العمل، كاثوليكيين وأورثوذكسيين وشرقيين وغربيين وبروتستانت لا فرق بين مؤمن ومؤمن بالنسبة الى العمل من أجل العدالة، التي نعمل من أجلها من خلال الإقتراب من بعضنا البعض، فتتم وحدتنا بالصلاة والمحبة التي نكتشفها، باسم الرب يسوع المسيح.

 

العدالة والعمل في سبيلها هي وحدة بين المسيحيين، تعطيهم فرصة ليلتقوا على العمل الواحد والهدف الواحد. وهكذا نعرف بعضنا بعضًا أكثر ونحب بعضنا بعضًا أكثر ونقترب من حقيقة المسيح ومحبته. وبإذن الله ستتم الوحدة، ولكننا يجب أن نعرف، حتى ولو تمت هذه الوحدة، قد نقع في الإنقسام من جديد بعد الوحدة، لأن القداسة من الله وفي الناس شر يتربص بهم، وربما يعيدهم إلى الإنقسام بعد الوحدة. لذلك موضوع الوحدة سيرافق الكنيسة حتى عودة المسيح. نهتم بها ونحافظ عليها لنؤمن بأننا قمنا بواجباتنا باسم الإنجيل وزرعنا ملكوت الله في كل القلوب.

 

أعطنا يا ربّ أن نشهد لمحبتك في الأرض، وأن نتوحد بإيماننا، توحدًا كاملاً ونعود إلى الشركة الكاملة في ما بيننا ونتفاهم على كل ما اختلفنا عليه. أعطنا من روحك نقاوة ومحبة حتى نغير وجه الأرض، فإنك لهذا جئت، حتى تصبح الأرض سماء جديدة وأرضًا جديدة، لك المجد إلى الأبد".

 

 

 

 

 

 

وفي ختام الصلاة، ألقى رئيس اللجنة الأسقفية للعلاقات المسكونية المطران جوزف معوض كلمة قال فيها:

 

 

"الحركة المسكونية والعدالة والاجتماعية اللجنة الى أعدت أسبوع الصلاة من أجل الوحدة لهذه السنة، بالتنسيق مع المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين في الفاتيكان، ومع لجنة إيمان ودستور في المجلس العالمي للكنائس، إختارت موضوع التأمل حول العدالة الاجتماعية. لهذه العدالة ركيزة كتابية. فالأنبياء نددوا بالظلم وبالتعدي على حقوق الآخرين ولا سيما الضعفاء، ودعوا الى الانصاف والاحسان والتماس الحق ( أشعيا 1/11-17 ومتى 3/4). وأشعيا يجعل من العدالة الاجتماعية علامة لحلول الزمن المسيحاني، حين يتكلم على مسيح الرب الذي مسحه الروح وأرسله ليبشر المساكين، ويجبر منكسري القلوب، ويحرر الأسرى والمظلومين (أشعيا 61/1). والسيد المسيح، في بداية حياته العلنية تلا هذا النص من أشعيا في الناصرة، وأعلن عن تحقيقه في يوم تلاوته ( لو4/21).

 

 

تقدم العدالة الاجتماعية مساحة مسكونية، لأنها تستقطب اهتمام المسيحيين من مختلف الكنائس. وهي تقتضي احترام الشخص البشري وحقوقه، ومنها الحق في العيش الكريم والهانئ، بتوفير العلم والطبابة والعمل، والحق في حرية الرأي والضمير. تتأصل العدالة الإجتماعية في المساواة في الكرامة الانسانية بين كل البشر. وتقود الى التنديد بالفساد والظلم في مختلف المجالات ولاسيما متى طال العمل السياسي، أو الاقتصادي، أو القضائي أو مجال العمل عبر استغلال العاملين وهضم حقوقهم. وتظهر الخبرة مدى فاعلية التضامن بين المؤمنين من مختلف الكنائس، في تحقيق هذه العدالة في الواقع المعاش. وهي لا تشكل مجالا للتعاون بين المسيحيين فقط من مختلف الكنائس، بل مع كل الأشخاص ذوي الارادات الطيبة الذين يطمحون الى مجتمع أكثر انسانية وعدالة ورحمة.

 

 

نرفع الصلاة على نية تحقيق العدالة الاجتماعية في المدينة الأرضية حيث المعاناة من الظلم قائمة. نرفع صلاتنا من كنيسة مار جرجس ـ بيروت، في هذا الاحتفال المسكوني الذي نظمه وأشرف عليه ودعا اليه صاحب السيادة رئيس أساقفة أبرشية بيروت المطران بولس مطر السامي الاحترام. فلسيادته الشكر وأطيب الدعاء أقدمه، باسم اللجنة الأسقفية للعلاقات المسكونية التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، التي تتعاون مع مجلس كنائس الشرق الأوسط، مع الشكر لأصحاب الغبطة وممثليهم، وسيادة السفير البابوي المطران جوزف سبيتيري، وأصحاب السيادة والآباء والراهبات وكل المشاركين. معًا نصلي ونعمل من أجل وحدة الكنيسة وبناء مجتمع تسوده العدالة والرحمة".

 

 

 

الوكالة الوطنية للإعلام