فسيفساء رحمة وتناغم، هكذا وصف البابا فرنسيس اليوم العالمي الحادي والثلاثين للشباب والذي سيستقبل الأب الأقدس يوم الأربعاء في السّابع والعشرين من تموز يوليو الجاري في زيارته الخامسة عشرة خارج الأراضي الإيطاليّة والتي ستحمله إلى بولندا.
وحول زيارة الأب الأقدس هذه إلى موطن القدِّيس يوحنّا بولس الثاني أجرى مركز التلفزة الفاتيكانيّة مقابلة مع الكاردينال بييترو بارولين أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان.
قال الكاردينال بييترو بارولين إنّ البابا فرنسيس بالتأكيد سيسير على الدّرب عينه الذي بدأه يوحنّا بولس الثاني وساره أيضًا بندكتس السّادس عشر. مسيرة مع الشباب، مسيرة إيمان ورجاء ومحبّة؛ مسيرة هدفها عينه على الدوام وهو اللقاء بيسوع المسيح. مسيرة تملك خريطة وهذه الخريطة هي الإنجيل وتعليم الكنيسة، وتملك خبزًا وغذاء وهو الافخارستيا.
وبالتالي تتغيّر السيناريوهات وتختلف القارات والبلدان ولكن المسيرة تستمرّ، هناك استمرار في هذه المسيرة. ويبدو لي أنّه فيما يختصّ بتعليم البابا يوحنّا بولس الثاني يمكننا أن نسلّط الضّوء أيضًا على واقع أن هذا اليوم العالمي للشباب يُعقد في قلب سنة الرّحمة المقدّسة.
فأن نقول رحمة يعني أن نشير إلى جزء أساسي من الإرث التعليمي والرّوحي للبابا فويتيوا القدّيس يوحنا بولس الثاني، الذي كرّس إحدى أولى رسائله العامّة "الغني بالمراحم" لواقع الرحمة هذا بالإضافة إلى العديد من المبادرات الأخرى التي تشدّد على هذا الجانب: يكفي أن نذكر إعلان قداسة الأخت فوستينا كوفالسكا، في السنة المقدّسة وتأسيس أحد الرّحمة الإلهيّة في أحد الحواريين أي الأحد الثاني من الفصح.
وبالتالي فقد شدّد يوحنّا بولس الثاني كثيرًا على هذه الناحية التي سيسلّط الضّوء عليها البابا فرنسيس مجدّدًا خلال هذا اليوم العالمي للشباب لكي يُضرم شعلة الرّحمة هذه في قلوب الشباب فيضطرم العالم بأسره بنار الرّحمة بحسب موضوع هذا اليوم العالمي "طوبى للرّحماء فإنّهم سيرحمون".
تابع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان متحدثًا عن عبور البابا للباب المقدّس في لاجييفنيكي (Lagiewniky) والذي سيشكّل إحدى اللحظات المؤثّرة أيضًا خلال يوبيل الرّحمة هذا لاسيَّما أنّه يتمّ في كراكوفيا مدينة القدّيسة فاوستينا كوفالسكا رسولة الرَّحمة الإلهيّة وقال إن البابا فرنسيس قد قال بوضوح أيضًا في الرِّسالة التي وجّهها للشباب الذي سيشاركون في هذا الحدث إنّ هذا العبور سيشكّل ذهابًا نحو يسوع المسيح وسيكون بمثابة أن نسمح له بأن ينظر إلينا فنلتقي بنظرته الرّحيمة لنقول له بثقة تامّة واستسلام كامل تلك الصّلاة التي علّمتنا إيّاها القدّيسة فاوستينا: "يا يسوع إني أثق بك".
وأعتقد أن هذه الخبرة ستكون خبرة الأب الأقدس أيضًا إذ أنّه سيكون أوّل من سيختبر اللقاء الشّخصي مع الرّب والرّحمة الإلهيّة. وبالتالي سيزور الحبر الأعظم مزار الرّحمة الإلهيّة حيث سيصغي إلى بعض الاعترافات ويمارس بدوره سرّ الرّحمة، كما سيصلّي أيضًا في الأماكن التي عاشت فيها القدّيسة فاوستينا ولاسيَّما في الكابلة التي نالت فيها معظم الرؤى وحيث كتبت يومياتها التي ولدت منها روحانيّة يسوع الرّحوم المميّزة؛ من ثمّ ومع جميع الحجاج والمؤمنين سيعبر الأب الأقدس الباب المقدّس.
أضاف الكاردينال بييترو بارولين أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان مجيبًا على سؤال حول الرِّسالة التي يحملها الأب الأقدس لأوروبا في زيارته هذه لبولندا أول بلد أوروبي كبير يزوره بعد زيارته إلى ستراسبورغ وقال من الواضح أن هذه الزيارة هي للمشاركة باليوم العالمي للشباب وبالتالي أعتقد أن البابا لن يتوجّه مباشرة لا إلى بولندا، البلد الذي يستقبل هذا الحدث، ولا إلى أوروبا لأنّ الشباب المشاركين يمثلون العالم أجمع، بالرّغم من أنّ هذا اليوم العالمي للشباب يُعقد في بلد في قلب أوروبا وأن أغلبية المشاركين هم من القارة الأوروبيّة.
أمّا فيما يختصّ بأوروبا فأعتقد أن البابا فرنسيس سيكرّر لهؤلاء الشباب الرِّسالة التي عبّر عنها مرّات عديدة وفي مناسبات مختلفة إن كان في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ وإمّا خلال تسلّمه جائزة شارلمان الدوليّة. ويمكنني أن أُلخِّص هذه الرّسالة بكلمتين: رسالة رجاء إزاء مستقبل أوروبا وإزاء التحديات العديدة أيضًا أمام بناء أوروبا، ومن ثمّ رسالة شجاعة بمعنى إعادة اكتشاف الجذور المسيحيّة الأصيلة لأوروبا والتي سمحت لأوروبا بأن تصل إلى ما هي عليه.
هذا وقد ذكّر الأب الأقدس بشكل خاص أيضًا بروح الأنسنة الذي قد ميّز أوروبا على الدوام وفي الوقت عينه بشجاعة إعلان الإنجيل في أوضاع الحياة المتقلِّبة التي تعيشها وإزاء المشاكل الكبيرة التي تواجهها يوميًّا لاسيّما مشكلة الفقر الروحيّ والماديّ.
بعدها أجاب أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان على سؤال حول زيارة البابا فرنسيس لمزار شستوخوفا بمناسبة ذكرى مرور 1050 سنة على معموديّة بولندا وحول الشّهادة الأمينة والشّجاعة التي تقدّمها الجماعة الكاثوليكيّة في بولندا وقال إنّه احتفال شكر: فالبابا يذهب، مع الكنيسة البولنديّة والرعاة والمؤمنين ليرفع الشكر على هذه السنوات للإيمان المسيحي. أعتقد أن الكنيسة البولنديّة هي كنيسة قويّة وحيّة، ومن خلال اتحادها مع رعاتها لا تزال تقدم شهادة للإيمان حتى في الأوضاع الحاليّة المتقلّبة.
هناك العديد من العائلات الصالحة والشباب الذين يلتزمون في التنشئة وفي الحياة المسيحيّة، هناك دفع رسوليّ ورغبة في الرسالة. هناك أيضًا دعوات للحياة الكهنوتيّة والحياة الرهبانيّة، وبالتالي فهو نسيج ثابت، ولكنّه مدعو اليوم للإجابة على التحديات الجديدة ومن بينها تحدّي العلمنة وفقدان معنى الله والعيش كما ولو أن الله ليس موجودًا في مجتمعاتنا. بهذا المعنى ينبغي على الكنيسة البولنديّة أن تكون مُبدعة ومنفتحة في إيجاد أساليب وطرق جديدة للإجابة على هذه المشاكل الجديدة.
وختم الكاردينال بييترو بارولين أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان مجيبًا على سؤال حول زيارة البابا فرنسيس لمخيمات الاعتقال النازية على الأراضي البولنديّة في أوشفيتز وبيركناو ولمستشفى الأطفال في كراكوفيا وقال من الأهميّة بمكان أن أشير إلى أن البابا فرنسيس قد أراد هاتين الزيارتين منذ بداية التحضيرات لهذه الزيارة وأنا أصفهما بمكان الرّعب ومكان الألم. مكان الرّعب أوشفيتز وبيركناو ومكان شهادة القدّيس مسيميليانو كولبيه ومحرقة الشّعب اليهوديّ. وحضور الأب الأقدس سيكون حضورًا صامتًا لأنّه لن يلقيَ أية كلمة لهذه المناسبة، وأعتقد أن الصّمت إزاء هذا الرّعب يبقى أكثر بلاغة من الكلام...
وتذكر ضحايا هذا الحقد والجنون البشري هو لنتذكر أيضًا أننا وللأسف وفي يومنا هذا لا نزال نعيش حالات عنف وازدراء للحياة البشريّة وللأشخاص، أوضاع تتفاقم فيها الانقسامات ويتمُّ فيها استعمال الخوف والإرهاب من أجل المصالح الشخصيّة أو لبناء مصالح اقتصاديّة وسياسيّة. من جهّة أخرى تشكل زيارة المستشفى قربًا من ألم الأشخاص... فالبابا يذكر غالبًا أنّه ينبغي على الكنيسة أن تكون قريبة من الأشخاص الذين يتألّمون، وبالتالي فالأطفال المرضى هم أكثر من يحتاجون لهذا القرب على مثال قرب السّامري الصالح... وأعتقد أن زيارة المستشفى تأخذ هذا المعنى، إذ أذكر أنه خلال زيارته لمستشفى للأطفال في المكسيك تحدّث البابا فرنسيس عن علاج المحبّة، وبالتالي سيستعمل البابا في هذا الإطار أيضًا العلاج نفسه وسيدعو الجميع لعيشه وتطبيقه إزاء هؤلاء الأطفال وجميع المتألمين.
إذاعة الفاتيكان.