"إنَّ الصَّلاة من أجل الأشخاص الذين يريدون أذيتنا ستجعل هؤلاء الأشخاص أشخاصًا أفضل، وستجعلنا أكثر تشبُّهًا بالآب، أي أبناء للآب" بهذه الكلمات اختتم البابا فرنسيس عظته مترئسًا القدَّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان.
استهلَّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من إنجيل القدِّيس متّى (5/ 43- 48) والذي نقرأ فيه وصيّة يسوع لتلاميذه: "سَمِعتُم أَنَّه قيل: أَحبِب قَريبَكَ وَأَبغِض عَدُوَّكَ. أَمّا أَنا فَأَقولُ لَكُم: أَحِبّوا أَعداءَكُم، وَصَلّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم، لِتَصيروا بَني أَبيكُمُ الَّذي في ٱلسَّمَوات. لأنَّهُ يُطلِعُ شَمسَهُ عَلى الأَشرارِ وَالأَخيار".
"سَمِعتُم أَنَّه قيل... أَمّا أَنا فَأَقولُ لَكُم" كلمة الله عينها وأسلوبين مختلفين لفهمها: لائحة من الواجبات والممنوعات ودعوة لمحبّة الآب والإخوة من كلِّ القلب وصولاً إلى ذروة هذه المحبّة: الصَّلاة من أجل الأعداء. إنّها جدليّة المواجهة بين علماء الشَّريعة ويسوع، بين الشَّريعة التي يقدّمها الكتبة والفريسيّون للشَّعب العبراني وملء الشَّريعة الذي يؤكّد يسوع أنّه جاء ليتمّمه.
يسوع بدأ بشارته في مرحلة كان تفسير الشَّريعة يمرّ بأزمة لأنّه كان تفسيرًا نظريًّا... يمكننا القول أنّها كانت شريعة فارغة من قلب الشَّريعة أي محبَّة الله التي أُعطيت لنا. لذلك يكرّر الرَّبّ وصيّة العهد القديم: ما هي الوصيَّة الكُبرى في الشَّريعة؟ "أحبب الرَّبَّ إلهك بكلِّ قلبك وكلِّ نفسك وكلِّ ذهنك، وأحبب قريبك حبَّك لنفسك". ولكن لم يكن هذا المحور في تفسيرات علماء الشَّريعة، وإنّما المنطق المُعتمد على الحالة: هذا يمكن فعله وذاك لا يمكن فعله... أمَّا يسوع يُزيل هذا المنطق ليعيد للشريعة معناها الحقيقيّ ويحملها إلى ملئها.
يسوع يقدّم لنا أمثالاً عديدة ليُظهر لنا الوصايا في رؤية جديدة، فلا تقتل تعني أيضًا لا تُهين أخاك لا بل يذهب أبعد ويقول لنا: "وَمَن أَرادَ أَن يُحاكِمَكَ لِيَأخُذَ قَميصَكَ، فَٱترُك لَهُ رِداءَكَ أَيضًا. وَمَن سَخَّرَكَ أَن تَسيرَ مَعَهُ ميلاً واحِدًا، فَسِر مَعَهُ ميلَين. مَن سَأَلَكَ فَأَعطِهِ، وَمَنِ استَقرَضَكَ فَلا تُعرِض عَنهُ".
إنّها مسيرة شفاء القلب، في مسيرة التفسير الذي يقدّمه يسوع نرى مسيرة شفاء: قلب جرحته الخطيئة الأصليّة – وقلوبنا جميعًا قد جرحتها الخطيئة – أمَّا الآن فعليه أن يسير درب الشِّفاء هذه ليصبح أكثر تشبّهاً بالآب الذي هو كامل: "فَكونوا أَنتُم كامِلين، كَما أَنَّ أَباكُمُ ٱلسَّماوِيَّ كامِل"، إنّها درب شفاء لنصبح أبناء على مثال الآب.
الكمال الذي يُرشدنا إليه يسوع نجده في إنجيل القدِّيس متّى هذا: "سَمِعتُم أَنَّه قيل: أَحبِب قَريبَكَ وَأَبغِض عَدُوَّكَ. أَمّا أَنا فَأَقولُ لَكُم: أَحِبّوا أَعداءَكُم، وَصَلّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم"، والجزء الأخير منه هو الأصعب. لنطلب من الرَّبِّ هذه النعمة فقط: نعمة الصَّلاة من أجل الأعداء والذين يُريدون أذيتنا والذين لا يحبّوننا. لنصلِّ من أجل الذين يُضمرون لنا الشَّرَّ ويضطهدونا.
كلٌّ منَّا يعرف من هم هؤلاء الأشخاص بالنسبة له، يعرفهم بأسمائهم، لنصلِّ لهم، وأؤكّد لكم أن هذه الصَّلاة ستعطينا نتيجتين: ستجعل هذا الشَّخص شخصًا أفضل لأنَّ الصَّلاة قوَّية جدًّا، وستجعلنا أكثر تشبّها بالآب، أي أبناء للآب.
إذاعة الفاتيكان.