ما يهمّنا في هذه المقالة، هو تسليط الضّوء على معنى تزيين البيت بمغارة الميلاد، والعِبر الروحيّة والإنسانيّة التي بإمكاننا إتّخاذها بهدف عيش أفضل لمعنى الميلاد.
فلنقم في زيارة متواضعة في أرجاء المغارة، مُتأمّلين بفرح مع الرُّعاة في حدث الميلاد العجيب.
إذاً ما الذي ستقوله لنا رمزيّة هذا البُعد التقليديّ لحضور المغارة الميلاديّة؟ وكيف بإمكاننا فهم رسالة البيت المسيحيّ إنطلاقاً من هذا الحدث الرّائع؟
1- رحلة المغارة
تنقلنا المغارة الورقيّة بأشكالها المتواضعة والعديدة، إلى عالم العهد الجديد، وتحديداً إلى إنجيليّ متّى الرّسول ولوقا البشير، اللذين كتبا بإسهاب وبشكلٍ فريد وخاصّ حدث ميلاد الرّبّ (مت 1: 12- 1 ؛ لو 2: 7) الرّجاء الصّالح، الذي يطال حياة كلّ عائلة وإنسان ومجتمع، مفاده أنّ المسيح العمّانوئيل الله معنا يسير معنا يسهر معنا يسمعنا يرافقنا ويتشفّع بنا (راجع مت1: 22) وهو باقٍ معنا حتّى منتهى الدّهور (راجع مت 28: 20؛ يو14: 21- 18).
لهذا فمغارة الميلاد المتألّقة في زاوية البيت، تحثّ العائلة أن تقرأ كلّ يوم كلمة الرّبّ لأنّ الإيمان يتطلّب السَّماع والإصغاء (روم 10: 15-13).
2- المغارة والصّلاة
تخبرنا النصوص الإنجيليّة أن ولادة المخلّص، تمّت في بيت لحم، هناك ثغا الحمل الإلهيّ مرحّباً بالإنسانيّة المجتمعة من حول مريم ويوسف (لو2: 16) والرّعاة (لو2: 16) والمجوس الآتين ( مت2/ 10-11) سجدوا أجمعين حول رجاء الشّعوب والأمم.
تعلّمنا مغارة الميلاد، معنى التحلّق اليوميّ حول المسيح، يتجلّى في الصّلاة الشّخصيّة والعائليّة والإحتفالات الدينيّة ولاسيّما المشاركة في القدّاس وممارسة سرّ التوبة، والاتّحاد في الصّلاة من أجل البابا فرنسيس دعماً لرسالته تجاه العائلة وأن نكون جميعنا فرنسيس رسل السَّلام في الحقيقة.
3- المغارة والضيافة
نجد أنّ مغارة الميلاد كانت مُمتلئة بالوافدين الذين أتوا من كلِّ حدبٍ وصوب، طالبين السُّجود للمسيح المخلّص، فاستقبلتهم عائلة يسوع بالترحاب وحسن الضيافة. لهذا علينا أن نتأمّل في المعنى الحقيقيّ لرسالة البيت ودوره الرسوليّ في المجتمع والكنيسة - الرَّعيّة سائلين ذواتنا السؤال التالي: هل نستقبل الحياة بفرح وكرم؟ فأمام ثقافة الكبرياء - الأنا/ الفردانيّة، على العائلة أن تربي أولادها على فرح اللقاء بالآخر، وحسن الضيافة والإستقبال...
4- المغارة وزاوية البيت
صحيح أنَّ عائلة النّاصرة لم تجد لها موضعاً تأوي إليه ولا حتّى مضافة تستقبلها. لكن القدّيس لوقا كمتّى الرّسول، يلمّحان بشكلٍ غير مباشر، إلى أنّ هناك أحد ما استقبلهم في بيته (مت2: 11) وتحديداً في الإسطبل (لو2: 6). وهذا يدلّ على التالي: فالمغارة التي تركنها العائلة في زاوية بيتها، تحث أفراد الأسرة على التفكّر بــ"نِعَم" الربّ الدّائمة أن تستقبله دون خوف وتردّد أو أعذار واهية، ففي الـ"نَعَم" يحوّل البيت الى فردوس نِعَم.
خلاصة روحيّة
تنقلنا مغارة الميلاد، الى حقيقة معنى العيد، إلى شغف الله أن يكون حاضراً في وسط عائلاتنا، لأنّ البيت يعنيه فهو المهد الذي يرتاح فيه. فكما كانت بداية التبشير بيسوع من بيت الناصرة (راجع لو 1: 26)، حملتها مريم وسارت بها مسرعة نحو بيت إليصابات (لو1: 44-39). ومن بيت زكريا هتفت أم الرّبّ نشيد التعظيم لله المخلص (لو1: 56 - 46). هكذا يبقى على البيت أن يشرّع أبوابه: مستقبلاً جديد الله الحاضر دوماً في قلوب الفقراء والمهمشين واليتامى والأرامل وذوي الإحتياجات الخاصّة...
لا يهمّ أين سيولد المخلّص، ما يهمّه أن يكون اليوم معك في بيتك وبين أسرتك وعملك، مخدعك - قصرك الداخليّ (القدّيسة تريزا الافيليّة) مهده ومستقرّه وراحته، فعندها تتحوّل حياتك بفعل الرّوح القدس (لو2: 13) إلى نجمة مشعّة بأنوار الحبّ تهدي العِطاش إلى ينبوع الحياة.
الخوري جان بول الخوري