زمن الشِدّة، زمن الخلاص

متفرقات

زمن الشِدّة، زمن الخلاص

 

 

 

زمن الشِدّة، زمن الخلاص

 

 

ينتاب الإنسان إحباطٌ أمام واقع الحياة المليء بالشّدائد، مِن العواصف التي تجتاح كلّ شيء، إلى إنفجار السَّيارات المُفخّخة والقصف الجويّ والدّمار والتهجير.... إنّها العلامات على تساقط النجوم من السّماء واهتزاز القوى السّماويّة (مر 13/ 24).

 

لكن بدلاً من أن نُغرق أنفسنا في هذه الحقائق المُخيفة، يقول لنا الإنجيل باستمرارٍ أنّ هذه الكوارث هي آلام المخاض التي تُهيّء مجيء إبن الإنسان في مجده. نقرأ في نبوءة دانيال: "سيكون وقت ضيق لم يكن منذ كانت أُمّة إلى ذلك الزمن" (دا 12/ 1).

 

لكنه يُضيف مباشرةً: "في ذلك الزمان ينجو شعبكَ. ويُضيء العُقلاء... والذين جعلوا كثيرًا من الناس أبرارًا، كالكواكب أبدَ الدهور" (دا 2/12-3). ويُعلن لنا إنجيل مرقس (مر27/13) أنّ الملائكة يأتون ليجمعوا المختارين... من أقصى الأرض إلى أقصى السّماء.

 

من الواضح، - أنّه حتّى ولو كان ذلك هو موقف إيمان، - يجب أن لا نفقد الأمل وأن نعمل كلّ ما في وسعنا، لكي نُغيّر هذه الآلام إلى آلام مخاض، والدّمار إلى بناءٍ لعالمٍ أكثر عدالةٍ، والتهجير إلى وسيلةٍ لتجمُّعٍ جديد. إنّ أفضل طريقةٍ لانتظار عودة الرّبّ، هي أن نُساعد في بناء مجتمعٍ جديدٍ وأن نكون فاعلي سلام.

 

تعلّموا قراءة العلامات:

 

عندما تُزهر التينة يعلم الفلاح أنّ الربيع قريب (مر 28/13). وهو يعلم أنّ المطر والجفاف قادمين، عندما تأتي الغيوم من الغرب والرّياح السَّاخنة من الشّرق.

 

إذا كُنتم تعرفون قراءة علامات الأزمنة، فلماذا أنتم عميان لا ترون علامات حضور الله التي يُعطينا إيّاها كلَّ يوم؟ لماذا أنتم صُمُّ لا تسمعون صوت الله الذي يكلّمنا دون انقطاع في موسيقى الكون؟ صحيحٌ أنّ الإنسان يُصبح أكثر فأكثر ذكاءً، لكنّه يفقد في الوقت نفسه ذكاء الفلاح.

 

يقول باستور: "القليل من العِلم يُبعد عن الله، والكثير من العِلم يُعيدنا إليه". علينا أن نعرف كيف ننظر إلى السّماء دون أن نتعثّر في مسيرنا. علينا أن نعرف كيف ننتظر العالم الآتي، ونبني في الوقت ذاته العالم الذي نعيش فيه. علينا أن نعرف كيف ننتظر مجيء ابن الإنسان، وأن نكون مُلتزمين في آنٍ معًا. علينا أن نكون علامات لمجيء الله، الحاضر فعلاً بيننا، لكن ليس بعد في ملئه.

 

عيش يوم الله الحاضر:

 

فلا ندعنّ المصائب تشلُّ حركتنا؛ لكن بالعكس، لنجعل من ذلك ما يُساعدنا على الالتزام باليوم الحاضر. على إيماننا بعودة المعلّم أن لا يجعل منّا عَمَلة كسالى يتركون عملهم بانتظار ما سيأتي، ولا عَمَلةً يُغرقون أنفسهم بأعمالٍ تافهة وينسون الإنتظار.

 

علينا أن نكون عَمَلة ً مُخلصين عارفين كيف يعملون، يُلهمهم انتظار مجيء المُعلّم ويعرفون كيف ينتظرون. نعم: "الأرض والسّماء تزولان، وكلامي لن يزول" (مر 13/ 31).

 

لا يطلب منّا الإنجيل أن نتحسّر على الماضي، ولا أن نخاف من المستقبل، لكن أن نلتقي الله في اللحظة الحاضرة، وأن نكون متيَّقظين لحضوره، هنا والآن.

 

 

 

 

بقلم الأب هانس بوتمان اليسوعيّ