"بتلاوتنا لصلاة الأبانا نشعر بنظر الآب علينا" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان، وشدّد على أنَّ الصَّلوات ليست بالنسبة للمسيحيّ كلمات سحريّة وذكّر المؤمنين أنَّ كلمة "يا أبي" هي الكلمة التي يتلفّظ بها يسوع دائمًا في اللّحظات القويّة من حياته.
لا تُكَرِّروا الكَلامَ عَبَثًا مِثلَ الوَثَنِيّين، ولا تظنّوا أنَّ الصَّلوات هي كلمات سحريّة؛ استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجيّة اليوم من القدِّيس متّى (6/ 7-15) والذي نرى فيه يسوع يعلّم تلاميذه صلاة "الأبانا"، ليتوقّف في تأمّله الصباحي عند قيمة صلاة "الأبانا" في حياة المسيحيّ، وقال إنّ يسوع يشير إلى فسحة الصلاة بكلمة واحدة: "أبانا"، وهذا الأب يعرف ما نحن بحاجة إليه قبل أن نطلبه منه، ويُصغي إلينا في الخفية، ويسوع ينصحنا بأن نصلّي إليه في الخفية أيضًا.
هذا الآب يُعطينا هويّة الأبناء. وعندما أقول "أبي" أصل إلى جذور هويّتي، لأنَّ هويّتي المسيحيّة هي بأن أكون ابنًا وهذه نعمة من الرّوح القدس، إذ لا يُمكن لأحد أن يدعو الله أبًا بدون نعمة الرُّوح القدس. إنَّ كلمة "أبي" هي الكلمة التي كان يسوع يتلفّظ بها دائمًا في اللحظات القويّة من حياته: عندما كان ممتلئًا فرحًا: "أحمدك يا أبي لأنّك أظهرت هذه الأمور للأطفال"، أو عندما بكى أمام قبر صديقه لعازر: "أحمدك يا أبي لأنك في كلِّ حين تسمع لي"، وأخيرًا في آخر لحظات حياته.
في اللّحظات القويّة يقول يسوع "يا أبي"، إنّها أكثر كلمة يستعملها، لأنّه يتكلّم مع الآب. هذه الكلمة هي درب الصَّلاة ولذلك أسمح لنفسي بأن أقول أيضًا إنّها فسحة الصَّلاة، لأنّنا إن لم نشعر بأنّنا أبناء وإن لم نقل هذه الكلمة فصلاتنا هي وثنيّة ومجرّد تكرار كلمات.
بالطبع يمكننا أن نصلّي لمريم العذراء والملائكة والقدِّيسين، ولكنّ حجر الزاوية للصَّلاة هو الآب، إن كنا غير قادرين على أن نبدأ صلاتنا بهذه الكلمة فصلاتنا ليست نافعة. أن أقول "يا أبي" هو أن أشعر بنظرة الآب عليّ، وأن أشعر بأنّ هذه الكلمة ليست تكرار كلمات كصلاة الوثنيِّين: إنّها دعوة للذي أعطاني هويّة الابن. هذه هي فسحة الصّلاة المسيحيّة – يا أبي – ومن ثمّ يمكننا نصلّي إلى جميع القدِّيسين والملائكة ونقوم بالتطوافات وزيارات الحجّ... كلّها أمور جميلة ولكن علينا أن نبدأ صلاتنا على الدّوام بكلمة "أبانا" مُدركين أنَّنا أبناء وأنَّ لدينا أبًا يحبّنا ويعرف احتياجاتنا كلّها. هذه هي فسحة الصلاة.
المغفرة التي يشير إليها يسوع في "صلاة الأبانا" أي "وَأَعفِنا مِمّا عَلَينا، فَقد أَعفَينا نَحنُ أَيضًا مَن لَنا عَلَيه" وقال إذا كانت كلمة "أب" هي فسحة الصّلاة، فجوّ الصلاة إذًا هو "أبانا" لأنّنا إخوة وعائلة. قايين حقد على أخيه، ابن الآب؛ الآب يعطينا الهويّة والعائلة، لذلك من الأهميّة بمكان أن نعرف أن نغفر ونسامح وننسى الإهانات، إنّها عادة سليمة وبالتالي نتعلّم هكذا أن نترك الأمور للرّبّ بدون أن نحمل في داخلنا الحقد والرّغبة بالانتقام.
إنّ أفضل صلاة يُمكننا تلاوتها هي صلاة الأبانا غافرين خلالها لجميع من خطئ إلينا. من الجيّد لنا أن نفحص ضميرنا أحيانًا حول هذا الأمر. هل أعتبر الله أبًا لي وهل أشعر به أبًا لي؟ وإن كنتُ لا أشعر بهذا الأمر عليَّ أن أطلب من الرُّوح القدس أن يعلّمني إيَّاه. ومن ثمَّ هل أنا قادر على نسيان الإهانات ومسامحتها، وإن كنتُ لا أقدر، عليّ أن أتوجّه إلى الآب قائلاً: "هؤلاء هم أيضًا أبناءك وقد سبَّبوا لي الأذى... ساعدني لأغفر وأسامح". لنقُم بفحص الضمير هذا وسيساعدنا هذا الأمر كثيرًا. إنّ صلاة الأبانا تعطينا هويّة الأبناء وعائلة نسير معها في دروب الحياة.
إذاعة الفاتيكان.