وصل البابا فرنسيس مساء الإثنين إلى تشيلي مبتدئاً زيارته الرسولية الثانية والعشرين خارج الأراضي الإيطالية والتي ستقوده إلى تشيلي ثم بيرو. حطت طائرة البابا على أرض مطار سانتياغو الدولي في تمام الساعة الثامنة وعشر دقائق مساءً بالتوقيت المحلي، حيث كانت في استقباله الرئيسة التشيلية المنصرفة السيدة ميشال باشليه وعدد من الشخصيات المدنية والدينية.
صباح الثلاثاء توجه البابا فرنسيس إلى قصر "لا مونيدا" بالعاصمة التشيلية حيث كان له لقاء مع ممثلين عن السلطات المدنية والمجتمع المدني وأعضاء السلك الدبلوماسي. وجّه البابا للحاضرين ـ تتقدمهم السيدة باشليه ـ خطاباً استهله معبراً عن فرحه لزيارة أرض تشيلي الحبيبة، وشكر الجميع على الضيافة الحارة التي لاقاها.
وبعد أن أشار فرنسيس إلى أن النشيد الوطني التشيلي يشكل مديحاً لهذه الأرض المفعمة بالوعود والتحديات لكنها تتطلع أيضًا إلى المستقبل، عبّر عن امتنانه لرئيسة البلاد على كلمات الترحيب التي وجهتها له وقال إنه يود أن يحيي ويعانق الشعب التشيلي بأسره من منطقتي أريكا وباريناكوتا في أقصى الشمال وصولا إلى الأرخبيل في الجنوب، لافتاً إلى أن هذا البلد يتمتع بالتنوع والغنى الجغرافي، ما يسمح باستشفاف غنى الثقافة المتنوعة التي تميّز شعبه.
وتوجّه البابا بالشكر بعدها إلى أعضاء الحكومة ورئيسي مجلسي النواب والشيوخ وقضاة المحكمة العليا، وحيا أيضا الرئيس المنتخب سيباستيان بينيرا إنكيكيه الذي كلّفه الشعب بإدارة شؤون البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة.
هذا ثم أشار البابا إلى أن تشيلي تميّزت خلال العقود الماضية بنمو الديمقراطية ما سمح بتحقيق تقدم لافت، مؤكدًا أن الانتخابات السياسية الأخيرة شكلت تعبيراً عن التضامن والنضوج اللذين تم التوصل إليهما في وقت تستعد فيه البلاد للاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لاستقلالها.
وذكّر البابا الحاضرين بكلمات الكاردينال سيلفا هنريكيز الذي أكد أن جميع التشيليين مدعوون ليكونوا بناة هذا الوطن وهو واجب بدأ منذ فترة طويلة، وما يزال مدعاة اعتزاز وفخر للجميع. ولفت فرنسيس بعدها إلى أن كل جيل مدعو إلى الاهتمام بانجازات الجيل الذي سبقه والسعي إلى الارتقاء بهذه الانجازات إلى مستوى أرفع، مذكراً بأن قيماً شأن الخير والمحبة والعدالة والتضامن لا تتحقق مرة واحدة، بل ينبغي اكتسابها يومياً.
تابع البابا خطابه إلى السلطات المدنية مشيراً إلى وجود تحدّ كبير يطرح نفسه اليوم أمامنا: ألا وهو متابعة العمل كي تصبح الديمقراطية ـ التي حلم بها الآباء ـ فسحة يتلاقى فيها الجميع ويشعر فيها كل مواطن بأنه مدعو لبناء بيت وعائلة وأمة: هي تشيلي، هذا البلد المضياف والسخي الذي يحب تاريخه ويعمل من أجل حاضر التعايش ويتطلع بأعين الأمل إلى المستقبل.
وهذا المستقبل يُبنى من خلال القدرة على الإصغاء والتي يتمتع بها الشعب والسلطات. واعتبر البابا في هذا السياق أن هذه القدرة على الإصغاء تكتسب قيمة كبيرة في هذه الأمة، حيث من الأهمية بمكان أن تُصان التعددية العرقية والثقافية والتاريخية، وتكون منفتحة على الخير العام.
وشدد فرنسيس على أهميّة الإصغاء إلى الأشخاص العاطلين عن العمل، والعاجزين عن تلبية احتياجات عائلاتهم، وإلى السكان الأصليين، المنسيين غالباً، كي لا تُفقد هويتهم وثقافتهم. كما لا بد من الإصغاء إلى المهاجرين الذين يقرعون أبواب تشيلي بحثاً عن حياة أفضل، يحركهم الأمل في بناء مستقبل كريم للجميع. وينبغي أن نصغي أيضاً إلى الشبيبة الذين يبحثون عن فرص أفضل ـ لاسيما على الصعيد التربوي ـ كي يتمكنوا من الاضطلاع بدور ريادي في المجتمع، ونصغي إلى العجزة الذين يتمتعون بحكمة ضرورية جداً، وإلى الأطفال المشرفين على هذه الحياة والذين ينتظرون منّا أن نقدم أجوبة واقعية تساهم في بناء مستقبل كريم.
وعبّر البابا في هذا السياق عن ألمه حيال الأضرار الجسيمة وليدة التعديات الجنسية التي تعرض لها عدد من الأطفال على يد كهنة في الكنيسة الكاثوليكية، وقال إنه يضم صوته إلى صوت الأساقفة في طلب المغفرة وفي دعم الضحايا والسعي إلى منع تكرار هذه التعديات.
في ختام كلمته إلى السلطات المدنية توقف فرنسيس عند أهمية الالتزام في الاعتناء بالبيت المشترك من خلال تعزيز ثقافة تعرف كيف تعتني بالأرض ولا تكتفي في التعامل مع المشاكل الإيكولوجية والبيئية الراهنة، مؤكداً أن حكمة السكان الأصليين قادرة على الإسهام في هذا المجال.
إذاعة الفاتيكان.